ظهر شكل تقليدي من الميتافيزيقا في الربع الأخير من القرن في أعمال تلميذ الفيلسوف جون أندرسون الفيلسوف الأسترالي ديفيد ماليت أرمسترونج، حيث يقبل أرمسترونج ضد أندرسون أنّ طبيعة المكان والزمان هي مسألة تتعلق بالتحقيق العلمي، وكذلك تحديد الخصائص الحقيقية، وهي وجهة نظر أندرسون للفضاء ثلاثي الأبعاد والوقت أحادي البعد على أنّه (صخرة قاع وجودية).
ميتافيزيقية أندرسون:
يجد ارمسترونج اهتمامًا حقيقيًا بمفهوم أندرسون للفئات كما تم تفصيله في محاضرات صموئيل ألكساندر التي نُشرت مؤخرًا تحت عنوان المكان والزمان والفئات: محاضرات حول الميتافيزيقيا، حيث في هذه المحاضرات اشتق أندرسون بشكل منهجي عدد الفئات وترتيبها من طبيعة الاقتراح وهيكله الموضوعي المسند، وكانت النتيجة مخططًا من 13 فئة وُضِعت في (الخلافة) على غرار هيجل منظمة في ثلاث مجموعات مع تصنيفات العالمية والكمية بمثابة (فئات روابط) في التحولات بين المجموعتين.
وعلى الرغم من تقديره لهيجل اعتقد أندرسون أنّ كانط قد وضع الأسس لمنطق الأشياء باعتبارها تاريخية، وهنا يمكن اعتبار هيجل رجعيًا فقط، حيث أظهر الفيلسوف إيمانويل كانط أنّ كائنات العلم هي مجرد أشياء للمراقبة وأنّ المادة هي شيء ندركه وليست شيئًا وراء تصوراتنا، وكان إجابة كانط لهيوم أنّ الأشياء المتصورة مرتبطة ببعضها البعض، ويمرون ويؤثرون على بعضهم البعض بطرق مختلفة لأنّهم مرتبطون في المكان والزمان.
نحن ندرك مثل هذه العلاقات في إدراكنا لأي شيء على الإطلاق، ولكن أندرسون يصر ضد كانط على أنّ العلاقات معروفة على نفس المستوى مثل العلاقات ذات الصلة، وكان كانط لا يزال خاضعًا لافتراضات التمثيلية وكان يعتقد أنّ موضوعات العلم مجرد ظواهر، وأنّ نظر كانط إلى المكان والزمان على أنّهما شكلًا من أشكال الحدس الذي يجب أن نختبر العالم تحته، ولقد نظر إلى الفئات مثل السببية والجوهر كأشكال من الفهم يجب أن نفهم العالم بموجبها، والأشياء في ذاتها لا تُمنح لنا من خلال التجربة وبالتالي تبقى خارج نطاق إدراكنا المعرفي.
بهذه الطريقة أقام كانط تقسيمًا لا يمكن الدفاع عنه في الواقع بين الظواهر والأشياء في ذاتها، وإلى جانب هذا التقسيم فكرة أنّ أفكارنا وممارساتنا وأشكال البحث بطريقة ما تخلق أو تشكل الواقع الذي نعيش فيه ونتصرف بناءً عليه و التحقيق، فقد اقترح أندرسون على غرار صموئيل ألكساندر بديلاً واقعيًا مثل أن المكان والزمان لن يتم اعتبارهما شكلاً من أشكال الحدس ولكن كأشكال من الوجود، ومقولات ليس كأشكال من الفهم ولكن كفئة من الوجود، ومقولات يجب أن يندرج تحتها كل الوجود، وفي مثل هذا الاقتراح يمكننا التعرف على أشياء العلم كأشياء في حد ذاتها.
ميتافيزيقية أندرسون وموقف طلابه:
ادعى أندرسون أنّه تجنب مآزق الأسئلة الميتافيزيقية التقليدية المتعلقة بواقع المسلمات من خلال وصفه للقضية، واقترح هوارد أوين موونس أنّ واقعية أندرسون قد لا تكون قادرة على تجنب المشكلة، على وجه الخصوص فإنّ روايته للعالميات معرضة لخطر الانهيار إلى الاسمية فيما يتعلق بمسألة ما إذا كانت العلاقة المدركة بشكل مباشر (على سبيل المثال السببية) هي في مناسبات منفصلة واحدة ونفس الشيء (بالنسبة لمونس أي شيء أقل من الهوية الكاملة سيكون تراجعًا إلى الاسمية).
يشير موونس إلى أنّ أندرسون قد لا يكون قادرًا على صد تحدي الهيومينية (نسبة إلى الفيلسوف ديفيد هيوم) هنا، وسوف ينجذب إلى الجدل المألوف الواقعي-الاسمي حول طبيعة المسلمات، والذي قد يفسر لماذا تأخذ فلسفة أرمسترونج على محمل الجد سؤال أفلاطون عن الشخص والكثير كنقطة انطلاق للتفكير الميتافيزيقي، ومع ذلك من منظور كويني تظل ميتافيزيقيا أرمسترونج على الرغم من مؤهلاتها العلمية المحسنة منتبهة للأسئلة الزائفة للمدرسة القديمة.
بالنسبة لطلابه الأكثر تفكيرًا تجريبيًا بدا أنّ منطق أندرسون يعتمد على عنصر غير مرحب به في الأولوية، أي إضعاف لثقتنا في تحديد أندرسون للمنطق والأنطولوجيا، على سبيل المثال من شأنه أن يقوض بشكل حاسم المكونات الهامة للموقف، فأولاً لن يكون من الواضح بعد الآن أنّ الأشياء التي يتم التحدث عنها معًا يجب أن توجد بنفس الطريقة، وسيصبح مفهوم مستوى واحد من الوجود مسألة للتحقيق (ما هي أنواع الاختلافات الموجودة) بدلاً من تحديدها بواسطة مبدأ عام.
أما فيما يتعلق بفكره الاجتماعي فإنّ أهمية سلوك الأفراد في شرح طبيعة وعمل الحركات والمؤسسات الاجتماعية تتطلب التحقيق، وبدلاً من التصريح القائم على أسس عامة بحتة، ومرة أخرى فإنّ رفض أندرسون لوجهة النظر العقلانية القائلة بوجوب وجود وحدات بسيطة أو نهائية يمكن بناء الأشياء المعقدة عليها لن يؤدي دون مزيد من الجدل إلى الرأي القائل بأنّه لا يمكن وجود مثل هذه الأجزاء البسيطة أو الإجماليات.
وفقًا لأندرسون كانت شكوك ديفيد هيوم نتيجة مباشرة لعدم قدرته على استنباط منطق لإنشاء حساب متماسك للوجود، ولكن معلمه في إدنبرة نورمان كيمب سميث جادل منذ فترة طويلة بأنّ أهمية هيوم كانت في إظهار الحدود الواقعية لكل منطق، وإذا فشل هيوم في استنباط منطق يرضي أندرسون فذلك لأنّ الفلاسفة في رأيه يجب أن يقاوموا إغراء هذا النوع من العمل المنهجي تمامًا.
ظهرت تحفظات هيوم حول العمل المنهجي في شكل آخر مع العودة اللغوية التي اقترحها هو برايس (Huw Price)، الذي أصبح أول تعيين لرئيس تشاليس للفلسفة داخل قسم موحد في سيدني منذ الانقسام في عام 1974، ويصف برايس المشروع بأنّه: “إعادة تجهيز لغوية للميتافيزيقيا”، ومحاولة لتجنب مشكلة التنسيب لماكي، والتي تنشأ على وجه التحديد من هوس بالجانب التمثيلي للغة (على الرغم من أنّ ماكي اعتبر ذلك مع أندرسون كمسألة وجودية)، ففي برايس توجد تعددية وجهات النظر في عالم من نوع مألوف تمامًا: أي تعدد طرق الحديث وطرق السلوك التي لا تحتاج إلى انعكاسها في أنطولوجيا من أي نوع.
لقد لوحظ أنّ أبرز طلاب أندرسون لم يقبلوا في الواقع سوى القليل جدًا من نظامه، ولا يزال الأمر كذلك أنّ أهم التزاماتهم الفلسفية الأساسية يمكن إرجاعها إلى جرأة موقف أندرسون، ويقترح أرمسترونج أنّ الفيلسوف في مرحلة ما يمكنه فقط تحديد التزاماته الأساسية، وفي حالة ارمسترونج يلخص ستيفن مومفورد الموقف بأنّه لا إله، ولا عقول غير مكانية، ولا كيانات مجردة تتجاوز الزمكا، ولا أشكال أفلاطونية أو عالم من المسلمات.
علم الوجود الصارم بدون المسلمات المتعالية وعالم الأرقام والمعايير المتعالية للقيمة والافتراضات الخالدة والأشياء غير الموجودة والإمكانيات والعوالم الممكنة والطبقات المجردة، وينحرف أرمسترونج عن أندرسون في تأكيده على المذهب الطبيعي العلمي في موقف أنّ العالم يجب أن يوصف بالكامل من حيث الفيزياء المكتملة، وماهية الخصائص الموجودة سيحددها العلم فقط في نهاية المطاف، وستبدو النتائج حتمًا غير بديهية في منظور الفطرة السليمة لأرسطو.
لكن بالنسبة لارمسترونج يمكن التوفيق بين هذه النظرة العلمية وشكل من الواقعية الميتافيزيقية المستمدة من تعاليم أندرسون التي تأخذ المسلمات في الوجود بشكل جوهري وليس في عالم متسامي، الأمر الذي يجعل العالم لا يحتوي إلّا على تفاصيل لها خصائص وتتعلق ببعضها البعض، والذي يجعل العالم ليس سوى نظام مكاني وزماني واحد، والذي يعتبر الواقع عالمًا من حالات الشؤون التي يتم تصورها على أنّها تفاصيل تحمل خصائص، والتي تصر على أنّ الحالات الواقعية هي أصغر وحدات الوجود حيث لا التفاصيل ولا الكليات قادرة على الوجود المستقل.