العقلانية هي الموقف الفلسفي الذي من خلاله يكون العقل هو المصدر النهائي للمعرفة البشرية، كما إنه يتناقض مع الفلسفة التجريبية، التي بموجبها تكفي الحواس في تبرير المعرفة، وبشكل أو بآخر تظهر العقلانية في معظم التقاليد الفلسفية، فظهرت في التقاليد الغربية، وهي تفتخر بقائمة طويلة ومتميزة من الأتباع، بما في ذلك أفلاطون وديكارت وكانط، وتستمر العقلانية في كونها نهجًا فلسفيًا رئيسيًا لصنع القرار اليوم.
رينيه ديكارت:
كان ديكارت أول عالم عقلاني حديث، وهو عالم رياضيات أصيل كان يطمح إلى إدخال الدقة والوضوح في الفلسفة التي أسعدته في الرياضيات، ثم شرع في الشك في كل شيء على أمل الوصول في النهاية إلى شيء لا شك فيه، إلى أن وصل هذا في كتابه الشهير cogito ergo sum، –أنا أفكر ، لذلك أنا موجود -، لأن الشك في شك الفرد سيكون أمرًا سخيفًا.
هنا كانت حقيقة اليقين المطلق، التي قدمها من خلال الوضوح والتميز اللذين تم تقديهما لعقله، فكانت مهمته هي البناء على هذا كأساس، لإستنتاج سلسلة من الافتراضات الأخرى، كل منها يتبع بنفس الدليل الذاتي، كان يأمل بالتالي في إنتاج نظام فلسفي يمكن للناس أن يتفقوا عليه تمامًا كما يفعلون في هندسة إقليدس، ويرى أن السبب الرئيسي للخطأ يكمن في الرغبة الاندفاعية في الإيمان قبل أن يصبح العقل واضحًا، إنّ الوضوح والتميز اللذين أصر عليهما لم يكنا الإدراك بل التصور، فالوضوح الذي يدرك به العقل فكرة مجردة، مثل الرقم ثلاثة أو كونه أكبر من اثنين.
بنديكت سبينوزا و جي لايبنيز:
تم تبني طريقته في الأساسيات من قبل كل من بنديكت سبينوزا – 1632-1677 – و جي.لايبنيز – 1646-1716 -، الذي وافق على أن إطار الأشياء يمكن أن يُعرف بالتفكير المسبق، لكنهم اختلفوا عنه في نقاط البداية، أكثر ما كان لا يمكن إنكاره بالنسبة لسبينوزا لم يكن وجود نفسه، بل وجود الكون، الذي أطلق عليه – الجوهر -، من فكرة الجوهر وبمساعدة بعض التعريفات والبديهيات، اشتق نظامه بالكامل والذي حدده في كتابه الأخلاقي بطريقة رسمية على غرار هندسة إقليدس.
لا يزال بالنسبة لكل من سبينوزا ولايبنيز، ظل الكثير من الطبيعة غامضًا بشدة، إلى أن ميّز لايبنيز الحقائق الضرورية، تلك التي يكون العكس منها مستحيلاً كما في الرياضيات، من الحقائق العرضية وعكسها ممكن، مثل – الثلج أبيض -، لكن هل كان هذا تمييزًا نهائيًا؟، فقال ليبنيز بجرأة في بعض الأحيان أنه إذا كان البشر فقط يعرفون ما يكفي، فإنهم سيرون أن كل اقتراح حقيقي صحيح بالضرورة أي أنه لا توجد حقائق محتملة، بحيث يجب أن يكون الثلج أبيضًا.
إيمانويل كانط:
كيف إذن، يعمل العقل وكيف يمكن الحصول على معرفة تتجاوز الخبرة؟، هنا قدم كانط إجابة جديدة في كتابه نقد العقل الخالص – 1781 – 1787 -، والذي كما قال تضمن ثورة كوبرنيكية في الفلسفة، والسبب في ذلك أنّ المنطق والرياضيات سيظلان صالحين لجميع التجارب، فهما ببساطة هو أن إطارهما يقع داخل العقل البشري.
إنها أشكال من الترتيب المفروضة من الداخل على المواد الخام للإحساس فسيجد البشر دائمًا أشياء مرتبة في أنماط معينة، لأنهم هم من رتبوها عن غير قصد، ومع ذلك أكدّ كانط أن هذه الأمور اليقينية تم شراؤها بسعر باهظ، فقط لأن الرؤى المسبقة هي انعكاس للعقل، فلا يمكن الوثوق بها باعتبارها انعكاسًا للعالم خارج العقل.
فلا يمكن معرفة ما إذا كان النظام العقلاني الذي يتم فيه ترتيب الإحساس – والترتيب، وعلى سبيل المثال للزمان – والمكان -والسببية، يمثل ترتيبًا يحتفظ به بين الأشياء في ذاتها، وهكذا كانت عقلانية كانط هي نظير شك عميق.
جورج هيجل:
حاول جورج.هيجل – 1770-1831 – الخروج الشك الذي مارسه كانط بفلسفته العقلانية، ويعد هيجل من أكثر المفكرين العقلانيين شمولاً، حيث جادل بأن التفكير في المجهول يعني بالفعل إدخاله في نطاق ما هو معروف، وأنه لا معنى للحديث عن منطقة يكون فيها المنطق غير صالح.
وعلاوة على ذلك، لطرح السؤال – لماذا؟ -، فهو افتراض أنّ هناك إجابة واضحة عليه، في الواقع يجب أن يكون إيمان الفيلسوف أن الحقيقي هو العقلاني والواقعي العقلاني، لأن هذا الإيمان متضمن في المشروع الفلسفي نفسه، كمحاولة لفهم العالم وتفسيره.
الفلسفة هي عملية وضع شيء ما في سياق يكشف عنه عند الضرورة، لكن هذه الضرورة ليست كما افترض العقلانيون الأوائل، حيث قضية كل شيء أو لا شيء تنطلق في نهائية بديهية، فالفهم مسألة درجة، ما يشكّل وحده أن يرضي الفكر كليًا، فهو نظام شامل في آن واحد ومرتّب بحيث تستلزم أجزائه بعضها البعض.
لقد اعتقد هيجل أن الكون يشكل مثل هذا الكل، وباعتباره مثاليًا اعتبر أنه عقل واحد مطلق، إلى الدرجة التي يجسد فيها الفلاسفة هذا العقل ويدركونه، فإنّ عقولهم ستحقق الحقيقة والواقع، والذي في الحقيقة يعكس تقدم الحضارة الوجود المتزايد والسيطرة على مثل هذا النظام في الروح البشرية، فتم تطوير أنظمة عقلانية مماثلة إلى حد كبير في إنجلترا بواسطة إف إتش برادلي – 1846-1924 – وبرنارد بوسانكيه – 1848-1923 – وفي أمريكا بواسطة جوشيا رويس – 1855-1916-.