الفيلسوف إدموند بورك وفلسفته السياسية

اقرأ في هذا المقال


إدموند بورك مؤلف كتاب تأملات في الثورة في فرنسا معروف للجمهور بأنّه مفكر سياسي كلاسيكي أي من غير المفهوم جيدًا أنّ إنجازه الفكري، اعتمد على فهمه للفلسفة واستخدامه في الكتابات العملية والخُطب من قبل الذي هو معروف بشكل رئيسي، وفي هذا المقال سنلقي الضوء على شخصية وأهمية استخدام الفلسفة في فكر إدموند بورك السياسي، وهذا الفكر له الأهمية الأولى للتاريخ الفكري ولإدارة السياسة وفحص طابعه الفلسفي وربط الأخير بالنشاط السياسي لبورك، وبذلك يظهر أهمية العناصر الفلسفية في فكر بورك وأنّ هذه العناصر تساهم بطرق مهمة في تفكيره السياسي.

شهرة الفيلسوف إدموند بورك:

كان إدموند بورك (1729 – 1797) فيلسوفًا إيرلنديًا ورجل دولة ومنظرًا سياسيًا لعصر التنوير، حيث خدم لسنوات عديدة في مجلس العموم البريطاني وكان أحد الشخصيات البارزة داخل فصيل المحافظين في حزب الويغ، وكان مؤيدًا قويًا للمستعمرات الأمريكية ومعارضًا قويًا للثورة الفرنسية وغالبًا ما يُنظر إليه على أنّه المؤسس الفلسفي لحركة المحافظة الأنجلو أمريكية.

ولكن اسم إدموند بورك (1730-1797) ليس الاسم الذي غالبًا ما يظهر في تاريخ الفلسفة، وهذا مصير غريب لكاتب عبقري كان أيضًا مؤلفًا لكتاب بعنوان تحقيق فلسفي إلى جانب التحقيق، حيث تحتوي كتابات بورك وبعض خطاباته على عناصر فلسفية قوية، كلمة فلسفية بالمعنى المعاصر ومعنى القرن الثامن عشر وخاصة التاريخ “الفلسفي”.

تلعب هذه العناصر دورًا أساسيًا في عمله وتساعدنا على فهم سبب كون بورك كلاسيكيًا سياسيًا، ولذلك فإن كتاباته وخطاباته تستحق الاهتمام كأمثلة على الاهتمام بالأفكار والتاريخ ودور هذا الاهتمام في الفكر العملي، أمّا عمله أيضًا إنجاز يتحدى الافتراضات التي يتبناها العديد من معاصرينا، وبطريقة أو بأخرى يعد بورك شخصية مهمة للغاية.

سبب قلة الاهتمام بفلسفة الفيلسوف إدموند بورك:

ومع ذلك هناك القليل جدًا من الكتابات الأكاديمية حول بورك والفلسفة، وهذا حذف كبير من تاريخ الفكر السياسي لثلاثة أسباب على الأقل:

  1. أولاً أنّه على الرغم من أنّه قد كُتب الكثير عن بورك بما في ذلك العمل الذي يضعه في علاقة مع كتاب سياسيين آخرين إلّا أنّه لم يتم توضيح كيف كان يعتقد.
  2. الثاني هو أنّ المحتوى العقلاني لتفكيره لم يتم توضيحه على وجه التحديد لأنّه لم يتم تحديد مكونه الفلسفي.
  3. ثالثًا نظرًا لأنّ طريقة ومحتوى فكره لم يتم تحديدهما بالطريقة التي تبرر بها القضية فقد قرأنا عن “روح بورك الصوفية” (سبيرجن 1922 – ص 100) أو “اللاعقلانية” في كتاباته (بتلر 1984 – ص. 35)، ولا يهم هذا فقط فيما يتعلق بالحقيقة التاريخية على الرغم من أهمية ذلك، ولكن أيضًا لأنّ بورك يُعامل أحيانًا كشخصية رمزية أو إرشادية للعمل السياسي المعاصر، وبطرق مهمة يمثل تباينًا مفيدًا مع بعض طرق التفكير الحالية، ولما كان الأمر كذلك فمن المهم بشكل خاص تصحيح الشخصية التاريخية.

حياة الفيلسوف إدموند بورك:

النفاق يمكن أن يكون رائعًا في وعوده لأنّه لا يقصد أبدًا تجاوز الوعد فهو لا يكلف شيئًا”.

إدموند بورك

وُلِد الفيلسوف إدموند بورك في دبلن بإيرلندا ثم جزءًا من الإمبراطورية البريطانية وهو ابن محامٍ ثري وبعد أن تلقى تعليمًا مبكرًا في المنزل أصبح مقيمًا في المدرسة التي يديرها أبراهام شاكلتون وهو كويكر من يوركشاير في باليتور في مقاطعة كيلدير.

تلقى بورك تعليمه الجامعي في كلية ترينيتي (Trinity College) بدبلن معقل الكنيسة الأنجليكانية في أيرلندا، ومن ثم انتقل إلى ميدل تيمبل Middle Temple في لندن من أجل التأهل لنقابة المحامين لكن الممارسة القانونية كانت أقل جاذبية بالنسبة له من المنظور الأوسع الذي جذب انتباهه في الجامعة (أو قبل ذلك).

بدأ حياته المهنية ككاتب ثم كشخصية عامة ولم يوحي التكوين الفكري لبورك أنّ حياته المهنية ستكون فلسفية بحتة، وفي الواقع بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم دخل مستقل أو مهنة دينية لم يكن أسلوب الحياة هذا ممكنًا في بريطانيا أو أيرلندا، وفقط الجامعات الاسكتلندية عرضت وظائف لا تتطلب أوامر مقدسة لكنها لم تكن متقبلة للغاية لغير المشيخيين.

تزوج بورك في عام 1756 وأنجب ابنًا بحلول عام 1758 لذلك لم تكن مهنة العزوبة من هيوم التي كانت الفلسفة تتعلم فيها على القليل من دقيق الشوفان مناسبة له، في الواقع وجد بورك مثل هيوم أنّ هناك أموالًا في الأعمال السردية وفي الشؤون العملية أكثر من الفلسفة.

تطور فلسفة بورك:

كانت مساهمة بورك الرئيسية في الفلسفة في فلسفة الجماليات أي بمعنى “التحقيق الفلسفي في أصل أفكارنا عن السمو والجميل” حيث كانت حجته المركزية هي أنّ استمتاعنا بالجمال يتمثل في الطريقة التي ينخرط فيها الخيال في الغموض والإيحاء، وبدلاً من الوضوح الفكري وفيما يتعلق بالسامية من خلال شكل ممتع من الرعب والجهل.

في حياته السياسية اللاحقة قدم بورك دعمه لكل من القضية الأيرلندية والاستقلال الأمريكي، ومع ذلك فإنّ كتابه “تأملات في الثورة في فرنسا” هو تحفة عليا للفكر السياسي المحافظ، وعلى الرغم من أنّ بورك كان يمينيًا إلى حد كبير وليس من حزب المحافظين الذي وجه الاتهام إلى وارن هاستينغز ودعم المستعمرين الأمريكيين فقد أدرك في الحال أنّ “التجار الجدد” لعام 1789 هم صناع ثورة بشكل غير مقبول ومعادون للتاريخ وربما استبدادي.

أعمال الفيلسوف إدموند بورك في الفلسفة السياسية:

“الرجال مؤهلون للحرية المدنية بما يتناسب تمامًا مع نزعتهم إلى وضع قيود أخلاقية على شهواتهم، بما يتناسب مع استعدادهم للاستماع إلى مشورات الحكماء والصالحين وتفضيلهم على الإطراء من الكاهن، وموجودة ما لم يتم وضع قوة تحكم على الإرادة والشهية في مكان ما، حيث وكلما قل وجودها في الداخل يجب أن يكون هناك المزيد من الخارج، ومن المقرر في التكوين الأبدي للأشياء أنّ الأشخاص ذوي العقول المفرطة لا يمكن أن يكونوا أحرارًا حيث العواطف تصوغ قيودهم “.

إدموند بيرك

وتشمل كتابات بورك الأولى “تحقيق فلسفي في أصل أفكارنا عن السامي والجميل” (1757) ودفاع عن المجتمع الطبيعي (1756)، وبعد ذلك شارك في تأليف “حساب للمستوطنات الأوروبية” (1757) وبدأ موجزًا ​​للتاريخ الإنجليزي (حوالي 1757–162)، من عام 1758 على الأقل حتى عام 1765 كان “قائد” السجل السنوي الجديد، وفي عام 1765 أصبح بورك السكرتير الخاص لماركيز روكينجهام (الذي أصبح للتو اللورد الأول للخزانة) وانتُخب في مجلس العموم البريطاني في نفس العام، بقي هناك مع استراحة قصيرة في خريف عام 1780 لما يقرب من تسعة وعشرين عامًا ومتقاعدًا في صيف عام 1794.

ألقى بورك الذي كان دائمًا شخصية بارزة هناك وأحيانًا مقنعًا فعالًا العديد من الخطب البرلمانية، ونشر نسخًا من بعض هذه الإصدارات لا سيما حول الضرائب الأمريكية (1774) والتوفيق مع أمريكا (1775) وفوكس الهند الشرقية بيل (1783)، على الرغم من أنّ هذه الخطب المطبوعة كانت مرتبطة بمناسبات محددة وكان الغرض منها بالتأكيد أن يكون لها تأثير عملي في السياسة البريطانية إلّا أنّها تهدف أيضًا إلى تجسيد فكر بورك بشكل دائم، وفي هذا الصدد يتوازيان مع أفكاره حول سبب السخط الحالي (1770) وتأملات في الثورة في فرنسا (1790) من بين كتابات أخرى غير الخطابية.

احتضن نشاط بورك ككاتب برلماني وسياسي الكثير من المخاوف ومن أبرز هذه المشاكل مشاكل الحكم البريطاني في الخارج في أمريكا الشمالية والهند وأيرلندا، ومع ذلك فقد ارتبط اسمه بقوة من خلال الأجيال القادمة بنقد الثورة الفرنسية، وكان بورك بالتأكيد محللًا أكثر من كونه سياسيًا تنفيذيًا حيث شغل المنصب مرتين فقط لبضعة أشهر في عامي 1782 و 1783.

تخللت حياته السياسية في مايو 1791 بقطع من بعض زملائه في حزبه حول أهمية الثورة، وبعد ذلك وبمساعدته ليس أقلها الدور الذي استغرقه في 1792-1793 أصبح معلقًا مستقلاً إلى حد كبير في السياسة الداخلية والشؤون الدولية في نداء من الجديد إلى اليمينيين القدامى (1791)، وهناك رسائل حول سلام القتل (1795-177) ورسالة إلى سيد نبيل (1796).

حول بورك انتباهه في سنواته الأخيرة وخاصة منذ عام 1792 إلى وطنه أيرلندا، وفشل في تأسيس سلالة سياسية ولم يترك مدرسة دائمة في السياسة البرلمانية أي بمعنى أنّه توفي آخر سياسي يمكن اعتباره تلميذًا بشكل معقول، والمرسل إليه من رسالة إلى ويليام إليوت (1795) في عام 1818، كما لاحظ سيدجويك “على الرغم من أنّ بورك يعيش إلّا أننا لا نلتقي بالبوركيين”، كما لم يترك بورك إرثًا مباشرًا لأي حزب سياسي أو لأي نوع من الفكر الإيديولوجي على الرغم من أنّ الكثيرين حاولوا الاستيلاء عليه كليًا أو جزئيًا، حيث تتضح الصعوبات التي قد يجدونها في استعمار فكره من خلال سرد له يؤكد جوانبه الفلسفية.

كتب الفيلسوف إدموند بورك:

  • (The Portable Edmund Burke): بقلم إدموند بيرك المؤلف، وإسحاق كرامنيك محرراً.
  • (The Enduring Edmund Burke): مقالات الذكرى المئوية الثانية بقلم كونور كروز أوبراين المؤلف وبروس فرونين مؤلفاً وبيتر جيه ستانليس كذلك مؤلفًا.
  • (Edmund Burke: A Genius Reconsidered): بقلم راسل كيرك المؤلف، وروجر سكرتون ممهد.



شارك المقالة: