الفكر الهلنستي في الفلسفة الأبيقورية والتشاؤمية

اقرأ في هذا المقال


يُعتقد عمومًا أنّ الفترة الهلنستية في الفلسفة بدأت بوفاة الإسكندر عام 323، وانتهت تقريبًا بمعركة أكتيوم في عام 31 قبل الميلاد، وعلى الرغم من أنّه يمكن النظر الأكاديمية والليسيوم في تحقيق شامل في الفلسفة الهلنستية. إلّا أنّ العلماء يركزون عادة على الأبيقوريين والساخرين والرواقيين والمتشككين، وتنقسم الفلسفة الهلنستية تقليديًا إلى ثلاثة مجالات دراسية وهي: الفيزياء والمنطق والأخلاق، وقد تضمنت الفيزياء دراسة الطبيعة بينما تم تفسير المنطق على نطاق واسع بما يكفي ليشمل ليس فقط قواعد ما نعتبره اليوم منطقًا ولكن أيضًا نظرية المعرفة وحتى علم اللغة.

الفلسفة الأبيقورية:

غالبًا ما يُنظر إلى أبيقور المولود عام 341 والمتوفى عام 271 قبل الميلاد ومدرسته عن طريق الخطأ على أنّهما محض مذهب المتعة، بحيث أنّ الأبيقور في الوقت الحاضر يعين الشخص الذي يسعد بالأطعمة والمشروبات الفاخرة، ومن الناحية اللغوية من الصحيح أن نطلق على أبيقور وأتباعه بأنّهم أتباع اللذة، حيث نشير فقط إلى المتعة دون حصر تلك المتعة في الملذات الجسدية.

كانت مدرسة أبيقور وهي الحديقة (حديقة فعلية بالقرب من أثينا) صديقة في المقام الأول بطبيعتها وغير هرمية، على الرغم من أنّ أبيقور كان مؤلفًا غزير الإنتاج إلّا أننا لم نحتفظ إلّا بثلاث رسائل فقط من رسائله في حياة ديوجين لارتيوس، وبخلاف ذلك فإننا نعتمد إلى حد كبير على الأبيقوري لوكريتيوس وعمله في طبيعة الأشياء، وخاصة لفهم الفيزياء الأبيقورية والتي كانت في الأساس مادية، وكان الهدف من الفهم الحقيقي لأبيقور والذي يجب أن يتضمن فهمًا للفيزياء هو الهدوء.

الفيزياء:

كان أبيقور وأتباعه ماديين حقيقيين، وكل شيء ما عدا الفراغ حتى النفس البشرية تتكون من أجساد مادية، وكان الأبيقوريون من علماء الذرات وبالتالي اعتقدوا أنّه لا يوجد شيء سوى الذرات والفراغ، فالذرات تتنوع إلى أجل غير مسمى في أشكالها، ولأنواع كثيرة من الأشياء كما نراها لا يمكن أن تنشأ عن تكرار عدد محدد من نفس الأشكال، وعلاوة على ذلك فإنّ هذه الذرات دائمًا في حالة حركة، وستظل في حالة حركة في الفراغ حتى يتمكن شيء ما من تقديم مقاومة كافية لإيقاف الذرة عن الحركة.

توفر نظرة أبيقور للحركة الذرية نقطة انطلاق مهمة عن الذرية الديموقراطية، وبالنسبة لديموقريطس تتحرك الذرات وفقًا لقوانين الضرورة، لكن بالنسبة إلى أبيقور تنحرف الذرات أحيانًا أو تغامر بعيدًا عن مسارها المعتاد وهذا يرجع إلى الصدفة، وفرصة تتيح مساحة للإرادة الحرة، فيبدو أنّ الأبيقوريين يعتبرون أنّ هناك حرية الإرادة أمرًا مسلمًا به ثم يطبقون هذا الافتراض على فيزياءهم، أي أنّه يبدو أنّ هناك إرادة حرة لذلك يطرح الأبيقوريون تفسيرًا ماديًا لذلك.

الأخلاق:

يأتي الكثير مما نعرفه عن الأخلاق الأبيقورية من رسالة أبيقور إلى مينوسوس والتي تم حفظها في حياة ديوجين لايرتيوس، فالهدف من الحياة الطيبة هو الهدوء (ataraxia)، ويحقق المرء الهدوء بالبحث عن المتعة (اللذة) ولكن لا تكفي أي متعة فقط، والنوع الأساسي من المتعة هو بساطة التحرر من الألم والخوف، ولكن حتى هنا يجب ألّا نسعى إلى التحرر من كل أنواع الألم، ويجب أن نلاحق بعض الأشياء المؤلمة إذا علمنا أنّ القيام بذلك سيجلب متعة أكبر في النهاية، لذلك تتشكل مذهب المتعة لدى أبيقور ليكون مذهبًا متنوعًا.

في الواقع يوصي بحياة بسيطة قائلاً إنّ أقصى درجات الاستمتاع بالرفاهية تأتي لأولئك الذين يحتاجون إلى الرفاهية الأقل، وبمجرد اعتيادنا على تناول الأطعمة العادية على سبيل المثال نتخلص تدريجياً من آلام فقدان الأطعمة الفاخرة ويمكننا الاستمتاع بساطة الخبز والماء، كما ينكر أبيقور صراحةً أنّ الملذات الحسية تشكل أفضل حياة ويجادل بأنّ حياة العقل -التي تتضمن إزالة المعتقدات الخاطئة التي تسبب لنا الألم- ستجلب لنا السلام والهدوء.

نوعان من المعتقدات التي تسبب لنا الألم والقلق هما بالدرجة الأولى وهما:

1- مفهوم خاطئ عن الآلهة.

2- سوء فهم للموت.

ومعظم الناس وفقًا لأبيقور لديهم تصورات خاطئة عن الآلهة وبالتالي فهم غير تقية، وعلى غرار زينوفانيس سيشجعنا أبيقور على عدم تجسيد الآلهة والتفكير فقط في ما يناسب أكثر الكائنات المباركة والأبدية، فنحن لا نفكر بوضوح عندما نعتقد أنّ الآلهة تغضب منا أو تهتم على الإطلاق بشؤوننا الشخصية، فلا يليق بالكائن الأبدي والمبارك أن يغضب أو يتدخل في شؤون البشر.

ومع ذلك ربما يكون أبيقور مجسمًا هنا، ويبدو أنّ الحجة تعتمد على حجته بأنّ الهدوء هو أعظم سعادتنا، وعلى افتراض أنّ الآلهة يجب أن تختبر هذه المتعة، من ناحية أخرى يمكن للمرء أن يقرأ أبيقور كنوع من اللاهوت السلبي البدائي الذي يقترح فقط أنّه من غير المعقول تصديق أنّ الآلهة أفضل الكائنات وتشعر بالألم على الإطلاق، وقد يتساءل المرء عما إذا كان يمكن تجنب التجسيم البشري على الإطلاق.

يجب ألّا نخاف الموت لأنّ الموت ليس شيئًا بالنسبة لنا لأنّ الخير والشر يعنيان إحساسًا، والموت هو حرمان كل عاطفة، والمفتاح هنا هو الافتراض الأول القائل بأنّ الخير والشر ينطبقان فقط على الكائنات الحية، ونتذكر أننا بالنسبة لإبيقور كائنات مادية تمامًا، فكلا العقل والروح جزء من جسد الإنسان، والجسد البشري ليس شيئًا إنّ لم يكن واعيًا، لذلك عندما يموت الجسد يموت العقل والروح أيضًا وكذلك الإحساس، وهذا يعني أنّ الموت ليس شيئًا حرفيًا بالنسبة لنا.

حيث إنّ الرعب الذي نشعر به من الموت الآن سوف يتلاشى بمجرد أن نموت، لذلك من الأفضل التحرر من الخوف من الموت الآن، وعندما نتخلص من الخوف من الموت وأمل الخلود الذي يصاحب ذلك الخوف ويمكننا أن نتمتع بقيمة فنائنا.

فلسفة التشاؤمية:

لم يكن المتشائمون على عكس الأبيقوريين فهم مدرسة فلسفية بشكل صحيح، وفي حين أنّ هناك خصائص محددة للفكر الساخر لم يكن لديهم عقيدة أو مبادئ مركزية، ولقد كانت حركة متباينة مع تفسيرات مختلفة لما يشكل ساخرًا، وتتوافق هذه الحرية التفسيرية جيدًا مع إحدى الخصائص التي ميزت السخرية القديمة، والتحرر الجذري من المعايير الاجتماعية والثقافية، وقد فضّل المتشائمون بدلاً من ذلك حياة تعيش وفقًا للطبيعة.

تأتي معظم المعلومات التي حصلنا عليها من كتاب حياة ديوجينيس لارتيوس، والتي كُتبت بعد قرون من حياة ديوجينيس الساينيك وبالتالي فهي إشكالية من الناحية التاريخية، ومع ذلك فإنّه يوفر لنا وصفًا تخيليًا لحياة ديوجين السنيدي والتي كانت على ما يبدو غير عادية ورائعة.

يبدو أنّ المتشائمين قد أخذوا جوانب معينة من حياة وفكر سقراط ودفعوه إلى أقصى الحدود، وقد يتساءل المرء ما الذي يدفع ممارسة الزهد لأي نوع من الحظ؟ وهل هو أننا نرى أنّ الانتقال من متعة سطحية إلى أخرى لا يتحقق في النهاية؟ أم أنّ الممارسة نفسها مدفوعة بنوع من الخوف، كعاطفة يقصد المتشائم إخمادها؟

أي أنّه يمكن للمرء أن يقرأ زهد المتهكم على أنّه محاولة عقيمة لإنكار حقيقة هشاشة الإنسان، على سبيل المثال في أي لحظة يمكن للأشياء التي أستمتع بها أن تتلاشى لذلك يجب أن أتجنب الاستمتاع بهذه الأشياء، ومن ناحية أخرى ربما يكون زهد الساخر تأكيدًا على هذه الهشاشة، ومن خلال عيش الحياة الزهدية للفقر يدرك المتهكم باستمرار ويؤكد محدوديته وهشاشته من خلال اختيار عدم تجاهلها أبدًا.


شارك المقالة: