شهرة الفيلسوف برادلي وتأثير فلسفته

اقرأ في هذا المقال


كان فرانسيس هربرت برادلي (1846-1924) الأكثر شهرة وأصليًا وتأثيرًا فلسفيًا بين المثاليين البريطانيين، وبرز هؤلاء الفلاسفة في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر لكن تأثيرهم على الفلسفة البريطانية والمجتمع ككل  ومن خلال مواقع القوة التي بلغها بعض تلاميذهم في مؤسسات الإمبراطورية البريطانية في كثير من العالم  استمر في النصف الأول من القرن العشرين.

تأثير فلسفة برادلي:

كانت سمعة برادلي الفكرية عالية بشكل ملحوظ في أيامه بحيث كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنّه أعظم فيلسوف إنجليزي في جيله، وعلى الرغم من أنّ المثاليين لم يكونوا أبدًا أغلبية مهيمنة، فقد من بين بعض الفلاسفة يبدو الموقف تجاهه وكأنّه موقف تبجيل، واعترف الأصدقاء والأعداء بأهمية عمله وتأثيره على الفلسفة البريطانية.

المجلد الثاني من الفلسفة البريطانية المعاصرة المرموقة لجون هنري مويرهيد، وذلك في البيانات الشخصية كتاب ظهر بعد وقت قصير من وفاة برادلي وجمع أوراقًا من قبل جميع الفلاسفة الرئيسيين في ذلك الوقت، بما في ذلك المفكرين الذين يعادون النظرة المثالية مثل جورج إدورد مور حيث يبدأ بالتفاني التالي: “إلى فرانسيس هربرت برادلي، وسام الاستحقاق لمن تدين الفلسفة البريطانية بالدافع الذي منحها حياة جديدة في عصرنا”.

نقد الفيلسوف برتراند راسل لفلسفة برادلي:

بدأت هذه السمعة في الانهيار بسرعة كبيرة بعد وفاته، وتعود الأسباب في ذلك لعدة أمور معقدة، وتشمل هذه أمورًا تبدو غريبة على الفلسفة نفسها، مثل رد الفعل ضد الإمبريالية البريطانية (التي برر بعض الفلاسفة المثاليين رسالتها الروحية وقام بها تلاميذهم) بعد الحرب العظمى.

كان أحد العوامل المحلية الأكثر أهمية هو الروايات المغرضة ولكن المدمرة لآرائه التي ظهرت في كتابات مور وراسل (Russell) بعد انشقاقهما عن المعسكر المثالي، ويقدم كتاب (على دلالة – On Denoting) الذي يقرأه راسل على نطاق واسع ويحتفى به بعدل مثالاً رائعًا على الدعاية الفلسفية.

وبالنظر إلى السؤال عما إذا كان ملك فرنسا أصلع أو ملك فرنسا ليس أصلعًا صحيحًا أم خطأ، ففي غياب ملك فرنسا الحالي يلاحظ رُسل بذكاء أنّ الهيغليين سيستنتجون أنّه يرتدي شعر مستعار.

كان لدى راسل موهبة أدبية خاصة في إنتاج ملاحظات من هذا النوع، والتي لا يمكن أن تفشل في ترك بصماتها حيث لا يوجد عدو أسوأ من المفارقة الساحرة، وفي الوقت نفسه لا يسمي راسل أي مؤلفين محددين، ولا يتناول أي نظرية مثالية محددة، وهكذا تم رفض المثالية البريطانية بأكملها ببساطة بسبب ارتباطها المزعوم بهيجل والذي تم تقديمه هنا باقتدار على أنّه ذروة السخافة.

نقد الفيلسوف ألفريد جول آير لفلسفة برادلي:

كان العامل الآخر هو الوضعية المنطقية التي رفض ممثلوها الميتافيزيقيا بشكل عام باعتبارها بلا معنى، حيث في الفصل الأول من كتاب ألفريد جول آير للغة المناوئة للميتافيزيقي تم تقديم برادلي على أنّه عالم ميتافيزيقي فقط، وعلى أساس جملة واحدة خارج السياق تم اختياره للسخرية.

كانت الجملة المختارة: “المطلق يدخل في التطور والتقدم ولكنه غير قادر على ذلك”، والتي أعاد آير صياغتها قليلاً من الصفحة 442 من المظهر والواقع، وكانت تعبير برادلي عن العقيدة المألوفة التي تقول إنّ الحقيقة المطلقة على الرغم من عدم تغيرها في نفسها، تشكل الأساس الأنطولوجي لعالمنا المحدود من التغيير والصيرورة.

قدم آير هذا الادعاء كمثال لما أسماه افتراضات زائفة، أي الجمل الإنجليزية التي يبدو أنّها تعبر عن معنى ولكنها في الواقع خالية من المحتوى الإعلامي، وملاحظته الخبيثة التي مفادها أنّ الاقتراح المقتبس مأخوذ عشوائيًا من المظهر والواقع كان مصممًا بوضوح لغرس في ذهن القارئ فكرة أنّ كتاب برادلي يتكون إلى حد كبير من مثل هذه الافتراضات الزائفة. نتيجة لهذه التأثيرات كان هناك تغيير معاد للمثالية في أسلوب العمل الفلسفي بأكمله، وهذا التغيير يتميز بتطور المنطق الرسمي والاحترام الجديد الذي تم دفعه لعمليات تسليم الحس السليم واللغة العادية.

وبدأ نثر برادلي المزدحم وثقته في حق الميتافيزيقي في الحكم على الحقيقة المطلقة يبدو غريبًا بالنسبة لجيل لاحق من الفلاسفة الذين نشأوا على مزيج من الحديث البسيط وإضفاء الطابع الرسمي وشجعوا على الإذعان للرياضيات والعلوم التجريبية، ولكن الخيارات الأسلوبية ليست محايدة من الناحية الفلسفية، ولن يقبل أي شخص منخرط في إنتاج نظام من الميتافيزيقا المراجعة القيود التي تفرضها اللغة العادية.

الفلسفة التحليلية وفكر برادلي:

ضمنت مثل هذه التأثيرات أنّ الصورة النمطية المضللة والرافضة لبرادلي أصبحت حاضرة بين الفلاسفة التحليليين وثبتت في كتبهم المدرسية بحيث اختفت المناقشة الجادة لعمله إلى حد كبير. كانت إحدى النتائج أنّه على الرغم من تأثيره المؤثر على راسل وجدلهم الممتد حول المسائل الأساسية فإنّ الكتب والمقالات عن راسل يمكن أن تحتوي على إشارات قليلة إلى برادلي أو لا تحتوي على أي إشارات على الإطلاق.

والشيء الآخر هو أنّ الكتاب المدرسي العرضي يشير إلى بعض آراء برادلي المميزة والأصيلة والأكثر أهمية، على سبيل المثال عن العلاقات والحقيقة غالبًا ما تستند إلى رسوم كاريكاتورية معادية، مع استثناءات قليلة (على سبيل المثال حجة ماك تاغارت عن عدم واقعية الزمن) بحيث كانت مناقشة عمل المثاليين متفرقة منذ الثلاثينيات.

بدأت مناقشة برادلي في الانتعاش كما فعلت سمعته وشهرته في السبعينيات من القرن الماضي واستمرت خلال العقود التالية حتى يومنا هذا، ولا تتماشى إعادة التوجيه هذه عادةً مع محاولة إثبات وجهة النظر الفلسفية العامة لبرادلي، بحيث إنّها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإحياء الاهتمام بأصول الفلسفة التحليلية الذي دفعه جزئيًا نقد رورتي في الفلسفة ومرآة الطبيعة.

شجع هجوم رورتي الفلسفة التحليلية على الفحص الذاتي وقاد بعض المفكرين داخل هذا التقليد إلى إعادة فحص الأساطير التأسيسية على أساس طرقهم الخاصة في ممارسة وتصور الفلسفة. أسفرت هذه الجهود عن نتائج مهمة بحيث أصبحت العديد من الدراسات والمجموعات متاحة لتصحيح المفاهيم الخاطئة الموروثة، كما تناقش فلسفة برادلي بطريقة أكثر توازناً وكان هناك أيضًا إحياء للاهتمام بفحصه النقدي لمفهوم العلاقة في مجال الأنطولوجيا التحليلية، ولكن على ما يبدو مع القليل من الاهتمام والتقدير لتلك القضايا التخمينية الأوسع التي تهمه كثيرًا.

المصدر: "F.H. Bradley’s Objections to the Ontological Proof"APPEARANCE AND REALITY A METAPHYSICAL ESSAYm F. H. BRADLEYm Second Edition (Revised), with an Appendix 1897.Bradley’s monist idealism, phil 43904, Jeff Speaks, August 29, 2007.FRANCIS HERBERT BRADLEYTHE PRINCIPLES OF LOGIC, Francis Herbert Bradley, Elibron Classics, LONDON KEGAN PAUL, TRENCH, & CO., I, PATERNOSTER SQUARE 1883.


شارك المقالة: