فلسفة راسل لتحديد مفهوم الخير

اقرأ في هذا المقال


إنّ كلمة (جيد) يمكن أن تظهر في جمل ذات معنى، إلّا أنّها لا تحمل معنى خاصًا بها وهذا محير جدًا، فماذا يعني برتراند راسل عندما يقول أنّ (الخير) ليس له معنى؟ ولماذا تعتمد وجهة نظر الفيلسوف جورج إدوارد مور على الأطروحة التي تقوم بها؟

حجة السؤال المفتوح لمور في تحديد مفهوم الخير:

لنبدأ مع مور في حجة مور المفتوحة في السؤال المطروح (ماذا يعني راسل عندما يقول أنّ (الخير) ليس له معنى؟) تسير على النحو التالي:

1- “هل (X) أشياء جيدة؟” هو سؤال مهم أو مفتوح لأي مسند طبيعي أو ميتافيزيقي (X)، حيث سواء كانت بسيطة أو معقدة.

2- وإذا كان تعبيرًا مترادفًا سواء كانا بسيطين أو معقدين فهذا واضح عند التفكير لكل متحدث مختص.

3- معنى كلمة المسند أو الخاصية هي الخاصية التي تقف من أجلها، وبالتالي إذا كان لكلمتين من المسندات أو كلمتين خاصتين معاني مميزة، فإنّهما يسميان خصائص مميزة.

من فرضية (1) – فرضية (2) يتبع ذلك:

4- كلمة (جيد) ليس مرادفًا لأي مسند طبيعي أو ميتافيزيقي (X)، أو الخير مع أي اسم أو عبارة اسمية (X) الحيوية.

من فرضية (3) – فرضية (4) يتبع ذلك:

5- لا يتطابق الخير مع أي خاصية طبيعية أو ميتافيزيقية لـ (X) الحيوية.

الفرضية رقم (3) أمر بالغ الأهمية، حيث يعتبر مور أنّ معنى المسند هو الخاصية التي يمثلها، ومن ثم إذا لم تكن هناك خاصية للخير تقابل كلمة (خير) فإنّ كلمة (خير) ستكون بلا معنى، وبما أنّ كلمة (خير) من الواضح أنّها ليست بلا معنى فإنّ الخاصية المقابلة مضمونة.

وهكذا ننتقل من حقيقة دلالية واضحة وهي أنّ (خير) له معنى واضح، إلى ادعاء ميتافيزيقي أكثر إثارة للجدل وهو أنّ هناك خاصية مقابلة للخير، وما يشحم عجلات هذا الانتقال هو الافتراض غير الضار على ما يبدو أنّه إذا كانت كلمة مثل (جيد) تعني شيئًا ما، فلا بد أن يكون هناك شيء ما أو على الأقل بعض الخصائص التي تعنيها.

وإذا كانت هذه العقيدة صحيحة فإنّ الاعتراضات على الموضوعية ستقع على الأرض، وإنّ حقيقة أنّه من الممكن التحدث بشكل هادف عن الخير ستظهر أنّه لا بد من وجود مثل هذه الخاصية، وقد يكون عجزًا سببيًا وغالبًا ما يكون غيبيًا.

فلسفة لراسل في تحديد مفهوم الخير:

حتى نهاية أيامه اعتقد راسل ذلك: “هناك كلمات مهمة فقط لأنّها تعني شيئًا ما، وإذا لم يكن هناك هذا الشيء، فستكون أصواتًا فارغة وليست كلمات”.

“ولكن عندما كان صغيراً كنت أعتقد أنّ معظم الكلمات كانت هكذا الذي يفسر الوجود المتضخم لمبادئ الرياضيات

“آلهة هوميروس والعلاقات والوهم والفراغات رباعية الأبعاد كلها لها وجود، لأنّه إذا لم تكن كيانات من نوع ما فلن نتمكن من تقديم افتراضات عنها”.

جاء الاختراق مع نظريته في الأوصاف المحددة في عام 1905، فعبارات مثل: “ملك فرنسا الحالي” هي رموز غير مكتملة بحيث يمكن أن تعمل بشكل هادف في سياق الجملة على الرغم من أنّه قد لا يكون هناك ما تعنيه، كما أنّها غير مكتملة لأنّها لا تحمل أي معنى عند أخذها على حدة وفي سياق الجملة يمكن تحليلها بعيدًا.

عندما يتم تحليل عبارة “ملك فرنسا أصلع” وفقًا لصيغة راسل “هناك شيء ما هو ملك فرنسا مثل أنّه إذا كان أي شيء ملكًا لفرنسا فهو مطابق لذلك الشيء، وهذا الشيء أصلع”، وتختفي عبارة “ملك فرنسا” ببساطة، على الرغم من تركه مع المسند وهو جملة: “هو ملك فرنسا”.

إن عبارة “ملك فرنسا أصلع” خاطئة لأنّه لا يوجد ملك لفرنسا، ولا شيء يرضي الوظيفة المقترحة لكونه ملك فرنسا، وليست هناك حاجة إلى افتراض أنّ ملك فرنسا يجب أن يكون لديه نوع من الكينونة لهذا الاقتراح لفهم.

هذا يعيدنا إلى حجة السؤال المفتوح، وقد واصل راسل قبول المقدمات المنطقية للفرضيات (1) و (2) وبالتالي مع التحفظات فإنّ النتيجة الفرعية للفرضية (4)، فلا تعني كلمة (جيد) ذلك مثل أي مسند طبيعي (X)، على الأقل لا يعني نفس الشيء مثل أي من المسندات الطبيعية التي تم اقتراحها حتى الآن.

لكنه يقبل أيضًا شيئًا مثل الافتراض (3) بأنّ معنى المسند هو الخاصية التي يقف عليها ويمثلها، لأنّه كان يعتقد أنّ بعض المسندات كانت من بين الكلمات التي لها أهمية فقط لأنّ هناك شيئًا ما تعنيه، والتي ستكون ضوضاء فارغة وليست كلمات في غياب هذا الشيء، وقد استمر في الإيمان بالخصائص حتى عام 1959.

كيف إذن يمكن لراسل أن يتجنب استنتاج مور (5) بأنّ هناك خاصية للخير لا تتطابق مع أي خاصية طبيعية لـ (X) الحيوية؟ عن طريق تعديل المقدمة المنطقية (3):

  • معنى كلمة المسند أو الخاصية هي الخاصية التي تقف من أجلها ويمثلها، طالما أنّ هذا المسند هو رمز كامل.
  • بعض المسندات ليست رموزًا كاملة ويمكن أن تعمل بشكل مفيد في حالة عدم وجود الخصائص التي قد تشير إليها، وواحدة من هذه المسندات هي كلمة (خير).

بدون نظرية الرموز غير المكتملة بدا من الطبيعي أن يُستنتج كما فعل مور أنّ الافتراضات التي تحدث فيها كلمة (جيد) لها معنى، وبالتالي فإنّ كلمة (جيد) لها معنى أو كما يمكن أن نقول الآن مرجع، لكن هذه كانت مغالطة.

مراجع الكلمات لفهم الافتراضات لدى راسل:

يبدو أنّ النقطة المهمة هي أنّ كلمة (جيد) لا تعني المسند -الذي يعني راسل عن طريق خاصية- على الإطلاق، ولكن لها معنى فقط بالمعنى الذي تكون فيه العبارات الوصفية لها معنى أي قيد الاستخدام وليس بمعزل، وبالتالي فإنّ (الخير) يمكن أن يكون ذا معنى في غياب خاصية الخير وتكون نظرية الخطأ في مأمن من التفنيد الدلالي.

لكن راسل لم يخرج تمامًا من الغابة، حيث استمر في الإيمان بمبدأه الأساسي وهو أنّه لفهم اقتراح ما فإنّه يجب أن نتعرف على مراجع الكلمات التي تبقى بمجرد اختزال الاقتراح إلى مكوناته النهائية.

هذا يعني في الواقع أنّ الأشياء غير الموجودة يجب أن يتم تعريفها من حيث الأشياء التي تفعل، وفي الواقع الأشياء غير الموجودة يجب أن يتم تعريفها كمصطلحات للأشياء (بما في ذلك المسلمات) التي نعرفها، فكيف إذن يتم تعريف (الخير)؟ وبشكل متحذلق أكثر كيف يتم تحليل الجمل التي تتضمن (جيد) بحيث يمكن حذف كلمة (جيد)؟

فوفقًا لراسل فإنّه عندما نحكم على أنّ عبارة “(M) جيد” فإننا نعني بذلك أنّ “يمتلك (M) تلك الخاصية الأصلية التي تشترك فيها (A و B و C و … الأشياء التي نوافق عليها ولكنها غائبة في X و Y و Z و … الأشياء التي لا نوافق عليها.

عواطف الموافقة والرفض بحيث يلاحظ راسل أنّه “لا تدخل في معنى الاقتراح “(M) جيد”، ولكن فقط في تكوينه”.

بمعنى يتم تعريف (جيد) من حيث الأشياء التي نوافق عليها ونرفضها، على الرغم من حقيقة أنّه يتم الموافقة عليها أو لا يتم الموافقة عليها، ولم يتم تضمينها في التحليل، وهذا هو رأي راسل في الاقتراح والإفتراض.

وسيكون دائمًا خاطئًا لأنّ الأشياء التي يتم الموافقة عليها ليس لديها أي شيء مشترك باستثناء حقيقة أنّه يتم الموافقة عليها، وهذا هو السبب في أنّ جميع الافتراضات التي تحدث فيها كلمة (جيد) بشكل أساسي خاطئة.

ولكن هل ستكون مثل هذه الافتراضات خاطئة في الواقع؟ بالتأكيد (X و Y و Z… إلخ) لها خاصية مشتركة، وهي خاصية أن تكون (X) أو (Y) أو (Z) أو…! ربما يجيب راسل بأنّ الخصائص المنفصلة ليست ممتلكات حقيقية.

لقد أخذ نظرة قاتمة للحقائق المنفصلة في فلسفة الذرات المنطقية، وإذا كان يجب رفض الحقائق المنفصلة فإنّ الخصائص المنفصلة ستبدو مشكوكًا فيها بنفس القدر، ومع ذلك لا يمكننا التأكد من أنّه في كل حالة لا يوجد شيء مشترك بين الأشياء التي نوافق عليها بخلاف:

• حقيقة أننا نوافق عليها.

• أنّها تفي بمسند منفصل.

وليست هذه هي المشكلة الوحيدة فعلى الرغم من أنّ راسل يعرّف (الخير) من حيث الأشياء التي نوافق عليها ونرفضها، فإنّ ما يبدو أنّه يعنيه هو أنّ كل شخص يعرّف (الخير) من حيث الأشياء التي يوافق عليها أو لا يوافق عليها.

وبالتالي إذا وافق شخصان على أشياء مختلفة، فعندما يقول أحدهما “(M) جيد” ويقول الآخر “(M) ليس جيدًا”، فإنّ ما يعنيه الأول هو أنّ (M) لديه خاصية مشتركة بواسطة (X و Y و Z … الأشياء التي يتم الموافقة عليها، في حين أنّ ما يقصده الشخص الثاني هو أنّه لا يحتوي على الملكية المشتركة من قبل (A و B و C … الأشياء التي يتم الموافقة عليها.

ولكن في هذه الحالة تبرز مشكلة الخلاف برأسها القبيح والمزعج، ففي نظرية راسل قد يكون “(M) جيد” و “(M) ليس جيدًا” متسقين تمامًا، ولكن نظرًا لأنّه من الواضح أنّها غير متسقة، فلا بد أنّ هناك خطأ ما في نظرية راسل، بحيث من الممكن أن نضع هذه النقطة بإعادة صياغة انتقادات راسل الخاصة للذاتية البسيطة.

ففي حالة التأكيد على أنّ (A) جيد، فيكون قصد الشخص بـ (X) مجرد التأكيد على أنّ (A) لها علاقة معينة بنفسه مثل إرضاء ذوقه بطريقة ما، أو أنّ (A) لها خاصية مشتركة بين الأشياء التي وافق عليها و (Y) في قوله إنّ (A) ليس جيدًا يعني مجرد إنكار أنّ (A) له علاقة مماثلة معه، أو إنكار أنّ (A) لها السمة المشتركة بين الأشياء التي وافق عليها في (Y)، ثم لن يكون هناك موضوع نقاش بينهما.


شارك المقالة: