الفيلسوف أبو الفتح الشهرستاني

اقرأ في هذا المقال


كان الفيلسوف الشهرستاني الذي توفي في عام 548هـ أو عام 1153م، الذي يعد مؤرخًا مؤثرًا للأديان وكاتب فرق، وكان من الرواد في تطوير منهج علمي لدراسة الأديان، وتميّز الشهرستاني برغبته في وصف التاريخ الديني العالمي للبشرية بأكثر الطرق موضوعية، واعتُرف خطأً بأنّه عالم لاهوت أشعري، وهذا هو السبب في أنّ بعض العلماء مثل محمد رضا جلالي نعوني ومحمد تقي دانيش باجوح وويلفرد مادلونغ وجان جوليفيت وغي مونو يؤمنون إيمانًا راسخًا بأنّ الشهرستاني كان إسماعيلي، وكان يمارس التقية منذ اضطهاد الإسماعيلية في ذلك الوقت.

حياة الشهرستاني:

لا يُعرف سوى القليل جدًا عن حياة الفيلسوف أبو الفتح تاج الدين الشهرستاني حيث ولد عام 479هـ أو عام 1086م، في بلدة شهرستان (جمهورية تركمانستان) حيث حصل على تعليمه التقليدي المبكر، وفي وقت لاحق أُرسل إلى نيشابور حيث درس على يد أساتذة مختلفين، وكانوا جميعًا تلاميذ اللاهوتي الأشعري الجويني الذي توفي في عام 478هـ أو عام 1085م.

في سن الثلاثين ذهب الشهرستاني إلى بغداد لمتابعة الدراسات اللاهوتية ودرّس لمدة ثلاث سنوات في المدرسة الأشعارية المرموقة والنظامية، وبعد ذلك عاد إلى بلاد فارس حيث عمل نائبًا في مستشارية سنجر وهو الحاكم السلجوقي لخراسان، وفي نهاية حياته عاد الشهرستاني ليعيش في مسقط رأسه في بلدة شهرستان.

الشهرستاني وأعماله:

أثناء الخلافة العباسية في الأعوام من عام 132هـ/750 م إلى عام 656هـ/1258م، في وقت العصر الذهبي للأدب الإسلامي طوّرت العديد من المدارس أعمالها الرئيسية في الفكر الإسلامي في العصور الوسطى، ولقد أثر التشيع بشكل خاص على مصير الإسلام في المجال السياسي، بل وأكثر من ذلك في المجال الفلسفي.

تنتمي الإسماعيلية إلى التيار الشيعي الرئيسي في الإسلام، ومنذ البداية تم تقسيم الإسلام بشكل رئيسي إلى مجموعتين: السنة والشيعة، حيث يعتقد أهل السنة أنّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يسّمِ صراحة خليفة له بعد وفاته، ويؤكد الشيعة على العكس من ذلك أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم صراحةً عيَّن علي بأنّه الإمام الأول (المرشد الإلهي) وأنّ نسله المباشرين هم خلفاء.

وفقًا لمعتقدات المسلمين كان محمد صلى الله عليه وسلم آخر نبي وهو من أنهى الدورة النبوية، ويؤكد الشيعة أنّ البشرية لا تزال بحاجة إلى مرشد روحي لذلك يجب أن تتبع دورة النبوة دورة الإمامة، ومن صلاحيات الإمام أن يعطي التفسير الصحيح للقرآن وأن يكشف تدريجياً عن معناه الباطني.

لم يكن الشهرستاني بالتأكيد رجل دين أشعري كما قيل كثيرًا، حتى لو استعير بعض المفاهيم الأساسية المشتركة بين العديد من المفكرين المسلمين، فالشهرستاني شخص يصعب تقييمه لأنّه خلط بين العديد من المفردات الفلسفية واللاهوتية المختلفة، حيث كان مفكرًا ماهرًا تجلى في تعقيدات العديد من التقاليد والمفهوم الشيعي للمرشد الذي وجده في أفكاره.

كما كان للشهرستاني أسباب عديدة للتحدث بشكل مجازي إلى حد ما، ولقد كان مؤلفًا دقيقًا للغاية وغالبًا ما يتحدث بشكل غير مباشر عن طريق الرموز، وفضل مفرداته الشخصية على التقليدية، ولهذا السبب من الصعب تحديد موقفه، وقد تكون الاعتبارات الأيديولوجية قد دفعته إلى التحدث بشكل غير مباشر، وربما افترض أنّ أولئك الذين يعرفون الرموز سيكونون قادرين على كشف أفكاره المراوغة، ولكل هذه الأسباب تم تضليل كثير من العلماء الذين درسوا الشهرستاني بشأن هويته الدينية.

يتجلى ثراء وأصالة فكر الشهرستاني الفلسفي واللاهوتي في أعماله الرئيسية:

1- الملل والنحل: وهو كتاب يقدم عمل ضخم الذي يوفر وجهات النظر العقائدية لجميع الأديان والفلسفات التي كانت قائمة حتى عصره.

2- نهاية الأقدام في علم الكلام: بينما يقدم هذا الكتاب نقاشات لاهوتية مختلفة وتوضح حدود علم الكلام الإسلامي.

3- المجلس في الخلق والأمر: حيث كتبه خلال فترة نضج حياته، وتم إيصاله إلى جمهور الشيعة الإثني عشرية.

4- مصارعة الفلاسفة: في هذا الكتاب ينتقد الشهرستاني مذاهب ابن سينا من خلال التأكيد على بعض الحجج الإسماعيلية الخاصة بتقسيم الكائنات.

5- مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار: يقدم هذا الكتاب القرآن ويقدم شرحًا كاملاً للفصلين الأولين من القرآن.

فلسفة الشهرستاني المعقدة:

على عكس الأشاعرة يقدم الشهرستاني تدرجًا في الخلق، ويعطي تعريفاً لعصمة النبوة التي تعارض التقليد الأشعري مؤكداً أنّها موجودة في النبي كجزء من طبيعته الحقيقية، وكما فعل الغزالي ينتقد الشهرستاني بشدة الوجود الضروري لابن سينا الذي يعرف الكوني وليس الخاص.

للشهرستاني ولا سيما في مصارعة الفلاسفة مفهوم إسماعيلي عن المنشئ (المبدي) فيما وراء الوجود والعدم، حيث يجادل بشكل مقنع لوجود الصفات الإلهية ولكنه لا ينسبها مباشرة إلى الله، فالعبادة الحقة تعني التوحيد أي إعلان وحدانية الله، وهذا يشمل نفي كل الصفات التي يعطيها الإنسان لله المطلق المتعالي كليًا، فالله غير معروف ولا يمكن تحديده وبعيد المنال وفوق الإدراك البشري.

أما بالنسبة لنظرية الخلق ففي نهاية الأقدام في علم الكلام يصر الشهرستاني على أنّ الله هو الخالق الوحيد والوكيل الوحيد، كما أنّه يطور تفسيرًا مختلفًا للخلق السابق العدمي والذي لا يعني الخلق من العدم بل الخلق الذي صنعه الله وحده، ولكن في كتابي المجلس ومفتاح الأسرار تلعب الملائكة دورًا مهيمنًا في الخلق المادي، ونظريته عن الكلمة الإلهية لها بصمة إسماعيلية مقنعة، على سبيل المثال يعتبر تسلسله الهرمي للملائكة والكلمات الإلهية من أسباب الكائنات الروحية.

أما في كتابه المجلس في الخلق والأمر يقسم الشهرستاني الخلق إلى عالمين:

1- العالم الروحي أي عالم نشأة الأرواح (إبداع أرواح) في حالة (مفروغ).

2- عالم الخلق المادي (الخلق) في أن يصبح (مستنف)، حيث يشارك في علم الكون الإسماعيلي الذي بنى الله فيه دينه على صورة الخليقة.

إنّ مفهوم النبوة الذي تم تطويره في كتابه النهاية أقرب إلى مفهوم الإسماعيليين والفلاسفة (الفلاسفة الإسلاميين) منه إلى الأشعريين، لأنّ الشهرستاني يؤسس رابطًا منطقيًا بين المعجزات ونقص النبوة (الإسماعيلية)، وبالنسبة للشهرستاني فإنّ إثبات صحة النبي (صدق) متأصل في طبيعته ويرتبط بكونه لا تشوبه شائبة، كما طوّر مفهوم الزمن الدوري صراحةً في الملل والنحل والمجلس والمفاتيح الأسرار وضمناً في النهاية.

في المجلس يتشابه فهمه للتطور الديناميكي للإنسانية مع الإسماعيلية، حيث يفتح كل نبي دورة جديدة، ويستعيد الشهرستاني القصة القرآنية الأسطورية لموسى وخادم الله المستوحاة من الرسالة المذهبة للقاضي النعمان المتوفى عام 363هـ أو عام 974م.

كان الشهرستاني رجلاً قديرًا ومتعلمًا يتمتع بسحر شخصي كبير، وأفضل ما يُشار إلى الطبيعة الحقيقية لفكره هو مصطلح الثيوصوفيا (Theosophy) أي الفلسفة وبالمعنى القديم الحكمة الإلهية، ومع ذلك لم يكن الشهرستاني بالتأكيد ضد اللاهوت أو الفلسفة تمامًا، حتى لو كان شديد القسوة ضد اللاهوتيين والفلاسفة.

كما أوضح في كتابه المجلس من أجل البقاء على الطريق الصحيح، ويجب على المرء الحفاظ على توازن تام بين العقل والاختبار، ويجب على الفيلسوف أو اللاهوتي أن يستخدم عقله حتى يصل إلى الحد العقلاني، وبعد هذا الحد يجب أن يستمع إلى تعاليم الأنبياء والأئمة.

تعكس أعماله تشابكًا معقدًا للخيوط الفكرية، ففكره هو خلاصة هذه الفترة التاريخية المثمرة، وفي مفهومه عن الله والخلق والنبوة والإمام تبنى الشهرستاني العديد من العناصر العقائدية المتوافقة مع الإسماعيلية النزارية، وإنّ ضرورة وجود مرشد ينتمي إلى العالم المادي والروحي أساسية في مخططه لأنّ الإمام يتجلى في هذا العالم المادي.


شارك المقالة: