المفارقة لدى فلسفة راسل

اقرأ في هذا المقال


لا يزال الفيلسوف برتراند راسل مشهورًا بصفته منطقيًا وميتافيزيقيًا وفيلسوفًا في الرياضيات، وجنبًا إلى جنب اشتهر راسل في أيامه أيضًا بآرائه الاجتماعية والسياسية، حيث كتب قدرًا هائلاً عن الأخلاق العملية من حقوق المرأة والزواج والأخلاق والحرب والسلام.

وتعد مفارقة راسل هي أشهر المفارقات المنطقية أو النظرية الثابتة، والتي تُعرف هذه المفارقة أيضًا باسم مفارقة راسل-زيرميلو، وتنشأ ضمن نظرية المجموعات الساذجة من خلال النظر في مجموعة كل المجموعات التي ليست أعضاء في نفسها، بحيث يبدو أنّ مثل هذه المجموعة عضو في نفسها إذا وفقط إذا لم تكن عضوًا في نفسها، والتي من هنا تأتي المفارقة.

فبعض المجموعات مثل مجموعة فناجين الشاي ليست أعضاءً في نفسها، بينما المجموعات الأخرى مثل مجموعة جميع أكواب الشاي هي أعضاء في أنفسهم، كما أنّ استدعاء مجموعة كل المجموعات التي ليست أعضاء في أنفسهم (R) إذا (R) وهو عضو في نفسه، ثم بحكم التعريف يجب ألّا يكون عضوًا في نفسه، وبالمثل إذا (R) ليس عضوا في نفسه، ثم بحكم التعريف يجب أن يكون عضواً في نفسه.

وعلى الرغم من ملاحظة إرنست زيرميلو أيضًا إلّا أنّه لم يُعتقد أنّ التناقض مهم إلى أن اكتشفه برتراند راسل بشكل مستقل في ربيع عام 1901، والذي منذ ذلك الحين دفعت المفارقة إلى قدر كبير من العمل في المنطق ونظرية المجموعات والفلسفة و أسس الرياضيات.

مفارقة راسل:

من الأمور المركزية في أي نظرية عن المجموعات بيان الظروف التي تتشكل بموجبها المجموعات، وكذلك بالإضافة إلى مجرد سرد أعضاء المجموعة كان من المفترض في البداية أنّه يمكن استخدام أي شرط محدد جيدًا أو خاصية محددة بدقة لتحديد مجموعة.

على سبيل المثال إذا كانت (T) هي خاصية بكونها فنجان شاي، فإنّ المجموعة (S) من جميع فناجين الشاي يتم ويمكن تعريفها على أنّها ({(S={x:T(x)، كما أنّ مجموعة كل الأفراد (x)، بحيث أنّ (x) لها خاصية الوجود (T).

التناقض في مفارقة راسل:

من الممكن استخدام الخاصية المتناقضة لتحديد المجموعة، على سبيل المثال تحدد خاصية كون كل من (T) وليس- (T) المجموعة الفارغة، حيث لا تحتوي المجموعة على أعضاء.

بتعبير أدق تفترض نظرية المجموعات الساذجة ما يسمى بديهية أو ملسّمة الفهم الساذج أو غير المقيد، وهي البديهية التي تنطبق على أي صيغة ((ϕ(x) بحيث تحتوي على (x) كمتغير حر، وستكون المجموعة موجودة بصيغة {(x:ϕ(x} كأعضاء الذين هم بالضبط تلك الأشياء التي ترضي ((ϕ(x))، وهكذا إذا كانت الصيغة ((ϕ(x)) بحيث تمثل “(x) هو عدد أولي”، إذن {(x:ϕ(x} ستكون مجموعة الأعداد الأولية، وإذا كانت الصيغة ((ϕ(x)) تمثل “(x=x)“، ثم {x:ϕ(x)} فستكون المجموعة الفارغة.

ولكن من افتراض هذه البديهية يتبع ذلك تناقض الفيلسوف برتراند راسل، على سبيل المثال إذا سمحنا لـ الصيغة التالية ((ϕ(x) بالوقوف لـ الصيغة(xx) والسماح لـ (R={x:ϕ(x)})، فإنّ (R) هي المجموعة التي يمثل أعضاؤها بالضبط تلك الأشياء التي ليست أعضاءً في أنفسهم.

فهل يكون الرمز (R) عضو في نفسه؟ إذا كان الأمر كذلك فيجب أن يفي بشرط ألّا يكون عضوًا في نفسه وبالتالي فهو ليس كذلك، وإذا لم يكن كذلك فيجب ألّا يفي بشرط ألّا يكون عضوًا في نفسه، وبالتالي يجب أن يكون عضوًا في نفسه، لأنّه وفقًا للمنطق الكلاسيكي يجب أن تصمد حالة واحدة أو أخرى -بحيث إما (R) هو عضو في نفسه أو ليس كذلك- ويترتب على ذلك أنّ النظرية تنطوي على تناقض.

حجة كانتور القطرية ومفارقة راسل:

وكما يخبرنا راسل فإنّه بعد أن طبق نفس النوع من التفكير الموجود في حجة كانتور القطرية على فئة مفترضة لجميع الأشياء التي يمكن تخيلها والذي أدى ذلك إلى التناقض، فكما أوضح راسل أنّه من الواجب على الطبقة الشاملة التي ندرسها والتي ستحتضن كل شيء أن تتبنى نفسها كأحد أعضائها، وبعبارة أخرى إذا كان هناك شيء مثل (كل شيء)، فإنّ (كل شيء) هو شيء، وهو عضو في الفصل (كل شيء).

لكن الفصل عادةً ليس عضوًا في نفسه، فالجنس البشري على سبيل المثال ليس رجلاً، ويشكل الآن تجمع كل الطبقات التي ليست أعضاء في أنفسهم وهذه تشكّل فئة، فهل هي عضو في ذاتها أم لا؟ إذا كانت كذلك فهي إحدى تلك الفئات التي ليست أعضاءً في نفسها، أي أنّها ليست عضوًا في نفسها، وإذا لم تكن كذلك فهي ليست واحدة من تلك الطبقات التي ليست أعضاء في نفسها، أي أنّها عضو في نفسها، وهكذا فإنّ الفرضيتين -أنّهما عضوًا في ذاته، وأنّه ليس كذلك- يشير كل منهما إلى تناقضه، وهذا هو التناقض.

وللتوضيح فإنّ حجة كانتور القطرية والتي تسمى أيضًا الوسيطة القطرية لكانتور أو شرطة كانتور المائلة، وهي تقنية ذكية يستخدمها جورج كانتور عالم الرياضيات لإظهار أنّ الأعداد الصحيحة والواقعية لا يمكن وضعها في مراسلات واحد لواحد، أي مجموعة لا حصر لها من الأعداد الحقيقية (أكبر) من مجموعة الأعداد الصحيحة اللانهائية، ومع ذلك فإنّ طريقة كانتور القطرية عامة تمامًا وتنطبق على أي مجموعة.

وتحاول الاستجابات القياسية لمفارقة راسل أن تحد بطريقة ما الظروف التي تتشكل بموجبها المجموعات، والهدف عادة هو القضاء على حد سواء (R) وكذلك مجموعات متناقضة مماثلة، وفي نفس الوقت الاحتفاظ بجميع المجموعات الأخرى اللازمة للرياضيات، ويتم ذلك غالبًا عن طريق استبدال أكسيوم (هو مصطلح يشير إلى بيان أو اقتراح يعتبر مؤسسًا أو مقبولًا أو صحيحًا بشكل بديهي) الفهم غير المقيد بأكسيوم الفصل الأكثر تقييدًا.

أي البديهية التي أعطت أي مجموعة متسقة (S) وأي صيغة ((ϕ(x) مع (x)) مجانًا، وسيكون هناك مجموعة {(xS:ϕ(x} أعضاء الذين هم بالضبط هؤلاء الأعضاء (S) وهذا يرضي ((ϕ(x وإذا سمحنا الآن ((ϕ(x) الوقوف على الصيغة (x∉x)، اتضح أنّ المجموعة المقابلة {xS:xx} ولن تكون متناقضة لأنّها تتكون فقط من الأعضاء الموجودين داخل (S) الذين ليسوا أعضاءً في أنفسهم، ومن ثم المجموعة لتشمل نفسها.


شارك المقالة: