اقرأ في هذا المقال
- فلسفة القانون لدى جرين
- فلسفة جرين في تكوين وتماسك المجتمع
- قوة الوعي في فلسفة جرين
- فلسفة جرين في مثالية الخير العائد للإنسان من الوعي
يرى جرين أنّ تطبيق الفرد للقواعد الأخلاقية هو في حد ذاته شكل من أشكال التربية الأخلاقية، ولذلك من نواحٍ عديدة، تميل كل تجربة جديدة إلى دفع الرجال إلى الأمام مما يستلزم بدوره تطويرًا جزئيًا على الأقل للمؤسسات الاجتماعية، ويشكل هذا التطوّر الطرق التي يختبر بها الفرد العالم.
فلسفة القانون لدى جرين:
في حالة القانون يجب أن يجد الفرد نفسه في مواجهة تعبير خارجي عن إرادته الحقيقية، وباتباع مثل هذا القانون فإنّ المرء يتبع إرادته لأنّ الطبيعة المجردة للقانون تعكس ما يلي:
- أولاً: الفكرة المجردة للإنسان على أنّه ذاتي واعية وذاتية؛ أي ذات ميولها الضالة (الرغبات التي لا تدفعه)، ولتحقيق هدفه يجب تقييده لتمكين تحقيق الإرادة من الكمال، وعند اتباع القانون يعترف الفرد بقدرته على أن يصبح ما ليس عليه في الوقت الحاضر.
- ثانيًا: يساعد القانون في تكوين الفرد بمعنى تعزيز قيمه وآرائه وأفعال الوعي الأبدي كما هو موجود في عالمه في ذلك الوقت، وبهذه الطريقة يتم مواءمة الفرد بشكل متزايد مع قانون كيانه.
هذا هو المثالي، حيث في الواقع القوانين الحالية والمؤسسات الاجتماعية الأساسية والقيم وما إلى ذلك ناقصة من حيث أنّ افتراضاتها تتعارض مع البنية المنطقية للوعي الأبدي، وإنّ التعرف على هذه العيوب يوقظ دافعًا فطريًا لدى الفرد لتصحيحها، وفي الواقع يصبح تحقيق فكرة الكمال الموجودة في العقل بشكل متزايد مصدر الرضا الذاتي الوارد في إرادة الفرد.
فلسفة جرين في تكوين وتماسك المجتمع:
يجادل جرين بأنّه بدون الاعتراف بالصالح العام الكامن وراء علاقاتك مع زملائك المواطنين لا يمكن أن يكون هناك موضوعات تعاون ذكية للقانون والعرف، وفقط في حالة وجود مثل هذا الخير العام يمكن للمجتمع أن يتماسك دون استخدام الإكراه.
ويوجد عنصران متصلان كما يلي:
- أولاً: يسمح عقل الفرد بتصور الخير الذي يجب أن يعمل من أجله كشخص.
- ثانيًا: يرى جرين أنّ المجتمع المستقر لا يمكن أن يرتكز إلّا على المؤسسات التي تقوم على مفهوم الصالح العام.
كما كتب أرسطو: “من سمات الإنسان أن يكون لديه وحده أي شعور بالخير أو الشر بالعدل والظلم وما شابه، وترابط الكائنات الحية الذين لديهم هذا المعنى يجعل الأسرة والدولة”، وفي الواقع يتطلب تطوير الأخلاق العملية للشخص أن يدرك من خلال ممارسته للعقل أنّه يجب أن يسعى لتحقيق غايات معينة لأنّها تخدم الصالح العام لمجتمعه.
ويدرك الفرد أنّه لا يوجد شيء خاص بحت يشاء ويحققه يمكن أن يجعله سعيدًا حقًا، ويصبح الأمر أكثر وضوحًا بالنسبة له وهو يعيش ويشاء أنّ تحقيق ما هو جيد للجميع فقط سوف يجلب له الرضا التام، وهذا الخلاف المهم للغاية يحتاج إلى شرح.
قوة الوعي في فلسفة جرين:
يجادل جرين بأنّه من المهم أن ندرك أنّ الخير النهائي للفرد لا يتحقق بالكامل إلّا بعد حركة مجتمعه من خلال الغايات الأقل المضمنة في مجتمعات مختلفة سابقة غير كاملة، وتعمل هذه الغايات المختلفة على تحديد أهداف الأفراد من مختلف المجتمعات، ومع ذلك فإنّ الهدف النهائي للأفراد كبشر هو أن يصبحوا عقلانيين تمامًا، أي أن يجسدوا تمامًا الوعي الأبدي.
بشكل حاسم يتطلب هذا الإدراك أن يمتلك الفرد إحساسًا بقيمة الذات، وأن يدرك ويفهم ما هو ذو القيمة النهائية داخل مجتمعه، وبهذه الطريقة يجب أن يمتلك الفرد فكرة عن الخير المطلق مشتركة بينه وبين جميع أعضاء المجتمع الآخرين، وفكرة لا يمكن تحديدها بالفعل في الخيال ولكنها تحدد نفسها تدريجيًا في الفعل.
هذا الخير موجود بمعنى مستقل عن أي دافع معين وهو مؤسس على الطبيعة المطلقة للإنسان، وكما يعبر كانط عن جزء من الفكرة التي يكررها جرين الآن حيث يتعرف الأفراد على غرض أكثر قيمة للوجود من المتعة الشخصية التي كشرط أعلى يجب أن تخضع الأغراض الخاصة للإنسان في معظمها، وبالنسبة لجرين سيتم البحث عن هذا الشيء لأنّ الرغبة فيه هي تحقيق للقدرات التي يدركها الإنسان في وعيه بنفسه.
وهكذا فإنّ العمل الصالح سيؤدى لأنّه يجلب الفرد إلى وعي أكبر لنفسه وطبيعته وبالتالي إلى وعي أكبر بما يخدم مصالحه الدائمة على أفضل وجه باعتباره تجسيدًا للوعي الأبدي، وهذا الشيء جيد حقًا وهو أمر داخلي بالنسبة للفرد والذي يسعى إليه الفرد كشخص واعٍ بذاته تمامًا، ويؤكد جرين أنّ هذا الخير يتم السعي إليه لأنّه يؤكد أنّ الإنسان لنفسه ككائن بشري عقلاني ومرضٍ للذات.
فلسفة جرين في مثالية الخير العائد للإنسان من الوعي:
ما هي طبيعة مثل هذا الخير للجميع الناتج من وعي الإنسان؟ لسوء الحظ لا يمكن لأحد أن يجيب على هذا السؤال حقًا حتى تتحقق الحياة الجيدة بالكامل، وحتى ذلك الحين يجب السعي وراء الحياة الهادفة إلى كمال شخصية الفرد، ومن ثم يجادل نيكلسون بأنّ “جرين يركز فلسفته الأخلاقية ليس على نظام من المبادئ الموضوعية الشاملة التي يمكن للمرء أن يستنتج منها الأعمال التي يجب القيام بها، ولكن على نوع من الشخصية في الوكلاء الأخلاقيين”.
يعتمد هذا النوع من الشخصية على الضمير والوعي بمعناه الحقيقي، أي الحكم الضميري الذي لم تحرفه المصلحة الذاتية قصيرة النظر، وفي هذه الخطوة تصبح حرية الفرد عنصرًا أساسيًا للتقدم الأخلاقي.
ويعتمد نوع الشخصية التي يرغب جرين في الترويج لها على التقييم العقلاني ولكن الشخصي للفرد للمواقف الأخلاقية والأعراف الاجتماعية والقوانين، ويجب على الفاعل أن يشكك في دوافعه، فالتأمل الذاتي ضروري للضمير الصافي، ويتطلب مثل هذا الضمير من الفاعل الأخلاقي متابعة مسار العمل الذي يعتقد حقًا أنّه سيعزز بشكل كامل تجسيد الوعي الأبدي في الحياة البشرية، ويجب أن يكون هذا الفحص الذاتي متجذرًا في رغبة حقيقية في التصرف بشكل فاضل وليس في خداع الذات في البحث عن الذات.
يعمل الضمير من خلال دراسة الأعراف الاجتماعية القائمة وتجريد ما هو دائم فيها مما هو عرضي وعابر، ولكن كيف يتعرف المرء على ما هو دائم وما هو غير دائم؟ يجادل جرين بأنّه عادة ما يمكن للفرد القيام بذلك بدقة إلى الحد الذي يجسد فيه الوعي الأبدي، ويُظهر الوعي الأبدي للرجال الأجزاء الضرورية للمثال الأخلاقي، وإنّ الدرجة التي يكون فيها الوعي الأبدي واضحًا بالفعل في ذهن المواطن الضميري يحدد الدرجة التي يمكنه عندها التعرف على الديمومة الحقيقية أو الاستمرارية لعادات ومؤسسات معينة.
علاوة على ذلك فإنّه يحدد مدى إمكانية الاقتراب من النموذج المثالي من أساسه الحالي نظرًا لعمر محدود (وفقًا لهذا المنطق كلما اقترب المرء من المثالية كلما تحرك نحوه بشكل أسرع).