الفلسفة النفعية للفيلسوف جون ستيوارت ميل

اقرأ في هذا المقال


على الرغم من قبول ميل بالإرث النفعي للراديكاليين إلّا أنّه يحول هذا الإرث بطرق مهمة، وجزء من فهم مساهمات ميل في التقليد النفعي ينطوي على فهم خلافه مع الراديكاليين حول القضايا المتعلقة بالدوافع البشرية وطبيعة السعادة.

نقد سيدجويك للفيلسوف ميل:

هنري سيدجويك (1838-1900) على سبيل المثال قرأ ميل باعتباره أنانيًا نفسيًا، وهذا ليس مجرد ذنب بالاقتران، لأنّه قد يبدو أنّ ميل يؤيد الأنانية النفسية في ما يسمى بـ (إثبات) مبدأ المنفعة في الفصل الرابع من النفعية، وهناك يهدف ميل إلى إظهار أنّ السعادة هي الشيء الوحيد المرغوب فيه في حد ذاته، وللقيام بذلك يجادل بأنّ السعادة مرغوبة في حد ذاتها، والفرضية المركزية في هذه الحجة هي أنّ كل شخص يرغب في سعادته، ويجادل ميل لاحقًا بأنّ السعادة فقط هي المرغوبة.

فلسفة ميل والأنانية النفسية:

لكن الدليل لا يكشف أنّ ميل أناني نفسي، وبينما يقول ميل إنّ كل شخص لديه رغبة مطلقة في سعادته الخاصة إلّا أنّه لا يقول أنّ هذه هي الرغبة النهائية الوحيدة لكل شخص، وفي الواقع في النصف الثاني من الإثبات سمح بأنّ بعض الفاعلين لديهم اهتمام غير مكترث بالفضيلة وأنّهم يهتمون بالفضيلة في حد ذاتها، وما ينطبق على الفضيلة لا يقل صحة عن الأشياء الأقل أهمية مثل المال أو السلطة، وهذه أيضًا من الممكن أن ترغب في تحقيقها من أجلها، وإذا كانت الأنانية النفسية تدعي أنّ سعادة الفرد هي الشيء الوحيد المطلوب لذاته فإنّ هذا يدل على أنّ ميل ليس أنانيًا نفسيًا.

وإذا نظرنا إلى خارج المذهب النفعي يمكننا أن نجد دليلاً أوضح على شكوك ميل حول الأنانية النفسية ومذهب المتعة، وفي ملاحظة إلى طبعته من تحليل جيمس ميل لظواهر العقل البشري (1869) شخَّص جون ستيوارت ميل احتمالًا لحدوث التباس في عقيدة والده.

“إنّ ملذات أو آلام شخص آخر لا يمكن أن تكون ممتعة أو مؤلمة لنا إلّا من خلال الجمع بين ملذاتنا وآلامنا معهم، وصحيح بمعنى ما وهو على الأرجح ما قصده المؤلف ولكن ليس صحيحًا من ناحية أخرى ضد الذي لم يتسم بالحذر طريقة تعبيره بشكل كافٍ، ومن الواضح أنّ الملذات أو الآلام الوحيدة التي نختبرها مباشرة هي تلك التي نشعر بها وأنّ اللذة أو الألم الذي نتأمل به اللذة أو الألم الذي يشعر به شخص آخر هو بحد ذاته متعة أو ألم خاص بنا، ولكن إذا كان المقصود في مثل هذه الحالات أنّ اللذة أو الألم يُشار إليه بوعي على الذات فلا بد أنّه خطأ”.


ففي كتابه (ملاحظات حول فلسفة بنثام) (1833) يحث ميل على توخي الحذر نفسه في فهم بنثام.

“في وضع بديهية فلسفية أنّ أفعال الرجال تخضع دائمًا لمصالحهم، ولم يفعل السيد بنثام أكثر من مجرد تلبيس الافتراض التافه للغاية القائل بأنّ جميع الأشخاص يفعلون ما يشعرون بأنّهم أكثر استعدادًا لفعله، ولم يقصد بهذا التأكيد بأي حال من الأحوال أن ينسب الأنانية الشاملة إلى البشرية لأنّه اعتبر أنّ الدافع وراء التعاطف هو مصلحة”.


في كلا المقطعين يقدم ميل ما أصبح الآن تشخيصًا مألوفًا لمشاكل الأنانية النفسية، وإنّه يعتقد أنّ الأنانية النفسية غامضة بين أطروحة حقيقية ولكنها تافهة حول ملكية الرغبة يعمل الفاعل بالضرورة وفقًا لرغباته الخاصة وأطروحة موضوعية ولكن غير معقولة إلى حد بعيد حول محتوى الرغبات، فرغبة الوكيل النهائية هي دائمًا وبالضرورة الترويج لمصالحه أو سعادته، وإذا كان الأمر كذلك فلا توجد أطروحة موضوعية ومعقولة، وقد تبدو الأطروحة الموضوعية جذابة بشكل خادع إذا خلطناها ضمنًا مع الأطروحة الحقيقية التافهة.

ولكن يبدو واضحًا من مخاوف بنثام وجيمس ميل بشأن الصراع بين مصالح الحاكم ومصالح المحكومين أنّهم يعتزمون شيئًا مثل الأطروحة النفسية الموضوعية، ولكن إذا فعلوا ذلك لأنّهم خلطوا بينه وبين الأطروحة التافهة والحقيقية فإنّهم يرتكبون مغالطة المراوغة.

لذا يرفض ميل العقائد الموضوعية للأنانية النفسية ومذهب المتعة التي دافع عنها أو اقترحها بنثام ووالده أحيانًا، وهذا حقًا جزء من نقد أكبر لمفهوم علم النفس والطبيعة البشرية الكامنة وراء نفعية بنثاميت، والتي شرحها ميل في مقالاته عن بينثام، وتنعكس رغبة ميل في إبعاد نفسه عن افتراضات بنثاميت حول الطبيعة البشرية وعلم النفس في تصوره للسعادة وعقيدته عن الملذات العليا.

الفلسفة النفعية كمعيار للسلوك:

قد نتوقع من النفعية تطبيق مبدأ المنفعة في مداولاتها والنظر في التصرف النفعية، وقد نتوقع أن يكون دافع هذا النفعي هو إحسان خالص غير مهتم وأن يتداول من خلال حساب المنفعة المتوقعة، ولكنه سؤال عملي حول كيفية التفكير أو التحفيز ويتطلب التصرف النفعية أنّ هذا السؤال العملي مثل جميع الأسئلة العملية تتم الإجابة عليه بشكل صحيح من خلال ما يمكن أن يزيد المنفعة إلى أقصى حد، والحساب النفعي مضيعة للوقت وغالبًا ما تكون غير موثوقة أو عرضة للتحيز والتشويه، ولهذه الأسباب قد نقارب المعيار النفعي بشكل تقريبي إذا لم نحاول دائمًا تقريبه.

ويقول ميل إنّه لنفترض أنّه يجب على المرء دائمًا أن يستخدم بوعي مبدأ النفعية في اتخاذ القرارات:

“هو الخلط بين المعنى الحقيقي لمعيار الأخلاق وخلط قاعدة العمل مع الدافع وراءه، ومن الأعمال الأخلاقية أن تخبرنا ما هي واجباتنا، أو بأي اختبار قد نعرفها، ولكن لا يوجد نظام أخلاقي يتطلب أن يكون الدافع الوحيد لكل ما نقوم به هو الشعور بالواجب، وعلى العكس من ذلك فإنّ تسعة وتسعين في المائة من جميع أفعالنا تتم من دوافع أخرى وهذا صحيح إذا لم تدينهم قاعدة الواجب”.

أشار النفعيون اللاحقون مثل سيدجويك ​​إلى نفس النقطة بشكل أساسي، وأصروا على أنّ النفعية توفر معيارًا للعمل الصحيح وليس بالضرورة إجراء قرار.

إذا كانت النفعية هي نفسها معيار السلوك الصحيح وليس إجراء قرار فما نوع إجراء القرار الذي يجب أن يؤيده المنفعي، وما هو الدور الذي يجب أن يلعبه مبدأ المنفعة في التفكير الأخلاقي؟ ويعتقد ميل أنّ الكثير من التفكير الأخلاقي يجب أن تحكمه مبادئ أو مبادئ ثانوية حول أشياء مثل الإخلاص واللعب النظيف والصدق التي لا تشير بشكل مباشر إلى المنفعة ولكن مراعاتها العامة تعزز المنفعة، بحيث يجب تنحية هذه المبادئ الثانوية جانباً لصالح مناشدات مباشرة للمبدأ النفعي الأول في الحالات التي يكون فيها من الواضح أنّ الالتزام بالمبدأ الثانوي سيكون له عواقب أدنى أو تتعارض فيها هذه المبادئ الثانوية.

السؤال الذي يشغلنا هنا هو ما هو نوع المعيار النفعي الذي يؤيده ميل، هل هو فعل نفعي؟ أو حكم نفعي؟ أو نوع آخر من النفعية غير المباشرة؟

فعل النفعية في فلسفة ميل:

تؤيد العديد من توصيفات ميل للنفعية الادعاء النفعي المباشر بأنّ الوضع الأخلاقي للفعل هو وظيفة لفائدته، ويرى في الفصل الثاني هو المكان الذي يزعم فيه ميل أن يقول ما تفعله عقيدة النفعية وما لا تقوله، وفي الفقرة الافتتاحية يخبرنا أنّ النفعيون هم: “أولئك الذين يدافعون عن المنفعة باعتبارها اختبارًا للصواب والخطأ”، فوفقًا لمبدأ التناسب الذي تم تقديمه في الفقرة التالية فإنّ النفعية ترى أنّ: “الأفعال صحيحة في التناسب لأنّها تميل إلى تعزيز السعادة، لأنّها تميل إلى إنتاج عكس السعادة “.

وفي وقت لاحق من هذا الفصل يقول أنّه يتطلب: “اعتبار المنفعة أو السعادة القاعدة التوجيهية للسلوك البشري”، وفي وقت لاحق في الفصل الثاني يصف النفعية بأنّها: “معيار لما هو صواب في السلوك”، وحتى الفصل الخامس الذي سيقدم في النهاية بعض العناصر غير المباشرة، حيث يبدأ بتأكيد ميل على أنّ النفعية هي: “العقيدة القائلة بأنّ المنفعة أو السعادة هي معيار الصواب والخطأ”.


شارك المقالة: