شغل الفيلسوف فرانسيس بيكون منصب المدعي العام والمستشار اللورد لإنجلترا، واستقال وسط اتهامات بالفساد وكان عمله الأكثر قيمة فلسفيًا، كما تبنى بيكون الأفكار الأرسطية مدافعًا عن منهج تجريبي استقرائي، ويُعرف بالمنهج العلمي وهو أساس البحث العلمي الحديث.
بيكون فيلسوف العلوم:
في عام 1620 في الوقت الذي بدأ فيه الناس لأول مرة في البحث من خلال المجاهر، طور سياسي إنجليزي يُدعى السير فرانسيس بيكون طريقة يستخدمها الفلاسفة في موازنة صدق المعرفة، وبينما اتفق بيكون مع مفكري العصور الوسطى على أنّ البشر غالبًا ما أخطأوا في تفسير ما تدركه حواسهم الخمس، فقد أدرك أيضًا أنّ التجارب الحسية للناس توفر أفضل الوسائل الممكنة لفهم العالم.
وذلك نظرًا لأنّ البشر قد يفسرون بشكل غير صحيح أي شيء رأوه أو سمعوه أو شموا أو ذاقوا أو شعروا به، حيث أصّر بيكون على أنّه يجب عليهم الشك في كل شيء قبل افتراض حقيقته.
بقي بيكون في سانت ألبان بعد انهيار حياته السياسية، وبعد تقاعده أصبح الآن قادرًا على التركيز على أحد اهتماماته الأخرى ألا وهي فلسفة العلم، ومنذ أن بلغ سن الرشد كان بيكون مصممًا على تغيير وجه الفلسفة الطبيعية، حيث سعى إلى إنشاء مخطط جديد للعلوم، مع التركيز على الأساليب العلمية التجريبية -الأساليب التي تعتمد على إثبات ملموس- مع تطوير أسس العلوم التطبيقية.
على عكس مذاهب أرسطو وأفلاطون ركز نهج بيكون على التجريب والتفاعل، وبلغت ذروتها في تجارة العقل مع الأشياء، وتضمنت طريقة بيكون العلمية الجديدة جمع البيانات وتحليلها بحكمة وإجراء تجارب لمراقبة حقائق الطبيعة بطريقة منظمة، وكان يعتقد أنّه عند الاقتراب من هذا الطريق يمكن أن يصبح العلم أداة لتحسين الجنس البشري.
فلسفة بيكون ومناهضة الأرسطية:
كان لابد من محاربة نضال الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون للتغلب على الحصار الفكري والنعاس العقائدي في عصره والفترات السابقة على جبهات عديدة، ففي وقت مبكر جدًا لم ينتقد أفلاطون وأرسطو والأرسطوريون فقط، بل انتقد أيضًا علماء الإنسانية وعصر النهضة مثل باراسيلسوس وبرناردينو تيليسيو.
على الرغم من أنّ أرسطو قدم بديهيات محددة لكل تخصص علمي، فإنّ ما وجده بيكون ينقصه عمل الفيلسوف اليوناني كان مبدأ رئيسيًا أو نظرية عامة للعلم، والتي يمكن تطبيقها على جميع فروع التاريخ الطبيعي والفلسفة، فبالنسبة لبيكون فإنّ علم الكونيات لأرسطو وكذلك نظريته في العلوم قد عفا عليهما الزمن، وبالتالي كان هناك أيضًا العديد من مفكري العصور الوسطى الذين تبعوا قيادته.
إنّه لا ينبذ أرسطو تمامًا لكنه يعارض التفسير الإنساني له مع تركيزه على القياس المنطقي والجدلي (علم التأويل النصي والجزء المنطوق)، والمعالجة الميتافيزيقية للفلسفة الطبيعية لصالح الأشكال الطبيعية، أو تأثيرات الطبيعة كأنماط منظمة من العمل وليس المصنوعات اليدوية، والتي تتوافق مراحلها -في شكل هرم المعرفة- مع النظام البنيوي للطبيعة نفسها.
إذا اقترب أي من الأرسطيين الحديثين من بيكون فقد كان فرع البندقية أو فرع بادوان الذي يمثله جاكوبو زاباريلا، ومن ناحية أخرى انتقد بيكون تيليسيو الذي في رأيه نجح فقط في منتصف الطريق في التغلب على عيوب أرسطو، على الرغم من أننا وجدنا الجدل مع تيليسيو في نص غير منشور من الفترة الوسطى له، حيث بدأ بيكون في النضال مع التقاليد في وقت مبكر من عام 1603
في عمل بيكون الفلسفي عن الفلسفة الطبيعية فاليريوس تيرمينوس (Valerius Terminus) ينكر بيكون بالفعل أي مزيج من الفلسفة الطبيعية والألوهية، ويقدم مخططًا لطريقته الجديدة ويقرر أنّ نهاية المعرفة كانت اكتشاف جميع العمليات وإمكانيات العمليات من الخلود، وإذا كان ذلك ممكنًا إلى الممارسة الميكانيكية اللطيفة، كما إنّه يعارض توقع أرسطو للطبيعة الذي فضّل البحث عن الأسباب لإرضاء العقل بدلاً من تلك التي ستوجهه ويعطيه الضوء على التجارب والاختراعات الجديدة.
عندما قدم بيكون هيكله المنهجي الجديد للتخصصات في عمله الفلسفي تقدم التعلم (The Advancement of Learning) في عام 1605، فإنّه يواصل صراعه مع التقاليد في المقام الأول مع العصور الكلاسيكية القديمة، رافضًا تعلم الكتاب للإنسانيين على أساس أنّهم يصطادون بعد الكلمات أكثر من المادة، وعليه فإنّه ينتقد منهج جامعة كامبردج لأنّه ركز كثيرًا على التدريب الديالكتيكي والسفسطائي الذي يُطلب من العقول الفارغة وغير المشحونة بالمادة.
كما أنّه يعيد صياغة مفهوم أرسطو للعلم ويحوله وظيفيًا باعتباره معرفة بالأسباب الضرورية، وإنّه يرفض منطق أرسطو الذي يقوم على نظريته الميتافيزيقية، حيث تشير العقيدة الخاطئة إلى أنّ التجربة التي تأتي إلينا عن طريق حواسنا (الأشياء كما تظهر) تقدم تلقائيًا لفهمنا للأشياء كما هي، وفي الوقت نفسه يفضل أرسطو تطبيق الفروق المفاهيمية العامة والمجردة والتي لا تتوافق مع الأشياء كما هي موجودة، ومع ذلك يقدم بيكون مفهومه الجديد للفلسفة الأولية كمستوى فوقي لجميع التخصصات العلمية.
بيكون ومقاومته للتقاليد في العلم:
من عام 1606 إلى عام 1612 تابع بيكون عمله في الفلسفة الطبيعية ولا يزال تحت رعاية صراع مع التقاليد، كما يعيد بيكون اكتشاف فلاسفة ما قبل سقراط لنفسه وخاصة الذريين ومن بينهم ديموقريطوس باعتباره الشخصية الرائدة، وإنّه يعطي الأفضلية لفلسفة ديموقريطس الطبيعية على النقيض من التركيز السكولاستي -وبالتالي الأرسطي- على المنطق الاستنتاجي والإيمان بالسلطات.
لا يتوقع بيكون أن يبدأ أي نهج قائم على التقاليد بتحقيق مباشر في الطبيعة ثم يصعد إلى المعرفة التجريبية والعامة، ويمتد هذا النقد إلى كيمياء عصر النهضة والسحر وعلم التنجيم (Temporis partus masculus)، لأنّ أساليب هذه التخصصات تستند إلى رؤى عرضية، ولكنها لا تفرض استراتيجيات لإعادة إنتاج التأثيرات الطبيعية قيد التحقيق، ويتعلق نقده أيضًا بالأدب التقني المعاصر بقدر ما يفتقر إلى رؤية جديدة للطبيعة وبرنامج منهجي مبتكر.
يأخذ بيكون مهمة القدماء والسكولاستيين وكذلك الحديثين، ولم ينتقد أفلاطون وأرسطو وجالينوس بسبب هذه الإخفاقات فحسب، بل انتقد أيضًا جان فرنيل وباراسيلسوس وتيليسيو بينما امتدح علماء الذرة اليونانيين وروجر بيكون.
تذكر مخطوطات بيكون بالفعل عقيدة الأصنام كشرط ضروري لتكوين معرفة العملية، وفي خواطر وتأشيرات ((Cogitata et Visa يقارن المنطق الاستنتاجي كما يستخدمه السكولاستيون بشبكة العنكبوت، التي يتم سحبها من أحشائها الخاصة في حين يتم تقديم النحلة كصورة معرفة العملية، وذلك مثل النحلة يقوم التجريبي من خلال طريقته الاستقرائية بجمع المادة أو المنتجات الطبيعية ثم تحويلها إلى معرفة من أجل إنتاج العسل وهو مفيد للتغذية الصحية.
في ورقة المتابعة لبيكون( Redargutio Philosophiarum) يواصل مشروعه التجريبي بالإشارة إلى عقيدة الحقيقة المزدوجة، بينما في (De Principiis atque Originibus) يرفض النظريات الكيميائية المتعلقة بتحويل المواد لصالح نظرية الذرية اليونانية.
لكنه في نفس النص ينتقد بشدة معاصرة تيليسيو لنشره تجريبيًا غير تجريبي للمنزل في منتصف الطريق، على الرغم من أنّ تيليسيو يثبت أنّه حديث ومعتدل، إلّا أنّه يتمسك بالإطار الأرسطي من خلال الاستمرار في الإيمان بالجوهر الخماسي وفي عقيدة العالمين، والتي تفترض مسبقًا نمطين من القانون الطبيعي أحدهما للقمر الفرعي والآخر للكرة الفوقية.