تاريخ الفلسفة الوجودية

اقرأ في هذا المقال


تظهر موضوعات من النوع الوجودي في الكتابات البوذية والمسيحية المبكرة، بما في ذلك كتابات القديس أوغسطين وسانت توماس الأكويني، أما في القرن السابع عشر اقترح بليز باسكال Blaise Pascal أنّ الحياة بدون إله ستكون بلا معنى ومملة وبائسة كما اعتقد الوجوديون اللاحقون، على الرغم من أنّ باسكال على عكسهم رأى هذا سببًا لوجود الإله، ودعا جون لوك شبه المعاصر إلى الاستقلالية الفردية وتقرير المصير ولكن في السعي الإيجابي لليبرالية والفردية بدلاً من الإستجابة لتجربة وجودية.

أصل وتطور الفلسفة الوجودية:

كانت الوجودية في شكلها المعترف به حاليًا مستوحاة من الفيلسوف الدنماركي في القرن التاسع عشر سورين كيركيغارد والفلاسفة الألمان فريدريك نيتشه ومارتن هايدجر وكارل جاسبرز(1883-1969) وإدموند هوسرل وكتّاب مثل الروسي فيودور دوستويفسكي (1821-1881) والتشيكي فرانز كافكا (1883-1924) ويمكن القول أنّ جورج فيلهلم فريدريش هيجل وآرثر شوبنهاور كانا أيضًا مؤثرين مهمين على تطور الوجودية لأنّ فلسفات كيركيغارد ونيتشه كُتبت ردًا على أو معارضة لهما.

كان كيركيغارد ونيتشه مثل باسكال من قبلهم مهتمين بإخفاء الناس بلا معنى للحياة واستخدامهم للتحريف للهروب من الملل، ومع ذلك على عكس باسكال فقد اعتبروا أنّ دور اتخاذ القرارات الحرة بشأن القيم والمعتقدات الأساسية ضروري في محاولة تغيير طبيعة وهوية المنتقي.

في حالة كيركجارد نتج عن هذا “فارس الإيمان” الذي يؤمن تمامًا بنفسه وبالله كما هو موضح في عمله عام 1843 “الخوف والارتجاف”، أما في حالة نيتشه فإنّ “Übermensch” أو “Superman” المشؤوم كثيرًا ما يحقق التفوق والتعالي دون اللجوء إلى “الدنيوية الأخرى” للمسيحية في كتابيه “هكذا تكلم زرادشت” (1885) و “ما وراء الخير والشر” (1887).

كان مارتن هايدجر فيلسوفًا مهمًا مبكرًا في الحركة ولا سيما عمله المؤثر عام 1927 “الوجود والوقت”، وعلى الرغم من أنّه نفى بشدة كونه وجوديًا بالمعنى السارتراني، إلّا أنّ نقاشه للأنطولوجيا متجذر في تحليل نمط وجود البشر الفرديين، كما أنّ تحليله للأصالة والقلق في الثقافة الحديثة يجعله وجوديًا إلى حد كبير في الإستخدام الحديث المعتاد.

نشأت الوجودية في منتصف القرن العشرين إلى حد كبير من خلال الأعمال العلمية والروائية للوجوديين الفرنسيين من مثل جان بول سارتر وألبير كامو (1913-1960) وسيمون دي بوفوار (1908-1986)، وكما يعد موريس ميرلو بونتي (1908-1961) هو أحد الوجوديين الفرنسيين المؤثرين وغالبًا ما يتم تجاهله في تلك الفترة.

ربما يكون سارتر الأكثر شهرة بينهم وذلك فضلاً عن كونه واحدًا من القلائل الذين قبلوا بالفعل أن يطلق عليهم لقب “الوجودي”، ويعد “الوجود والعدم” (1943) هو أهم أعماله وقد ساعدت رواياته ومسرحياته بما في ذلك “الغثيان” (1938) و “لا مخرج” (1944) على نشر الحركة.

في “أسطورة سيزيف” (1942) استخدم ألبرت كامو تشبيهًا للأسطورة اليونانية سيزيف Sisyphus (الذي حكم عليه للأبد بدحرجة صخرة أعلى تل، فقط لجعلها تتدحرج إلى القاع مرة أخرى في كل مرة) بلا جدوى من الوجود، لكنه يوضح أنّ سيزيف يجد في النهاية معنى وهدفًا في مهمته وذلك ببساطة من خلال تطبيق نفسه بإستمرار عليها.

كتبت سيمون دي بوفوار الوجودية المهمة التي قضت معظم حياتها إلى جانب سارتر، عن الأخلاق النسوية والوجودية في أعمالها بما في ذلك “الجنس الثاني” (1949) و “أخلاقيات الغموض” (1947).

على الرغم من أنّ معظم الناس يعتبرون سارتر الوجودي البارز وأنّ الكثيرين يعتبرون فيلسوفًا مهمًا ومبتكرًا في حد ذاته، إلّا أنّ آخرين أقل إعجابًا بمساهماته، فقد كان هايدجر نفسه يعتقد أنّ سارتر قد أخذ عمله الخاص وأعاده إلى فلسفة ديكارت وهوسرل الموجهة نحو الذات والموضوع، وهو بالضبط ما كان هايدجر يحاول تحرير الفلسفة منه.

يرى البعض موريس ميرلو بونتي (1908 – 1961) كفيلسوف وجودي أفضل، خاصة فيما يتعلق بدمج الجسد كطريقة لوجودنا في العالم، ولتحليله الكامل للإدراك (مجالان غالبًا ما يكون فيهما عمل هايدجر) تعتبر ناقصة.

الفلسفة الوجودية اليوم:

كحركة ثقافية تنتمي الوجودية إلى الماضي، وكتحقيق فلسفي قدم معيارًا جديدًا ألا وهو “الأصالة” لفهم ما يعنيه أن تكون إنسانًا – وهو معيار مرتبط بمفهوم ما بعد الديكارتي المميز للذات على أنّها عملية ومتجسدة ووجود في العالم – فإنّ الوجودية لها استمر في لعب دور مهم في الفكر المعاصر في كل من التقاليد القارية والتحليلية.

توفر جمعية الظواهر والفلسفة الوجودية والمجتمعات المكرسة لهيدجر وسارتر وميرلو بونتي وياسبرز وبوفوار وغيرهم من الفلاسفة الوجوديين منتدى للعمل المستمر الذي يعد ذي الطبيعة التاريخية والعلمية والتركيز الأكثر منهجية، والذي يستمر ما أطلق عليه خواجة “التقليد” للوجودية، وغالبًا ما يضعها في مواجهة مع حركات أحدث مثل البنيوية والتفكيك والتأويل والنسوية.

في مجال دراسات النوع الإجتماعي تعتمد جوديث بتلر (1990) بشكل مهم على المصادر الوجودية كما فعل لويس جوردون (1995) في مجال نظرية العرق فقد قام ماثيو راتكليف (2008) وكيفن آهو (2019) بتطوير مناهج وجودية لعلم النفس المرضي.

أما الاهتمام بالمفهوم السردي للهوية الذاتية وعلى سبيل المثال في عمل تشارلز تيلور (1999) وبول ريكور وديفيد كار (1986) أو تشارلز غينيون له جذوره في المراجعة الوجودية للمفاهيم الهيجلية عن المؤقت نقد العقلانية، فقد طور Hubert Dreyfus هوبير دريفوس 1979 نقدًا مؤثرًا لبرنامج الذكاء الاصطناعي بالاعتماد بشكل أساسي على الفكرة الوجودية الموجودة بشكل خاص في هيدجر Heidegger وميرلو بونتي Merleau-Ponty والتي تنص على أن العالم البشري عالم المعنى ويجب أن يُفهم أولاً وقبل كل شيء كوظيفة لممارساتنا المتجسدة ولا يمكن تمثيلها كنظام منظم منطقيًا للتمثيلات.

جون هاوجلاند (1998):

دعا جون هاوجلاند (1998) الذي دعا إلى “الوجودية الجديدة” إلى استكشاف دور الالتزام الوجودي في الممارسات العلمية كممارسات تتبع الحقيقة، أما في الميتافيزيقيا اعتمد ماركوس غابرييل (2018) مصطلح “الوجودية الجديدة” لوصف وجهة نظر غير طبيعية للعقل في “الكون” تلغي “عدم التناسق الأنطولوجي” للمثالية لصالح وجهة نظر يتم فيها تعريف العقل كصراع لفهم حقيقة أنّه ليس مجرد جزء من الكون، وأنّ “العوالم” المألوفة التي يسكنها في هذا الصراع لا تشكل كلًا.

في سلسلة من الكتب انعكس مايكل جيلفن (على سبيل المثال 1990 ، 1997) في الفروق بين الأبعاد الوجودية والأخلاقية والمعرفية أو المنطقية للتجربة، موضحًا كيف تتشابك المعايير المناسبة لكل منها دون الاختزال إلى أي واحد.

يجد إحياء الاهتمام بعلم النفس الأخلاقي العديد من الكتّاب الذين يتناولون مسألة الهوية الذاتية والمسؤولية بطرق تذكر بالمواضيع الوجودية لصنع الذات والاختيار، فعلى سبيل المثال تناشد كريستين كورسجارد (1996) بشكل حاسم مفاهيم ” الدستور الذاتي “و” الهوية العملية “، بينما يؤكد ريتشارد موران (2001) على العلاقة بين الاعتراف الذاتي ومنظور المتكلم بطريقة مشتقة جزئيًا من سارتر، واتبع كل من توماس ناجل وبرنارد ويليامز الخط الوجودي الذي يربط المعنى بمحدودية وجودنا.

حتى لو استمر هؤلاء الكتّاب في كثير من الأحيان بثقة أكبر في معيار العقلانية أكثر مما فعل الوجوديون الكلاسيكيون، فإنّ عملهم يزرع التضاريس التي لمحها الأخير أولاً، واليوم كما أشرنا يمكننا أن نجد حججًا شاملة للأخلاق الوجودية في كتاب مثل ويبر وماكمولين.

بالإضافة إلى ذلك بعد سنوات من الخروج عن الموضة في فرنسا أصبحت الزخارف الوجودية مرة أخرى بارزة في أعمال كبار المفكرين، حيث إنّ اعتناق فوكو لمفهوم معين للحرية واستكشافه لـ “رعاية الذات” يستدعيان النقاشات داخل الوجودية كما يفعل عمل دريدا حول الدين بدون الله وانعكاساته حول مفاهيم الموت والاختيار والمسؤولية.

ومن نواحٍ مختلفة تمامًا تشير كتب كوبر (1999) وآلان سكريفت (1995) إلى أنّ إعادة تقييم تراث الوجودية هو بند مهم في جدول أعمال الفلسفة المعاصرة، وفي الواقع هناك أسباب للاعتقاد بأنّ إعادة التقييم هذه جارية حاليًا، فعلى سبيل المثال رينولدز (2006) يختتم مقدمته للوجودية مع الأخذ في الاعتبار كيف أنّ أنصار ما بعد البنيويين مثل دريدا ودولوز ووفوكو يوسعون بعض الانعكاسات الموجودة في سارتر وكامو وهايدجر، بينما رينولدز (2004) يفعل الشيء نفسه لكن بمزيد من التفاصيل لدريدا وميرلو بونتي.

تتناول العديد من المنشورات الأخرى التحدي المتمثل في إدخال الفكر الوجودي في حوار مع عناصر على جدول الأعمال الفلسفي المعاصر، ويستكشف إدوارد بارينج (2011) العلاقة التاريخية بين دريدا والوجودية ويجد نوعًا من الوجودية “المسيحية” في عمل دريدا قبل عام 1952، والتي يمكن ملاحظة آثارها في تفكيره اللاحق.

تستكشف المجموعة التي تم تحريرها بواسطة جوداكن وبرناسكوني (Judaken and Bernasconi (2012 السياق التاريخي للكتابات الوجودية المستنيرة من الانتقادات المعاصرة للتقديس، وقد أدى الفكر النسوي إلى انفجار في العمل الذي أعاد تقييم علاقة بوفوار وسارتر وأهميتها لأصول الوجودية نفسها وعلى سبيل المثال:

  • كروكس ( Kruks ( 1990 ، 1912.
  • بيرجوفن (1997) Bergoffen.
  • آرب (2001) Arp.
  • هيناما (2003) Heinämaa.
  • دويتشر (2008) Deutscher.
  • سيمونز (2013) Simons.


في عام 2011 ظهر (رفيق الاستمرارية للوجود-The Continuum Companion to Existentialism) (جوزيف ورينولدز ووودوارد 2011)، ثم تبعه رفيق كامبريدج للوجود الوجودي (كرويل 2012 أ-Crowell 2012a)، حيث تلتزم المقالات في كلا المجلدين بإظهار الصلة المنهجية للمفاهيم والنهج الوجودية للعمل المعاصر في الفلسفة والمجالات الأخرى.

كما لاحظ كيفن آهو في مجالات متنوعة مثل العلوم المعرفية والطب النفسي والرعاية الصحية والفلسفة البيئية “إرث الوجودية ما زال حياً وبصحة جيدة” (2014: 140)، فإذا كانت السمعة السيئة للوجودية كحركة ثقافية قد أعاقت استقبالها الفلسفي الجاد فقد يكون أكثر ما لدينا لنتعلمه من الوجودية لا يزال أمامنا.


شارك المقالة: