الفيلسوف إدوارد كيرد

اقرأ في هذا المقال


ولد الفيلسوف إدوارد كيرد في جرينوك في اسكتلندا في 23 آذار عام 1835، وبدأ إدوارد وهو الأخ الأصغر للعالم اللاهوتي جون كيرد الذي ولد في عام 1820 وتوفي في عام 1898.

تعليم وفلسفة كيرد:

كانت دراست كيرد في جامعة جلاسكو (التي تخلى عنها لفترة وجيزة بسبب اعتلال صحته)، وفي وقت لاحق انتقل إلى كلية باليول في أكسفورد وتخرج منها عام 1863، وبعد تخرجه أصبح مدرسًا في كلية ميرتون في أكسفورد من عام 1864 إلى عام 1866، ولكنه سرعان ما تركها لأستاذ الفلسفة الأخلاقية في غلاسكو 1866-1893.

بالإضافة إلى القيام بواجباته الأكاديمية كان كيرد ناشطًا في الجامعة والسياسة المحلية، وكان مسؤولاً عن تأسيس دراسة العلوم السياسية في الجامعة، وبعد وفاة بنجامين جويت الذي ولد عام 1817 وتوفي في عام 1893، قد عاد كيرد إلى أكسفورد حيث شغل منصب ماجستير في كلية باليول حتى عام 1907، وكان زميلًا مؤسسًا للأكاديمية البريطانية عام 1902 وعضوًا مناظرًا في الأكاديمية الفرنسية، وحاصل على الدكتوراه الفخرية من جامعات سانت أندروز عام 1883 وأكسفورد عام 1891 وكامبريدج عام 1898 وويلز عام 1902.

مثل العديد من المثاليين البريطانيين كان كيرد مهتمًا جدًا بالأدب الكلاسيكي في مجلدين من مقالات عن الأدب والفلسفة عام 1892، وجمع مقالات نقدية عن جوته وروسو وكارلايلودانتي ووردزورث، مع مناقشة (في المجلد الثاني) للديكارتية (ديكارت ومالبرانش وسبينوزا) والميتافيزيقيا.

كانت سياسات كيرد بشكل عام ليبرالية وتقدمية، ولقد دعم تعليم النساء وعارض الحرب الأنجلو بوير 1899-1902، وشارك مثل جرين في برامج الاستيطان الجامعي -لا سيما في جلاسكو ولندن- حيث حاول خريجو الجامعات والمهنيون الجدد تضييق نطاق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية من خلال العيش والعمل بين الفقراء ومعهم، وفي عام 1907 استقال كيرد من منصبه كرئيس للغة باليول، وتوفي في العام التالي في الأول من تشرين الثاني ودُفن في مقبرة القديس سيبولشر بأكسفورد جنبًا إلى جنب مع جويت وجرين.

نقد كانط وهيجل:

جنبًا إلى جنب مع توماس هيل جرين الذي ولد عام 1836 وتوفي في عام 1882 فقد كان كيرد واحدًا من الجيل الأول للمثاليين البريطانيين، الذي كان عمله الفلسفي إلى حد كبير رد فعل على وجهات النظر التجريبية والترابطية المهيمنة آنذاك لألكسندر باين وجون ستيوارت ميل.

ومع ذلك كانت لديه قدرة التعبير الأدبي التي لم يكن جرين يمتلكها، كما أنّه كان أكثر ميلًا لمناقشة الأسئلة من خلال طريقة تتبع التطور التاريخي للأفكار المعنية، ولكن بينما توفي جرين عن عمر يناهز 47 عامًا في حين تمتع كيرد بحياة طويلة ومثمرة نسبيًا، ولهذا السبب جزئيًا مارس هذا التأثير القوي -لا سيما على علاقة الفلسفة والدين- على المثاليين اللاحقين مثل جون واتسون وبرنارد بوسانكيه، على الرغم من اعتباره في كثير من الأحيان على أنّه هيجلي إلّا أنّه يمكن القول إنّ كيرد كان متأثرًا بشكل أكبر بالفيلسوف إيمانويل كانط على الرغم من أنّه كان بعيدًا عن كونه قارئًا غير ناقد.

كان أول عمل رئيسي لكيرد عبارة عن حساب نقدي لفلسفة كانط عام 1877، مع التركيز على نقد العقل الخالص والمقدمات النقدية لأي ميتافيزيقيا مستقبلية، وحلت محلها في عام 1889 الفلسفة النقدية لإيمانويل كانط (مجلدين)، حيث رغب كيرد في إظهار علاقة النقد الثلاثة والاستمرارية في حركة فكر كانط، وبشكل عام كان كيرد مقتنعًا بأنّه على الرغم من أنّ كانط قد افتتح حقبة جديدة في الفلسفة بمحاولته دمج المسبق واللاحق إلّا أنّه فشل في تنفيذ هذه المهمة بالكامل.

كان هنا هو المكان الذي سيطرت فيه مثالية كيرد، وفي هذه المجلدات عن كانط سعى كيرد إلى العرض في نفس حجة الميتافيزيقي العظيم، الذي كان من المفترض أن يقسم العالم إلى قسمين بفأس وهو انحدار لا إرادي تقريبًا، ولكنه مستمر وحتمي نحو الوحدة العضوية الموضوعية، وهكذا جادل بأنّ الفلسفة الكانطية ليست سوى مرحلة أولى رغم أنّها بالطبع مرحلة ضرورية في انتقال الفلسفة إلى أشكال أعلى من المثالية.

يوجد عرض متعاطف لفلسفة هيجل في كتابه عن هيجل عام 1883، وفي عام 1885 ظهر فلسفته الاجتماعية ودين الفيلسوف أوغست كونت (استنادًا إلى مجموعة من المقالات التي نُشرت سابقًا في المجلة ومراجعة حديثة)، وفي هذين العملين يفسر كيرد هؤلاء المؤلفين بشكل نقدي على أسس خاصة به.

فيما يتعلق بكونت على سبيل المثال كتب كيرد أنّه لا يمكن أن يكون هناك دين للإنسانية ليس في نفس الوقت دين الله، وفي تعامله مع هيجل اعتبارًا من كانط كان هدف كيرد هو إظهار أنّ هناك مركزًا للوحدة يجب أن يعود إليه العقل من جميع الاختلافات، مهما كانت متنوعة وغريبة في المظهر، وكان التحليل أوليًا لإعادة الإعمار.

الأسلوب الفلسفي:

اختلفت طريقة كيرد في الفلسفة عن تلك التي اتبعها العديد من معاصريه، فلقد كانت بناءة على الدوام وحتى اقتحامية، ووفقًا لكيرد الطريقة الحقيقية لتكريم المفكر هي إجبار المرء على فهمه من وجهة نظره الخاصة، وعندها فقط تقديم أفكاره إلى فحص موضوعي قدر الإمكان، وهكذا فقد استغل الحقائق الواردة في المؤلفين الذين تعامل معهم ولم يهتم إلّا بشكل عرضي بأخطائهم، وكانت إحدى نتائج ذلك مع ذلك أنّ وجهات نظر كيرد الخاصة غالبًا ما يتم العثور عليها بشكل غير مباشر فقط، أي في عرضه وتعليقه على آراء الآخرين.

فلسفة كيرد بين التطور والدين:

مثل العديد من المثاليين الآخرين مثل ديفيد جورج ريتشي كان كيرد مهتمًا بإظهار علاقة النظرية التطورية بتطور الفكر والثقافة، ففي مجموعته الأولى من محاضرات جيفورد تطور الدين حيث تتناول أقل من أعماله الأخرى عرضًا لآراء الفلاسفة الآخرين، كما ركزت هذه المحاضرات على إمكانية علم الدين وطبيعة الدين من العصر اليوناني، لكنها ركزت بشكل خاص على تطور الإيمان المسيحي حتى الإصلاح، ويُظهر كيرد الحس الروحي للإنسانية على أنّه في البداية كان يهيمن عليه الكائن ولكنه مقيد بتجريداته الخاصة للتأرجح بحيث يقع تحت تأثير الموضوع.

في عام 1904 ظهرت المجموعة الثانية من محاضرات جيفورد لكيرد بعنوان تطور اللاهوت في الفلاسفة اليونانيين، وهنا يقدم مرة أخرى حسابًا تطوريًا للمفاهيم الدينية (على سبيل المثال فكرة الخير والروح والله وعلاقة الله بالإنسانية) تجاه الدين التأملي أو اللاهوت، كما نُقلت قصة الفلسفة اليونانية التي اعتبرها كيرد بشكل أساسي (ولكن ليس حصريًا) في علاقتها باللاهوت من أفلاطون عبر أرسطو والرواقيين وفيلو إلى أفلوطين، وفي المحاضرة الأخيرة إلى اللاهوت المسيحي والقديس أوغسطين.

بشكل عام كانت آراء كيرد حول الدين مرتبطة بشكل مهم بفهمه للأخلاق، واستعير كيرد من هيجل (وجوته) الفكرة الأخلاقية للتضحية بالنفس أو الموت من أجل العيش، والتي كان من المفترض أن يكون لها دور مهم في عمل الفيلسوف الإنجليزي برنارد بوسانكيه، بحيث أكد كيرد باستمرار على أهمية الدين وأنّ الميتافيزيقيا الحقيقية يجب أن تكون قادرة على تقديم تفسير له.


شارك المقالة: