بعض القضايا في فلسفة التعليم

اقرأ في هذا المقال


عبر تاريخ فلسفة التعليم كان الفلاسفة التربويون ينتبهون إلى العديد من القضايا والمهام الفلسفية الأساسية، ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر توضيح المفاهيم التربوية والحقوق والقوة والسلطة والتفكير النقدي.

مشكلة توضيح المفاهيم التربوية:

يتمثل المفهوم الدائم لطبيعة الفلسفة في أنّها تهتم بشكل أساسي بتوضيح المفاهيم مثل المعرفة والحقيقة والعدالة والجمال والعقل والمعنى والوجود، وبناءً على ذلك كانت إحدى مهام فلسفة التعليم هي توضيح المفاهيم التربوية الأساسية، بما في ذلك مفهوم التعليم نفسه فضلاً عن المفاهيم ذات الصلة مثل التدريس والتعلم والتعليم وتربية الأطفال والتلقين.

على الرغم من أنّ هذه المهمة التوضيحية قد تم متابعتها بحماسة مفرطة في بعض الأحيان، لا سيما خلال فترة ما يسمّى بتحليل اللغة العادية في الستينيات والسبعينيات، عندما بدا أنّ الكثير من العمل في هذا المجال يغفل عن القضايا المعيارية الأساسية التي كانت هذه المفاهيم ذات صلة بها ويبقى الحال أن العمل في فلسفة التعليم، كما هو الحال في مجالات الفلسفة الأخرى، ويجب أن يعتمد جزئيًا على الأقل على التوضيح المفاهيمي.

لا يسعى مثل هذا التحليل بالضرورة أو فقط إلى تحديد المعاني الخاصة للمفاهيم المشحونة أو المتنازع عليها، ولكن أيضًا لتحديد المعاني البديلة وجعل الغموض واضحًا، وكشف الافتراضات الميتافيزيقية أو المعيارية أو الثقافية المخفية، أو إلقاء الضوء على عواقب التفسيرات البديلة، واستكشاف المعنى الدلالي، الروابط بين المفاهيم ذات الصلة، وتوضيح العلاقات الاستنتاجية التي تحصل بين الإدعاءات والأطروحات الفلسفية التي يتم تضمينها فيها.

مشكلة الحقوق والقوة والسلطة:

هناك العديد من القضايا التي تندرج تحت هذا العنوان، فما الذي يبرر قيام الدولة بإجبار الأطفال على الذهاب إلى المدرسة، وفي أي شيء تكمن سلطتها في تفويض الحضور؟ وما هي طبيعة ومبررات السلطة التي يمارسها المعلمون على طلابهم؟ وهل حرية الطلاب مقيدة بحق من قبل الدولة؟

وهل يحق لنظام المدارس العامة التمتع بالسلطة التي يمارسها في إنشاء المناهج التي قد يجدها الآباء مرفوضة، على سبيل المثال مناهج العلوم التي تفرض تدريس التطور البشري ولكن ليس الخلق، أو مناهج التصميم والأدب الذكية التي تفرض تدريس الروايات التي تتناول مواضيع الجنس؟ وهل يجب أن يكون للآباء أو أطفالهم الحق في الانسحاب من المواد التي يعتقدون أنها غير مناسبة؟ وهل يجب على المدارس أن تشجع الطلاب على التفكير والنقد بشكل عام؟ كما حثه الفلاسفة الأمريكيان إسرائيل شيفلر وآمي جوتمان باتباع سقراط والتقاليد التي أسّسها.

أو يجب عليهم الامتناع عن تشجيع الطلاب على إخضاع أساليب حياتهم الخاصة للتدقيق النقدي مثل هل أوصى عالم السياسة الأمريكي ويليام جالستون؟

أثيرت قضية السلطة الشرعية مؤخرًا في الولايات المتحدة فيما يتعلق بممارسة الإختبار المعياري، والتي يعتقد بعض النقاد أنّها تميز ضد أطفال بعض الجماعات العرقية أو الثقافية أو الدينية أو العرقية (لأنّ أسئلة الاختبار تعتمد، ضمنيًا أو بشكل صريح بناءً على إشارات أو افتراضات محددة ثقافيًا قد لا يفهمها أعضاء بعض المجموعات أو يقبلونها).

في مثل هذه الحالات المثيرة للجدل فما هي السلطة التي يجب أن يتمتع بها أعضاء الجماعات المحرومة المزعومة لحماية أطفالهم من التمييز أو الظلم؟ فقد تعتمد الإجابة على هذا السؤال بالنسبة إلى الأسئلة الأخرى التي أثيرت أعلاه، وجزئيًا على وضع المدرسة المعينة كمدرسة عامة (مدعومة من الدولة) أو خاصة، لكن يمكن أيضًا التساؤل عمّا إذا كان يجب أن تتمتع المدارس الخاصة بسلطة أكبر فيما يتعلق بمسائل المناهج الدراسية مقارنة بالمدارس العامة والخاصة في الحالات التي تتلقى فيها إعانات حكومية بشكل أو بآخر.

هذه الأسئلة هي في الأساس مسائل تتعلق بالأخلاق والفلسفة السياسية، ولكنها تتطلب أيضًا الانتباه إلى الميتافيزيقيا (على سبيل المثال كيف يتم تمييز “المجموعات” وفهمها؟)، وفلسفة العلم (على سبيل المثال هل “التصميم الذكي” نظرية علمية حقيقية؟)، وعلم النفس (على سبيل المثال هل تميّز اختبارات الذكاء ضد أفراد مجموعات أقليات معينة؟)، ومجالات أخرى في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والقانون.

مشكلة التفكير النقدي:

لقد دافع العديد من المعلمين والعلماء التربويين عن الهدف التربوي للتفكير النقدي، فليس من الواضح ما هو التفكير النقدي وبناءً عليه طور فلاسفة التعليم حسابات التفكير النقدي التي تحاول تحديد ماهيته ولماذا هو ذو قيمة، أي لماذا يجب أن تهدف الأنظمة التعليمية إلى ترسيخه في الطلاب؟ وتتفق هذه الحسابات بشكل عام (وإن لم تكن عامة) على أنّ المفكرين النقديين يتشاركون على الأقل السمتين التاليتين:

  1. أنّهم قادرون على التفكير جيدًا، أي بناء وتقييم الأسباب المختلفة التي تم تقديمها أو يمكن تقديمها مع أو ضد معتقدات المرشح والأحكام والإجراءات.
  2. يكونون على استعداد أو يميلون إلى الإسترشاد بالأسباب التي تم تقييمها على هذا النحو، أي الاعتقاد في الواقع والحكم والتصرف وفقًا لنتائج هذه التقييمات المنطقية، ووراء هذا المستوى من الاتفاق تكمن مجموعة من القضايا الخلافية.

مجموعة واحدة من القضايا ذات طبيعة معرفية – ما هو العقل جيدا؟ ما الذي يجعل سببًا بهذا المعنى جيدًا أم سيئًا؟ بشكل عام ما هي الافتراضات المعرفية التي تكمن وراء (أو يجب أن تكمن وراء) فكرة التفكير النقدي؟ هل يفترض التفكير النقدي مسبقًا مفاهيم الحقيقة أو المعرفة أو التبرير الموضوعية و “المطلقة”، أم أنّه متوافق مع المزيد من التفسيرات “النسبية” التي تؤكد على الثقافة أو العرق أو الطبقة أو الجنس أو المخطط المفاهيمي؟ ولقد أدّت هذه الأسئلة إلى إثارة قضايا أخرى أكثر تحديدًا وتنازعًا عليها بشدة، في هل التفكير النقدي “محايد” وفيما يتعلق بالمجموعات التي تستخدمه أم أنّه في الواقع متحيز سياسيًا.

حيث يفضل بشكل غير ملائم نوعًا من التفكير كان يقدّره ذات يوم الذكور الأوروبيون البيض – فلاسفة عصر التنوير والعصور اللاحقة – مع التقليل من شأنهم أو إهانتهم أنواع التفكير التي ترتبط أحيانًا بمجموعات أخرى مثل النساء وغير البيض وغير الغربيين أي التفكير التعاوني وليس الفردي، حيث التعاوني بدلاً من المواجهة، والحدسي أو العاطفي وليس الخطي وغير الشخصي؟

وهل تؤيد الحسابات المعيارية للتفكير النقدي بهذه الطرق وتساعد على إدامة معتقدات وقيم وممارسات الفئات المهيمنة في المجتمع وتقلل من قيمة تلك الخاصة بالفئات المهمشة أو المضطهدة؟ وهل العقل نفسه كما ادعى بعض الفلاسفة النسويين وما بعد الحداثيين شكل من أشكال الهيمنة؟

تتعلق القضايا الأخرى بما إذا كانت المهارات والقدرات والتصرفات التي تشكل التفكير النقدي عامة أو خاصة بموضوع معين، بالإضافة إلى ذلك تشير تصرفات المفكر النقدي المشار إليها أعلاه إلى أنّ نموذج التفكير النقدي يمكن أن يمتد إلى ما وراء حدود المعرفة إلى مجال الشخصية الأخلاقية، ممّا يؤدي إلى أسئلة تتعلق بطبيعة هذه الشخصية وأفضل وسيلة لغرسها.


شارك المقالة: