اقرأ في هذا المقال
ولدت الوجودية في القرن العشرين وهي مدرسة فلسفية تدعي أنّ الإنسان حر فهو غير مصمم، بل الإنسان يفعل ما يشاء مما يجعله على ما هو عليه، ويجب أن يجد الإنسان قيمه الخاصة ويجب أن يقرر بنفسه أنّه سيرتكب الأفعال، وهذا يعني أنّ هذا التصميم هو إدراك أنّ الإنسان يجب أن يأخذ على عاتقه قيمه ووجوده.
ظهور الوجود كمشكلة فلسفية:
استمدت وجودية سارتر إلهامها المباشر من عمل الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر، الذي قدّم هايدجر عام 1927 الوجود والوقت، وهو تحقيق في (الوجود الذي نحن عليه) والذي أطلق عليه الدازاين Dasein وهي كلمة ألمانية تشير للوجود، لقد قدم معظم الزخارف التي تميز التفكير الوجودي اللاحق:
- التوتر بين الفرد و”الجمهور”.
- التأكيد على الطابع الدنيوي أو “الوضعي” للفكر والعقل البشريين.
- افتتان بالتجارب الحادة للقلق والموت و “العدم” والعدمية.
- رفض العلم (وفوق كل شيء ، التفسير السببي) كإطار مناسب لفهم الإنسان.
- إدخال “الأصالة” كقاعدة للهوية الذاتية التي ارتبطت بمشروع تعريف الذات من خلال الحرية والاختيار والالتزام.
على الرغم من أنّ هايدجر قد رفض في عام 1946 تسمية أعماله السابقة بأثر رجعي على أنّها وجودية إلّا أنّه في هذا العمل وجد مفهوم الوجود ذي الصلة كأول صياغة فلسفية منهجية له.
وكما فعل سارتر وميرلو بونتي لاحقًا تابع هايدجر هذه القضايا بموارد غير محتملة إلى حد ما من أسلوب إدموند هوسرل الفينومينولوجي، وبينما لم يتأثر جميع الفلاسفة الوجوديين بالظواهر (على سبيل المثال ياسبرز ومارسيل)، فإنّ الإرث الفلسفي للوجودية مرتبط إلى حد كبير بالشكل الذي اتخذته كنسخة وجودية من الفينومينولوجيا.
كانت جهود هوسرل في العقود الأولى من القرن العشرين موجهة نحو تأسيس علم وصفي للوعي والذي من خلاله لم يفهم موضوع العلوم الطبيعية لعلم النفس ولكن الحقل “المتعالي” للقصد، أي أنّ تجربتنا هي ذات مغزى وتجربة لشيء ما.
رحب الوجوديون بمذهب هوسرل عن القصد باعتباره تفنيدًا لوجهة النظر الديكارتية التي وفقًا لها يرتبط الوعي مباشرة فقط بتمثيلاته الخاصة وأفكاره وأحاسيسه، ووفقًا لهوسرل فإنّ الوعي هو انفتاحنا المباشر على العالم الذي يتم التحكم فيه بشكل قاطع (معياريًا) وليس سببيًا، بمعنى أنّ القصدية ليست خاصية للعقل الفردي ولكنها الإطار المقولي الذي يصبح فيه العقل والعالم مفهومين.
إذًا فإنّ فينومينولوجيا الوعي لا تستكشف لا التركيب الميتافيزيقي ولا التكوين السببي للأشياء بل “تكوين” معناها، حيث استخدم هوسرل هذه الطريقة لتوضيح تجربتنا مع الطبيعة والعالم الاجتماعي والثقافي والمنطق والرياضيات، ولكن هايدجر جادل بأنّه فشل في إثارة السؤال الأساسي وهو “معنى الوجود” على هذا النحو.
في اتجاه الفينومينولوجيا نحو مسألة ما يعنيه أن يكون، يصر هيدجر على طرح السؤال بشكل ملموس: إنه ليس في البداية تمرينًا أكاديميًا ولكنه قلق شديد ينشأ من الحياة نفسها فالسؤال عما يعنيه أن أكون، هنا تكتسب الموضوعات الوجودية مكانة بارزة عندما يرى المرء أنّ السؤال العام عن معنى الوجود ينطوي أولاً على أن يصبح المرء واضحًا بشأن كيانه كمستفسر.
فوفقًا لهيدجر المقولات التي ورثها التقليد الفلسفي لفهم كائن يمكنه التشكيك في كيانه غير كافية أي المفاهيم التقليدية لمادة مزينة بالعقل أو لموضوع ينعم بالوعي الذاتي، وتسيء فهم شخصيتنا الأساسية “الوجود في العالم”، ففي سعيه الفينومينولوجي إلى المقولات التي تحكم الوجود في العالم أصبح هايدجر الأب المتردد للوجودية لأنّه استوحى الإلهام من اثنين من الشخصيات الرئيسية على الرغم من أنّه في الدوائر الأكاديمية آنذاك غير معروف نسبيًا وهم كتّاب القرن التاسع عشر سورين كيركيغارد وفريدريك نيتشه.
يمكن للمرء أن يجد توقعات للفكر الوجودي في العديد من الأماكن على سبيل المثال في المفارقة السقراطية أو أوغسطين أو باسكال أو أواخر شيلينج، لكن جذور مشكلة الوجود في أهميتها المعاصرة تكمن في عمل كيركجارد ونيتشه.
الفلاسفة الوجوديون المشهورون:
- باسكال: حيث ركز باسكال على الضعف البشري، وكما وضح كيف أنّ الإنسان بائس مقارنة بالكون.
- كيركيغارد Kierkegaard: حقيقة الإنسان لا يمكن فهمها من خلال نظام فلسفي وهي طريقة مناسبة للتغلب عليها، وفي الواقع يحتوي النظام على جميع الإجابات مسبقًا قدر الإمكان على جميع الأسئلة الممكنة، وتنظيم الوجود كما فعل هيجل على سبيل المثال، ومع ذلك فإنّ الوجود غير مؤكد لذلك يجب علينا استخدام التصنيف وليس النظام لفهم حالة الإنسان.
- هايدجر: يعتبر هايدجر أنّ الإنسان وحده ككائن يمكنه أن يمتلك عقلية الكينونة، وخصوصية الإنسان هي الاعتقاد بأنّ الوجود، لذلك الإنسان هو دازاين أي كائن موجود قريب من مستمعه، فالوجود لدى هايدجر هو ببساطة أنّ الرجل نفسه يخرج كل ليلة معه مثل حالة ذهنية تجاه الوجود بشكل عام.
- سارتر: الوجودية في سارتر هي حركة فلسفية تبرز الذاتية، نتيجة هذا المبدأ هو أنّ الإنسان مسؤول مسؤولية كاملة عن اختياراته ووجوده بالكامل، ولأبعد من ذلك الرجل مسؤول عن كل الرجال لأنّه باختياره للرجل يختار نموذجًا للبشرية، فإنّه بذلك يقدم مثالًا للبشرية جمعاء أي للاختيار وإشراك الإنسانية (“في اختياري، أنا أختار الرجل”).
- كامو: وصف كامو بأنّه من العبث الشعور الأنطولوجي بأنّ إجابات الإنسان للكون تبقى دون أي رد.
مفاهيم وجودية:
تأخذ الوجودية في الاعتبار المفاهيم الأساسية:
- الإرادة البشرية الحرة.
- يتم اختيار الطبيعة البشرية من خلال خيارات الحياة.
- يكون الإنسان أفضل عندما يناضل ضد طبيعته الفردية، ويقاتل من أجل الحياة.
- القرارات لا تخلو من التوتر والعواقب.
- هناك أشياء غير عقلانية.
- المسؤولية الشخصية والانضباط أمر بالغ الأهمية.
- المجتمع غير طبيعي وقواعده الدينية والعلمانية التقليدية تعسفية.
- الرغبة الدنيوية غير مجدية.
يتم تعريف الوجودية على نطاق واسع في مجموعة متنوعة من المفاهيم ولا يمكن أن يكون هناك إجابة واحدة على ماهيتها ومع ذلك فهي لا تدعم أيًا مما يلي:
- الثروة أو السرور أو الشرف يصنعون الحياة الطيبة.
- القيم الاجتماعية والبنية تتحكم في الفرد.
- تقبل ما هو كاف في الحياة.
- يمكن للعلم أن يجعل كل شيء أفضل.
- الناس في الأساس طيبون لكنهم دمرهم المجتمع أو القوى الخارجية.
- “أريد طريقي الآن!” أو “ليس خطأي!” عقلية.
- هناك مجموعة متنوعة من الأيديولوجيات الفلسفية والدينية والسياسية التي تشكل الوجودية، لذلك لا يوجد اتفاق عالمي في مجموعة تعسفية من المثل والمعتقدات، كما تختلف السياسة لكن كل منها يسعى إلى أقصى درجات الحرية الفردية للناس داخل المجتمع.
انتقادات الفلسفة الوجودية:
انتقد هربرت ماركوز (1898 – 1979) الوجودية، وخاصة “الوجود والعدم” لسارتر، وذلك لإبراز بعض سمات العيش في مجتمع قمعي حديث (سمات مثل القلق واللامعنى) على طبيعة الوجود نفسه. وزعم روجر سكروتون (1944) أنّ كلاً من مفهوم هايدجر عن عدم الأصالة ومفهوم سارتر عن سوء النية كلاهما غير متسقين ذاتيًا من حيث إنكارهما لأي عقيدة أخلاقية عالمية، ومع ذلك يتحدثان عن هذه المفاهيم كما لو كان الجميع ملزمًا بالالتزام بها.
كما يدعي الوضعيون المنطقيون مثل آير A.J Ayer وورودولف كارناب Rudolf Carnap أنّ الوجوديين كثيرًا ما يتم الخلط بينهم حول فعل “to be” (وهو أمر لا معنى له إذا تم استخدامه بدون مسند) وبكلمة “لا شيء” (وهي إنكار الوجود وبالتالي لا يمكن افتراض أنه يشير إلى شيء ما).
وجد الماركسيون وخاصة في فرنسا ما بعد الحرب أنّ الوجودية تتعارض مع تأكيدهم على تضامن البشر ونظريتهم في الحتمية الاقتصادية، فلقد جادلوا كذلك بأنّ تأكيد الوجودية على الاختيار الفردي يؤدي إلى التأمل وليس إلى الفعل، وأنّ البرجوازية فقط هي التي تمتلك رفاهية أن تجعل نفسها ما هي عليه من خلال خياراتها، لذلك اعتبروا الوجودية فلسفة برجوازية.
يشتكي النقاد المسيحيون من أنّ الوجودية تصور الإنسانية في أسوأ ضوء ممكن متجاهلة الكرامة والنعمة التي تأتي من كونها مصنوعة على صورة الله، وأيضًا وفقًا للنقاد المسيحيين لا يستطيع الوجوديون تفسير البعد الأخلاقي للحياة البشرية، وليس لديهم أساس لنظرية أخلاقية إذا أنكروا أنّ البشر ملزمون بأوامر الله.
ومن ناحية أخرى اعترض بعض المعلقين على اعتناق كيركجارد المستمر للمسيحية على الرغم من عدم قدرته على تبريرها بشكل فعال، وبعبارات أكثر عمومية يمكن أن يجعل الاستخدام الشائع للشخصيات ذات الأسماء المستعارة في الكتابة الوجودية ويبدو أنّ المؤلفين غير مستعدين لإمتلاك أفكارهم ويخلطون بين الفلسفة والأدب.