نشأ مور في جنوب لندن حيث كان شقيقه الأكبر هو الشاعر توماس ستورج مور (T. Sturge Moore) الذي عمل رسامًا مع وليام بتلر ييتس (W. B. Yeats)، وفي عام 1892 ذهب إلى كلية ترينيتي في كامبريدج لدراسة الكلاسيكيات، وهناك سرعان ما تعرّف هناك على بيرتراند راسل (Bertrand Russell) الذي كان يسبقه بعامين، وجون ماك تاغارت إليس ماك تاغارت (J. M. E. McTaggart) الذي كان آنذاك زميلًا شابًا في الفلسفة في كلية ترينيتي.
تطور علم وفلسفة مور:
قرر مور إضافة دراسة الفلسفة إلى دراسته للكلاسيكيات بتشجيع من أهله، والذي تخرج عام 1896 بدرجة أولى في هذا الموضوع، وفي هذه المرحلة وجه طاقاته نحو محاولة السير على خطى ماك تاغارت وراسل من خلال الفوز بزمالة الجائزة في كلية ترينيتي، والتي ستمكنه من مواصلة دراسة الفلسفة هناك، وفي عام 1898 كان ناجحًا وعلى مدى السنوات الست التالية نضج كفيلسوف شاب ديناميكي، حيث قاد راسل في الواقع بعيدًا عن الفلسفة المثالية لماك تاغارت وآخرين التي كانت سائدة في بريطانيا آنذاك.
انتهت زمالة مور في عام 1904 حيث بعد فترة من غيابه عن كامبريدج عاد مور هناك في عام 1911 للحصول على محاضرة في الجامعة ثم عاش هناك لبقية حياته (باستثناء زيارة ممتدة للولايات المتحدة الأمريكية في 1940-1944)، وفي عام 1921 أصبح محررًا لمجلة (Mind) وهي المجلة الفلسفية البريطانية الرائدة، وفي عام 1925 أصبح أستاذًا في كامبريدج.
أكد هذان التعيينان على مكانته باعتباره الفيلسوف البريطاني الأكثر احترامًا في ذلك الوقت، ومع عودة فيتجنشتاين إلى كامبريدج بعد عام 1929 أصبحت كامبريدج أهم مركز للفلسفة في العالم، وتقاعد مور من العمل كأستاذ جامعي في عام 1939 (خلفه فيتجنشتاين) وكمحرر لمجلة (Mind) في عام 1944، حيث لم تكن حالات التقاعد هذه بمثابة نهاية تفوقه فحسب بل كانت أيضًا تمثل نهاية العصر الذهبي لفلسفة كامبريدج.
في وقت مبكر من وقته في كامبريدج أصبح مور صديقًا لبعض الشباب الذين شكلوا مجموعة بلومزبري (Bloomsbury Group) مثل ليتون ستراشي (Lytton Strachey) وليونارد وولف (Leonard Woolf) وماينارد كينز (Maynard Keynes)، ومن خلال هذه الصداقات مارس مور تأثيرًا غير مباشر على ثقافة القرن العشرين البريطانية بعمق مثل تأثير أي فيلسوف أكثر انخراطًا.
وتشهد هذه الصداقات طويلة الأمد على شخصية مور السقراطية وبالتالي على جانب من شخصيته لا تنقله كتاباته، فقد أكد جيلبرت رايل (Gilbert Ryle) فيلسوف أكسفورد الذي خلف مور كمحرر لمجلة (Mind) وكفيلسوف بريطاني مهيمن بعد عام 1945 على هذا الجانب من شخصية مور:
“لقد منحنا الشجاعة ليس بتقديم تنازلات بل بعدم التّنازل عن شبابنا أو خجلنا، ولقد عاملنا على أننا مؤهلين وبالتالي كمفكرين مسؤولين، وقد كان ينفجر في أخطائنا وشبهاتنا بهذه الشراسة اللطيفة التي ينفجر بها في أخطاء وتشويش الرؤساء الفلسفيين وبضراوة العبقرية التي ينفجر بها في أخطاء وفوضى من جانبه”.
إرث الفيلسوف مور:
لم يكن مور فيلسوفًا منهجيًا حيث على عكس فلسفة توماس ريد (Thomas Reid) عن الفطرة السليمة، فإنّ الفطرة السليمة بوجهة نظر وفلسفة مور ليست نظامًا، وحتى في مجال الأخلاق حيث يقترب من تقديم نظرية فإنّه يتنصل صراحةً من أي طموح لتقديم وصف منهجي للخير.
ومن ثم كما تظهر فلسفة مور التي قدمها للمجال الفلسفي، فإنّ إرث مور هو في الأساس مجموعة من الحجج والألغاز والتحديات، وإحدى الإضافات الملحوظة إلى تلك المذكورة بالفعل هي مفارقة مور: “حيث إذا كنت مخطئًا بشأن شيء ما، فأنا أعتقد أنّ شيئًا ليس كذلك، وربما أنّها تمطر بينما لم تكن كذلك، ومع ذلك إذا نسبت هذا الخطأ إلى نفسي بالقول “إنّها لا تمطر ولكني أعتقد أنّها تمطر” فإنّ بياني سخيف، فلماذا هو كذلك؟ ولماذا من السخف بالنسبة لي أن أقول شيئًا ما يكون صحيحًا عن نفسي؟”.
مور نفسه يعتقد أنّ التفسير هنا هو أننا نعتقد عمومًا الأشياء التي نقولها، لذلك عندما نقول: “إنها لا تمطر”، فإن معنى ذلك أنّ المرء يؤمن بذلك، ولكن فيتجنشتاين رأى بحق أنّ هذا التفسير كان سطحيًا وأنّ مور قد وضع إصبعه على ظاهرة أعمق بكثير هنا تتعلق بإحساسنا بهويتنا كمفكرين.
هذه الحالة النموذجية كان لدى مور قدرة لا مثيل لها في تحديد الظواهر الفلسفية، ففي مناقشاته حول أهميتها ليست مرضية دائمًا، ولكنه سيكون أول من يعترف بخطئه، وما يهم هو أنّه إذا بدأنا من حيث بدأ فيمكننا التأكد من أننا نتعامل مع شيء سيخبرنا بشيء مهم عن أنفسنا والعالم.