الفلسفة الذرية لدى أفلاطون وزينوفون وأرسطو

اقرأ في هذا المقال


رأى عدد من المنظرين المهمين في الفلسفة الطبيعية اليونانية القديمة أنّ الكون يتكون من (ذرات) فيزيائية، وبالمعنى حرفيًا (غير قابلة للتجزئة).

الفلسفة الذرية اليونانية القديمة:

طور الفلاسفة القدامى من مثل ليوسيبوس (Leucippus) وديموقريطس (Democritus) وأبيقور (Epicurus) ولوكريتيوس (Lucretius) فلسفة طبيعية منهجية وشاملة تفسر أصول كل شيء بدءًا من تفاعل الأجسام غير القابلة للتجزئة، حيث تضرب هذه الذرات -التي لها فقط عدد قليل من الخصائص الجوهرية مثل الحجم والشكل- بعضها البعض وترتد وتتشابك في فراغ لا نهائي.

يأتي معظم ما يُعرف عن الفلسفة الذرية لليونانيين الأوائل من هجمات أرسطو عليها ومن قصيدة طويلة في طبيعة الأشياء (De rerum natura) للشاعر والفيلسوف اللاتيني تيتوس لوكريتيوس كاروس (حوالي 95-55 قبل الميلاد) لتعميم أفكارها.

تعتبر النظرية الذرية اليونانية مهمة تاريخيًا وفلسفيًا ولكن ليس لها قيمة علمية، ولم تكن مبنية على ملاحظات الطبيعة أو القياسات أو الاختبارات أو التجارب، وبدلاً من ذلك استخدم الإغريقالرياضيات والعقل بشكل حصري تقريبًا عندما كتبوا عن الفيزياء.

ومثل اللاهوتيين اللاحقين في العصور الوسطى أرادوا نظرية شاملة لشرح الكون وليس مجرد رؤية تجريبية مفصلة لجزء صغير منه، ولم يشكل العلم سوى جانب واحد من نظامهم الفلسفي الواسع، وقد هاجم أفلاطون وأرسطو النظرية الذرية لديموقريطس على أسس فلسفية وليس على أسس علمية.

الفلسفة الذرية لدى أفلاطون والأفلاطونيون:

على الرغم من ارتباط المصطلح اليوناني (atomos) بالنظام الفلسفي الذي طوره ليوسيبوس وديموقريطس، والذي يتضمن أجسامًا صلبة وغير قابلة للاختراق، يقدم تيماوس لأفلاطون نوعًا مختلفًا من النظرية الفيزيائية القائمة على العناصر غير القابلة للتجزئة.

ويوضح الحوار وصفًا للعالم حيث تكون الأنواع الأربعة الأساسية المختلفة للمادة -الأرض والهواء والنار والماء- عبارة عن مواد صلبة منتظمة تتكون من أشكال مستوية، وهي مثلثات متساوية الساقين ومثلثات قائمة الزاوية، ونظرًا لأنّ نفس المثلثات يمكن أن تتشكل إلى مواد صلبة منتظمة مختلفة، فإنّ النظرية تشرح كيف يمكن لبعض العناصر أن تتحول إلى بعضها البعض كما كان يُعتقد على نطاق واسع.

في هذه النظرية فإنّ العناصر الصلبة هي التي تعتبر غير قابلة للتجزئة وليس المواد الصلبة نفسها، وعندما يناقش أرسطو الفرضية القائلة بأنّ العالم الطبيعي يتكون من أشياء غير قابلة للتجزئة، فإنّ الرأيين اللذين يعتبرهما هما أفلاطون وديموقريطس على الرغم من أنّه يبدو أنّه يحترم وجهة النظر الأخيرة، كما ينتقد أرسطو كل من محاولات أفلاطون وفيثاغورس في القرن الرابع لبناء أجسام طبيعية تمتلك وزنًا من التجريدات الرياضية غير القابلة للتجزئة سواء كانت أسطح مستوية أو أرقام.

لقد تم اقتراح أنّ أفلاطون قبِل ذرات الوقت، أي الحد الأدنى غير القابل للتجزئة في الوقت المناسب ولكن هذا مثير للجدل، حيث يشير تقرير أعده أرسطو إلى أنّ اعتقاد طالب أفلاطون زينوفون في وجود خطوط غير قابلة للتجزئة قد شاركه أيضًا أفلاطون، وتشير شهادات أخرى إلى أنّ النقاط هي حقًا ما يشير إليه أفلاطون على أنّه غير قابل للتجزئة.

في أواخر العصور القديمة دافع الأفلاطوني المحدث بروكليس عن رواية أفلاطون ضد اعتراضات أرسطو، وهذه الحجج محفوظة في تعليق سمبليسيوس على كتاب أرسطو على السماء، وينسب سيمبليسيوس الفضل إلى فيثاغورس وكذلك أفلاطون مع نظرية تكوين الأجسام من الأسطح المستوية، ويقارن سيمبليسيوس أيضًا وجهات نظر فيثاغورس بالنزعة الذرية الديموقراطية، حيث أنّ كلا النظريتين تفترضان سببًا للحرارة والبرودة، بدلاً من اعتبارهما مبادئ أساسية كما يفعل الأرسطيين.

قيّم أفلاطون الأفكار المجردة أكثر من العالم المادي ورفض الفكرة القائلة بأنّ سمات مثل الخير والجمال كانت (مظاهر ميكانيكية للذرات المادية)، حيث اعتقد ديموقريطوس أنّ المادة لا يمكن أن تتحرك عبر الفضاء بدون فراغ وأنّ الضوء هو الحركة السريعة للجسيمات عبر الفراغ.

الفلسفة الذرية لدى زينوفون:

أطروحة في مجموعة أرسطو ربما ليست من قبل أرسطو نفسه اسمها (على خطوط غير قابلة للتجزئة) تعالج وتدحض عددًا من الحجج المقدمة لوجود سطور غير قابلة للتجزئة، ويقال إنّ زينوفون طالب أفلاطون (396-314 قبل الميلاد) الرئيس الثالث للأكاديمية يؤمن بالأسطر غير القابلة للتجزئة وقد يكون هدفًا لأطروحة أرسطو.

تتناول إحدى الحجج التي تمت مهاجمتها مشكلة زينونيان حول عبور أو لمس سلسلة لا نهائية من الأجزاء على التوالي، وتقدم فكرة وجود خطوط غير قابلة للتجزئة بديلاً للرأي القائل بأنّ أي حجم ممتد يجب أن يكون قابلاً للقسمة إلى ما لا نهاية.

حجة أخرى تتعلق بالأشكال الأفلاطونية وسوف تنطبق فقط على أولئك الذين قبلوا وجودها، حيث يجادل بأنّ شكل المثلث يفترض مسبقًا وجود شكل من الخط، ويضيف أنّ هذا الخط المثالي لا يمكن أن يحتوي على أجزاء، وعلى الأرجح لأنّ الأجزاء مأخوذة لتكون قبل الكل الذي تشكله وأنّ الأشكال بحاجة إلى نوع من الأسبقية لتكون توضيحية.

تعتمد الحجة المتميزة أيضًا على فكرة الأولوية، حيث يُقال أنّه إذا تم اعتبار العناصر المادية التي يتكون منها الجسم على أنّها الأجزاء النهائية قبل الكل فلا يمكن أن تكون قابلة للقسمة بشكل أكبر، وعلى الرغم من أنّ هذا لا يناقش الأسطر غير القابلة للتجزئة في حد ذاتها، إلّا أنّه يُستخدم للإشارة إلى أنّ كائنات المعنى وكذلك الأفكار يجب أن تتضمن أشياء بدون أجزاء.

تعتمد حجة أخرى على التفكير في أنّ الخصائص المعاكسة يجب أن يكون لها خصائص معاكسة، أي إذا كانت الأشياء (كثيرة) أو (كبيرة) تحتوي على أجزاء لا نهائية كما يُقال، فإنّه يجب أن تحتوي الأشياء (القليلة) أو (الصغيرة) على عدد محدود فقط من الأجزاء، وثم يتم استنتاج أنّه يجب أن يكون هناك حجم بدون أجزاء، وعلى ما يبدو بحيث لا يكون قابلاً للقسمة وبالتالي يتكون من عدد لا حصر له من الأجزاء.

تعتمد الحجة الأخيرة على فكرة أنّ علماء الرياضيات يتحدثون عن خطوط قابلة للتناسب، ويفترضون وحدة قياس واحدة، أي هذا لن يكون ممكنًا إذا كانت الوحدة قابلة للقسمة، لأنّ أجزاء الوحدة إذا تم قياسها سيتم قياسها بواسطة قياس الوحدة وسيتضح بعد ذلك أنّه يحتوي على وحدات متعددة داخل نفسه.

الفلسفة الذرية لدى أرسطو:

(Minima Naturalia) أي الطبيعي الصغير هي حجة أطلقها أرسطو، ويأخذها أحيانًا كتّاب لاحقون كدليل على أنّ أرسطو سمح بوجود حدود دنيا في الأشياء الطبيعية، فيكتب أرسطو أنّ هناك حجمًا أصغر من مادة الركيزة التي يمكن أن يحدث عليها شكل نسيج طبيعي معين، على سبيل المثال الدم والعظام يتكونان جميعًا ماديًا من نسب معينة من الأرض والهواء والنار والماء، أي يجب أن يكون هناك حد أدنى معين من هذه المكونات المادية قبل أن يحدث شكل الدم أو العظام.

هذه العقيدة في حين أنّها تتوافق بالتأكيد مع الرأي القائل بأنّ المكونات المادية مع ذلك قابلة للقسمة بلا حدود، إلّا أنّها تقرأ أحيانًا من قبل بعض المعلقين الأفلاطونيين المحدثين والمصادر اللاحقة المهتمة بالنظرية الذرية، وكدليل على أنّ أرسطو أيّد وجود الحد الأدنى من الأجزاء المادية.

في أواخر العصور القديمة يبدو أنّ هذا الجدل قد انتقل بعيدًا عن الحل الجذري المتمثل في فرض الحد الأدنى من الأجزاء المادية أو الذرات (وهي وجهة نظر يبدو أنّها حظيت بعدد قليل من المدافعين) إلى لغز حول إمكانيات التفسير (من أسفل إلى أعلى) أو الحاجة إلى مراعاة الناشئة باعتبارها إشرافية، وليست مجرد منتجات للقاعدة المادية الضرورية.

كما رفض أرسطو وجود الفراغات لأنّه لم يستطع تصور سقوط الأجسام بسرعة متساوية عبر الفراغ، وساد مفهوم أرسطو في أوروبا المسيحية في العصور الوسطى واستند علمها على الوحي والعقل، ورفض اللاهوتيون الكاثوليك الرومان ديموقريطس باعتباره ماديًا وملحدًا.


شارك المقالة: