اللغة والثقافة

اقرأ في هذا المقال


من المعروف أن اللغة والثقافة  مصطلحان مترابطان ومتشابكان مع بعضهم البعض. فكل لغة تشير عادة إلى مجموعة معينة من الناس الذين يتحدثونها، فعندما تتفاعل أنت كشخص مع أي لغة أخرى، فهذا يعني بطبيعة الحال أنك تتفاعل أيضًا مع الثقافة التي تتحدث هذه اللغة وسوف تتعلمها أو تكتسبها وتصبح جزءًا من لغتك وثقافتك بشكل طبيعي ولا إرادي.

استخدام اللغة الملحقة/ اللغة المصاحبة Paralanguage:

التعقيد هو أحد المصطلحات التي يمكنك استخدامها لوصف التواصل بين البشر بعضهم مع بعض، حيث يتم استخدام اللغة الملحقة أو  المصاحبة (paralanguage) لنقل وتوصيل الرسائل بين بعضنا البعض. يعد مصطلح اللغة الملحقة أو المصاحبة (Paralanguage) خاص ومتأصل بالثقافة، وبالتالي فإن التواصل مع المجموعات العرقية الأخرى يمكن أن يؤدي إلى سوء الفهم. فعندما تكبر في مجتمع معين، من المحتمل أن تتعلم النظرات والإيماءات والتغييرات الطفيفة في الصوت أو النغمة وأدوات الاتصال الأخرى للتأكيد أو تغيير ما تريد أن تفعله أو تقوله. يتم تعلّم تقنيات الاتصال المحددة لثقافة واحدة في الغالب عن طريق تقليد الناس ومراقبتهم في البداية من الوالدين والأقارب المباشرين وبعد ذلك من الأصدقاء والأشخاص خارج دائرة الأسرة القريبة والبيئة المحيطة.

وفيما يتعلق بلغة الجسد، والتي تُعرف أيضًا باسم علم الحركة، وهي أكثر أنواع اللغات الملحقة والمصاحبة وضوحًا، والتي تعرف بالمواقف والتعبيرات والإيماءات المستخدمة كلغة غير لفظية. ومع ذلك، من الممكن أيضًا تغيير معنى الكلمات المختلفة عن طريق تغيير طابع أو نبرة الصوت والإيماءات.

العلاقة المتماثلة والمتجانسة بين الثقافة واللغة:

دائما ما تستخدم عبارة اللغة هي الثقافة، والثقافة هي اللغة ويذكر ذلك عن بدء المناقشة عن اللغة والثقافة؛ وذلك لأن الاثنين تربطهما علاقة متجانسة رغم أنها تعتبر بطبيعتها علاقة معقدة. تطورتا اللغة والثقافة معًا وأثرتا على بعضهما البعض أثناء تطورهما وباستخدام هذا السياق، قال ألفريد ل. كروبر، عالم الأنثروبولوجيا الثقافية من الولايات المتحدة الأمريكية، إن الثقافة بدأت عندما كان الكلام متاحًا (أي عندما بدأ البشر بالحديث)، ومنذ تلك البداية، أدى إثراء أحدهما إلى مزيد من التطور على كلاهما.

إذا كانت الثقافة نتيجة لتفاعلات البشر، فإن أعمال الاتصال هي واحدة من مظاهرها الثقافية داخل  مجتمع واحد ومعين. حيث قال فيروتشيو روسي-لاندي، الفيلسوف الإيطالي الذي ركز عمله على الفلسفة والسيميائية وعلوم اللغويات أو ما يعرف بعلوم اللسانيات، إن مجتمع الكلام يتكون من جميع الرسائل التي تم تبادلها بين أفراد هذا المجتمع مع بعضهم البعض وذاك باستخدام لغة معينة تميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات، وبالطبع تكون هذه اللغة لغة مفهومة من قبل جميع أفراد هذا المجتمع.

التأثير على طريقة تفكير أفراد المجتمع:

  يعدّ التأثير على طريقة تفكير الناس إذا كنت معتادًا على مبدأ النسبية اللغوية، فإنه ينص على أن الطريقة التي يفكر بها الناس في العالم تتأثر بشكل مباشر باللغة التي يستخدمها الناس لمناقشة الأمور التي تدور حولهم. قال عالم الأنثروبولوجيا واللغويات إدوارد سابير من الولايات المتحدة الأمريكية بأن العادات اللغوية لمجموعات معينة من الناس هي التي بنيت وأسست هذا العالم الحقيقي حولنا. وأضاف أنه لا توجد لغتان متشابهتان تمثلان مجتمعًا واحدًا. فكل مجتمع مختلف عن الأخر، فعلى سبيل المثال تعد اللغة العربية لغة واحدة ولكنها لغة يتم التحدث بها في كل دول الوطن العربي وهذا يجعلها عرضة للتغيير والاختلاف بين كل دولة وأخرى. ووفقاً لهذا التحليل، يعني أن التحدث بلغة معينة بشكل جيد يدل على أن متحدثها على وعي ودراية بثقافة هذه اللغة. فمعرفة ثقافة أخرى، بناءً على هذا المبدأ، هو معرفة اللغة الخاصة لهذه الثقافة، فيعد التواصل أحد ضرورات الحياة لتعيش وتفهم تفسيرات وتمثيلات المجتمعات.

التفاعلات بين الثقافات المتعددة:

ما الذي يمكن أن يحدث إذا كان هناك تفاعل بين ثقافتين مختلفتبن؟ في وقتنا الحاضر، تعتبر التفاعلات بين الثقافات شائعة جدًا. فيعد التواصل ضرورة لأي شخص يريد أن يفهم ويتوافق مع الأشخاص الذين تختلف خلفيتهم ومعتقداتهم اختلافًا كبيراً عن معتقدات هذا الشخص. يمكن تمييز الهوية الثقافية من خلال اللغة، فيمكن  استخدام اللغة للإشارة إلى عمليات وتطورات أخرى مثل شرح النوايا في اللغة بواسطة متحدث معين.

 فتشير اللغة المعينة إلى مجموعة ثقافية معينة، فالقيم والافتراضات الأساسية والاتفاقيات السلوكية والمعتقدات والمواقف المشتركة بين مجموعة عرقية تشكل ما نسميه بالثقافة. تؤثر هذه المجموعة من السمات على سلوك أفراد المجموعة وتفسيراتهم لمعاني السلوك الذي يعرضه كل عضو في المجتمع الواحد، كما يتم التعبير عن مجموعة السمات الثقافية من خلال اللغة. تُستخدم اللغة أيضًا للإشارة إلى الأشياء الفريدة والتي تخص ثقافة معينة. كل هذا يعني أن تعلم وتعليم لغة أخرى ضروريان للتواصل والتعاون الدوليين. حيث تسهل معرفة لغات البلدان معرفة الثقافات الخاصة بكل منها.

انتقال الثقافة واللغة:

من المعروف بأن اللغة هي شيء يتم تعلمه أو اكتسابه، ممّا يعني أنه يمكن نقلها ثقافيًا. يتعلم الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة لغتهم الأولى من خلال تعرضهم للكلمات العشوائية التي يواجهونها داخل منازلهم وخارجها. وعندما يصلون إلى سن المدرسة يتم تعليمهم إما لغتهم الأولى أو لغة أخرى، فعلى سبيل المثال يتعلم الطلبة في المدارس العربية لغتهم العربية وكذلك يتعلمون اللغة الإنجليزية. فإذا كانت اللغة الذين يتعلموها هي اللغة الأولى، فيتعلم الأطفال الكتابة والقراءة  والطرق الصحيحة لبناء الجمل وكيفية استخدام القواعد الرسمية. ومع ذلك، فإن المعرفة الأولية للطفل حول البنية الأساسية ومفردات اللغة الأولى هو شي تم تعلمه قبل أن يذهب الطفل إلى المدرسة، حيث تنتقل الثقافة في جزء كبير منها عن طريق اللغة ومن خلال التدريس.

تعد اللغة سبب امتلاك البشر لتواريخ لا تمتلكها الحيوانات. في دراسة سلوك الحيوان عبر مجرى التاريخ، كانت التغييرات في سلوكهم نتيجة لتدخل البشر من خلال التدجين وأنواع أخرى من التدخل. وكما ذكرنا سابقًا تختلف ثقافة البشر كاختلاف لغات العالم والتي من المحتمل أن تتغير بمرور الوقت. ففي البلدان الصناعية، تعد التغييرات التي تتعرض لها اللغة أسرع ممّا هو الحال في البلدان النامية. تقدم اللغة المنطوقة كمية هائلة من المعلومات القابلة للاستخدام  في المجتمع،  وهذا يساعد في تسريع اكتساب المهارات الجديدة وكذلك التكيف مع  البيئات الجديدة أو الظروف المتغيرة التي تجري حولنا.

أدى ظهور الكتابة إلى زيادة عملية نشر الثقافة، فمن المتعارف عليه بأن للكتابة دور كبير في تسهيل نشر المعلومات، حيث يتم تسريع هذه العملية من خلال زيادة معرفة القراءة والكتابة واختراع الطباعة. كما تساعد التقنيات الحديثة لنقل الاتصالات السريعة في جميع أنحاء العالم من خلال البث ووجود خدمات الترجمة في جميع أنحاء العالم في جعل المعرفة القابلة للاستخدام في متناول أيدي الناس في أي مكان في العالم. وهكذا، يستفيد العالم من سرعة نقل المعارف الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية والعلمية وتوافرها وتبادلها.

الاستيعاب والدمج والتمايز الاجتماعي واللغة:

مع  مرور الوقت ظهرت العديد من الاختلافات اللغوية في اللغة. حيث يعد نقل اللغة أمرًا مستدامًا (أي مكتسب) ما لم يكن هناك تدخل متعمد من أطراف أخرى. فيحاول الكثير من الناس بتعديل لهجاتهم  باللهجة الصحيحة وذلك من خلال إدخال سمات صوتية ونحوية ومعجمية؛ وذلك لجعل قيمة لأنفسهم أكبر وأسمى من بقية الأفراد في المجتمعات وكذلك قبولهم في المجتمعات جديدة. فعلى سبيل المثال،  إصرار أهل أوروبا على التحدث باللغة الإنجليزية باللهجة الأمريكية، ولكي يتمكن البعض منهم من تحقيق هدفهم هذا قرروا الانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لأنهم أدركوا أن التحدث باللغة الإنجليزية الأمريكية هو علامة القبول في وطنهم الجديد وهو المفتاح الذي سوف يحصلون من خلاله على الاحترام والقيمة المرغوب فيها والتي طمحوا إليها في المجتمعات. ولكن وبشكل مفاجئ وغير متوقع، يريد الجيل الثالث من هؤلاء المهاجرين الآن التواصل مع لغة أسلافهم وأجدادهم الذين حاولوا وهاجروا لكي يغيروها.


شارك المقالة: