النظرية العامة للنسبية والفلسفة الفيزيائية

اقرأ في هذا المقال


ما هي فلسفة الفيزياء؟

فلسفة الفيزياء: هي التكهنات الفلسفية حول مفاهيم وطرق ونظريات العلوم الفيزيائية وخاصة الفيزياء، حيث إنّ فلسفة الفيزياء ليست تخصصًا أكاديميًا على الرغم من أنّها عبر حدود فكرية كانت الفيزياء النظرية والفلسفة الغربية الحديثة تخبرهما وتقلقان بعضهما البعض لأكثر من 400 عام، وقد تم تحدي العديد من أعمق التعهدات الفكرية للثقافة الغربية فيما يتعلق بطبيعة المادة وطبيعة المكان والزمان ومسألة الحتمية ومعنى الاحتمالية والمصادفة وإمكانية المعرفة وغير ذلك الكثير.

النظرية العامة للنسبية بنظرة فلسفية:

فكر في مجتمع من كائنات ثنائية الأبعاد تعيش على سطح مستوٍ تمامًا تقريبًا، ويحتوي السطح في مكان واحد على نتوء ويمكن رؤيته من منظور مساحة ثلاثية الأبعاد أكبر حيث يتم احتواء السطح، من المنظور ثلاثي الأبعاد تخيل نقطة P أعلى النتوء ودائرة L في قاعدتها وعدة خطوط R1 ، R2 ، R3 ، … Rn تمتد من P إلى نقاط مختلفة على L.

لن تواجه الكائنات ثنائية الأبعاد أي مشكلة في التأكيد، تمامًا عن طريق القياسات التي تم إجراؤها بإستخدام مساطرها ثنائية الأبعاد على سطحها ثنائي الأبعاد، أنّ جميع الخطوط R لها نفس الطول وبالتالي فإنّ جميع نقاط نهاية الخطوط R على L متساوية البعد عن P.

وبعبارة أخرى سيكون من السهل عليهم التأكد من أنّ P هي دائرة، ويمكن للكائنات أيضًا إجراء قياس لمحيط L، ومع ذلك عندما يفعلون ذلك سيكتشفون أنّ النسبة بين محيط هذه الدائرة ونصف قطرها (طول أي خط R) أصغر من 2π، وبهذه الطريقة ستتمكن الكائنات من اكتشاف أنّ السطح داخل L ليس مسطحًا أي يحتوي عالمهم على بُعد إضافي لا يمكنهم تجربته بأنفسهم مباشرة.

حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا لم يكن لدى أحد أدنى شك في أنّ اعتبارات مثل هذه قد تنطبق على الفضاء ثلاثي الأبعاد، أي أنّ الفضاء العادي قد يحتوي على أبعاد إضافية لا يستطيع البشر تجربتها بشكل مباشر، وتم توضيح الإمكانية الرياضية للمساحات ذات الأبعاد الثلاثة والأعلى المنحنية والتي يمكن من حيث المبدأ اكتشاف انحناءها من قبل المراقبين بداخلها بتفاصيل رائعة ومضيئة بعمق بواسطة برنارد ريمان (1826-1866)، ونيكولاي إيفانوفيتش لوباتشيفسكي (1792–179 – 1856) وغيرها.

ولقد طوروا تعميمًا قويًا وبديهيًا لمفهوم “الخط المستقيم” للهندسات غير الإقليدية أي خط مستقيم تمامًا مثل المساحة التي يمر بها، والتي يشار إلى هذه “الخطوط المستقيمة المعممة” في الأدبيات الرياضية بإسم الجيوديسيا geodesics.

فلسفة الفيزياء بين كتلة القصور الذاتي وكتلة الجاذبية:

كان أينشتاين مفتونًا بحقيقة أنّ الكتلة التي يمثلها قانون نيوتن للحركة F = ma، أي الكتلة التي تقيس مقاومة الأجسام المادية للتسارع بواسطة قوة مؤثرة (القصور الذاتي بالكتلة) هي دائمًا نفس الكتلة تمامًا مثل الكتلة، وتحدد مدى تأثير أي جسم مادي على قوة جاذبية أي جسم آخر، ويبدو أنّ المفهومين لا علاقة لهما ببعضهما البعض، وفي سياق ميكانيكا نيوتن فإنّ حقيقة أنّها متطابقة دائمًا ترقى إلى مصادفة مذهلة وغامضة.

هذا التكافؤ هو الذي يستلزم أنّ أي مجال جاذبية معين سوف يسرع أي جسمين ماديين مهما كانت أوزانهما أو تكوينهما إلى الدرجة نفسها بالضبط، ويستلزم هذا التكافؤ أيضًا أنّ أي جسمين ماديين بغض النظر عن أوزانهما أو تكوينهما سيشتركان بالضبط في نفس مجموعة المسارات الممكنة فيزيائيًا في وجود مجال الجاذبية تمامًا كما لو كانا في الفضاء الفارغ.

إنّ الملاحظة التي تفيد بأنّ تأثيرات مجال الجاذبية على حركات الجسم مستقلة تمامًا عن الخصائص الفيزيائية للجسم والتي صرحت بشكل إيجابي لفهم هندسي للجاذبية، فالفكرة هي أنّه لا يوجد سوى قانون واحد بسيط لحركات الأجسام المادية سواء في الفضاء الحر أو في وجود حقول الجاذبية، وينص القانون على أنّ مسارات الأجسام المادية هي خطوط جيوديسية وليست خطوط مستقيمة إقليدية وأنّ الجاذبية ليست قوة بل خروجًا عن قوانين الهندسة الإقليدية، وسيكون مثل هذا القانون غير وارد إذا كانت الهندسة المعنية هي الفضاء المادي ثلاثي الأبعاد.

بدأ أينشتاين باقتراح مبدأ التكافؤ المحلي لحقول القصور الذاتي والجاذبية وهو نسخة أكثر قوة وعمومية من تكافؤ كتلة القصور الذاتي وكتلة الجاذبية، ووفقًا لهذا المبدأ فإنّ القوانين التي تحكم التطور الزمني لجميع الظواهر الفيزيائية المتعلقة بإطار مرجعي يسقط بحرية في مجال الجاذبية هي بالضبط نفس القوانين التي تحكم التطور الزمني لتلك الظواهر بالنسبة إلى إطار ذاتي، وبعد سنوات من الجهد الهائل تمكن أينشتاين من تطوير هذا المبدأ إلى نظرية نسبية هندسية كاملة للجاذبية أي النظرية العامة للنسبية.

معادلات مجال أينشتاين:

ما أنتجه أينشتاين في النهاية كان مجموعة من المعادلات التفاضلية ما يسمى بمعادلات مجال أينشتاين التي تربط هندسة الزمكان بتوزيع الكتلة والطاقة بداخله، وتتكون النظرية العامة للنسبية من قانون يفيد بأنّ الهندسة رباعية الأبعاد للزمكان والتوزيع رباعي الأبعاد للكتلة والطاقة داخل الزمكان يجب أن يرقيا معًا إلى حل معادلات مجال أينشتاين.

في هذه النظرية لم يعد الزمكان خلفية ثابتة يلعب عليها التاريخ المادي للعالم نفسه ولكنه مشارك نشط في حد ذاته، وكيان ديناميكي على قدم المساواة مع جميع الآخرين، على الرغم من أنّ هذا قد يشير إلى مفهوم علاقاتي للزمكان إلّا أنّه من المتفق عليه الآن على نطاق واسع أنّ مثل هذا المشروع مستحيل، وتلتزم النسبية العامة بالادعاءات المتعلقة بالحركات الممكنة وغير الممكنة لجسيم واحد بمفرده تمامًا في الكون، كما أنّها تسمح بوجود أكوان يكون زخمها الزاوي الإجمالي غير الصفر، وعلاوة على ذلك فإنّه يرث كل العداء البنيوي للعلاقة المميزة للنظرية الخاصة.

هناك حلول لمعادلات مجال أينشتاين التي تؤدي إلى أكوان محدودة ولكن ليس لها حدود أو “خارجية” أي أكوان فيها، فعلى سبيل المثال خط مستقيم ممتد بعيدًا بدرجة كافية في أي اتجاه في الفضاء سيعود في النهاية إلى نقطة البداية، وتؤدي الحلول الأخرى إلى أكوان يمكن فيها السفر عبر الزمن إلى الماضي، وكان هذا المثال بالذات موضوع تمحيص علمي وفلسفي كبير في السنوات الأخيرة حيث يبدو أنّه يؤدي إلى تناقض منطقي صريح، كما في حالة الشخص الذي يسافر إلى الماضي ويقتل والديه قبل ولادته.


شارك المقالة: