رواية سفر إلى آخر الليل - travel to the end of the night

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر تلك الرواية من الروايات التي تم تصنيفها تحت الحديث عن الخبرات والتجارب الشخصية للكاتب والمؤلف ذاته، وهي من أول الروايات التي قام الكاتب والمؤلف سيلين بإصدارها، فهي كانت من الروايات التي أثارت الكثير من آراء الروائيين والكتاب، إذ تم الموافقة على نشرها أثناء عام 1932م، وقد حصدت الرواية على جائزة (رينودو)، بالإضافة إلى العديد من الذكريات التي عاشها الكاتب خلال الفترة التي أثيرت بها الحرب العالمية الأولى.

رواية سفر إلى آخر الليل

عمل الروائي والطبيب الفرنسي لويس سيلين، بالعمل على البدء بالكتاب الذي تضمن الرواية المذكورة، حينما كان في مرحلة متقدمة من العمر، إذ أنّ الكاتب من مواليد دولة فرنسا عام 1894م، وقد كان مشهوراً بين الناس في تلك الضاحية باسم (ديتوش).

لكنه حينما قرر أن يخوض تجربة الكتابة والتأليف ودخول الحياة الأدبية، عمل على اختيار واستعارة اسم مناسب للتداول بين الأدباء، فاختار أن يكون اسمه (سيلين)، وهو الاسم الذي كان يطلق على أحد الأفراد من أقاربه، فقد رآه مناسباً ويسر للتداول، وجميل أن يكون الواجهة الأدبية التي يكنها بها بين الكتاب.

في بداية حياته، قام لويس بالخوض في تخصص الطب، حيث درس علم الطب في إحدى الجامعات، ثم وجد نفسه بعد ذلك، أنّ في جعبته الكثير من التجارب الخبرات التي يستطيع أن يرويها للآخرين، وكما عرف عنه أنه من المتحيزين للفاشية، وذلك نظراً لكثير من المواقف الأفعال التي كانت تصدر عنه.

بالإضافة إلى طريقة التفكير الذي كان يسير بها، فهي كانت تتوافق تماماً مع الفاشيين؛ فقد كان واقفًا جنباً إلى جنب مع الألمان، وذلك في الوقت الذي قامت به الدولة  الألمانية باحتلال دولة فرنسا، وهذا كان  في أوائل الحرب العالمية الثانية، مما جعل لويس يعيش وحيدًا، ولا أحد من أفراد عائلته بجانبه، ولا أحد يحاول أن يختلط به على الإطلاق، مما جعل الكثير من الأشخاص يصفوه بالجنون، بعد انقضاء الحرب، واستمر على تلك الحال حتى توفي عام 1961م، ولكنه كان من الأدباء والكتاب الذين تميزوا بالكتابات المتميزة.

وكما أضاف سيلين إلى الرواية العديد من المعلومات التي يمتلكها، فمنها ما كان يدور محوره حول القارة الإفريقية، والتي كان من خلالها قد اكتشف مدى المساوئ التي تحملها (بالكولونيالية)، ومنها ما كان يتمثل في  وجهة نظره  وآراءه حول الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد كان يرى أنه صحيح تم تحقيق العديد من الإنجازات والانتصارات والتطورات والتقدمات التي لها أثر هائل في مسيرة العمل والنظام الرأسمالي، كما أضاف إلى الرواية الطابع عن الحياة العملية الخاصة، حينما مارس مهنته كطبيب، عمل في الغالبية العظمى الضواحي المتنوعة.

الرواية لم تكون من التجارب الأولى للمؤلف التي تحدث بها وروى عن الخبرات والتجارب التي عاشها في حياته بالبدايات، والتي تناول فيها الحديث عن الأحداث والمواقف التي تخص حياته الشخصية، كمحور رئيسي داخل أحداث الرواية، بينما كان الطابع الشخصي للكاتب وأسلوبه المتميز في روي الأحداث في رواية (سفر إلى آخر الليل)، يطغو برونق جميل من خلال الأحداث.

إذ قام الراوي ببناء أسس الرواية معتمدًا بذلك على الأحداث والوقائع الحقيقية التي خاضها أثناء تجاربه الخاصة في الحياة المهنية، إذ أنه حينما قام بممارسة الحياة العملية وانخراطه في العمل لفترة من الوقت، داخل الأقسام الطبية في المندوبية التي كانت تتبع لعصبة الأمم المتحدة في دولة ألمانيا.

فقد كانت تلك المرحلة من حياته، من أهم المراحل التي أثرت به وجعلته من الأشخاص المناصرين لدولة ألمانيا، ولكن على غرار ذلك كانت تلك المرحلة من المراحل التي شكلت حوله دائرة في بلاده، وجعلته من الأشخاص المنبوذين والغير محبب بهم، وهذا من الأمور الطبيعية، فهو أصبح من المناصير للدولة التي احتلت بلده الأم.

أشار سيلين من خلال الرواية إلى الرحلة الذي ذهب بها الطبيب، بعد عودة من ألمانيا، إذ بدأ حينها بالتوجه إلى ممارية مهنته في مدينة تدعى (كليشي) والتي كانت تقع في الشمال الغربي من مدينة باريس، فقد كانت المدينة من المدن التي تتميز بوجود الناس البائسين فيها في ذلك الوقت، حيث كان ذلك في الربع الأول من القرن العشرين.

وحين وصل الراوي اكتشف هناك كمية ومدى الظلم والبؤس الذي يعيشون فيه أهل تلك المدينة، مما جعله يرسم في مخيلته صورة واسعة وواضحة لذلك النوع من الحياة التي يعيشها أصحاب تلك المناطق، وقد أخذ فكرة كبيرة عن هذا النوع من المشاعر التي تؤثر فيما بعد على باقي المجتمع، فتصبح الحياة بأكمله بائسة في كافة أنحاء المجتمع.

لم يشير الكاتب إلى أي بريق من الأمل من خلال العمل الروائي، ولكنه صرح أنّ هناك خلفية للرواية لم يفهمها أحد ولم يقوى أحد على إدراكها، ألّا وهي الحب، والذي يبقى يتحدث عنه، بالرغم من كل ما يواجه الإنسان ويحيط به من عقبات ومصائب وكوارث.

كان الكاتب يستخدم أسلوب مشوق في كتابة الرواية، فقد عمل على تقسيم الرواية إلى مجموعة من المشاهد والفصول التي تتفاوت من ناحية الكثافة والحجم، وهذا ما جعل الرواية مغايره لما سبقها من روايات، إذ بدت وكأنها نوع جديد على الأدب الفرنسي في تلك الآونة، ولم يؤتى به من قبل.

بالإضافة إلى أنّ سيلين لم يقم بأي من ترقيم وتعداد للأجزاء، وهذا ما جعل الأمر مشوقاً أكثر لقراءة الرواية بأكملها، إذ تناول في الجزء الأول من الرواية اليوم التي نشبت فيه الحرب العالمية الأولى، ووصل في نهاية الجزء الأخير عام 1928م، أي بعد قضاء عشرة أعوام من الموافقة على توقيع الاتفاقية التي أشير بها إلى أنهاء الحرب، في إشارة منه إلى النتائج وما عقب الحروب من أحداث.

أثار سيلين التشوق لدى القارئ، من خلال دفع بطل الرواية إلى التجول حول كافة زوايا الأرض، فقد جعل الصدف هي المحور الرئيسي التي تقود القائد القارئ من واقع إلى آخر دون أي تخطيط مسبق، فقد كان يتنقل من جبهة القتل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم بعد ذلك التفرغ لممارسة مهنة الطب، بالإضافة إلى القيام بأداء بعض الأدوار الهزيلة في إحدى صالات التسلية، كما عمل سيلين حضور مقرن للبطل، وذلك بالالتقاء به، في العديد من اللحظات التي تهوي به داخل الرواية، وقد انتهت بموت القرين؛ والذي كان قد نجا منه البطل الرئيسي للرواية، والذي قام بدوره برواية الأحداث بذاته.


شارك المقالة: