على الباغي تدور الدوائر

اقرأ في هذا المقال


الباغي في المعجم الوسيط، هو: “الظالم المستعلي”، هو كذلك “على القانون”، والجمع : بُغاة، والفئة الباغية الجماعة الظالمة، وفي الحديث الشريف ويل عمار، تقتله الفئة الباغية، يُعد مثل ” على الباغي تدور الدوائر” من أكثر الأمثال التي قيلت في الظلم والبغي، فمن يَظلم يُظلم ولو بعد حين.

قصة مثل على الباغي تدور الدوائر:

عن قصة هذا المثل روى “أبو نعيم بن عبدالله الأصبهاني” في كتابه “حلية الأولياء وطبقات الأصفياء” حكاية تبين أصل هذه المقولة التي توارثتها الأجيال، فيقول بكر بن عبدالله أنه كان هناك ملك ممن طواهم التاريخ من قبل، وكان له حاجب يقربه له ويدنيه منه، وكان حاجبًا خيرًا يدعو الملك للإحسان للمحسن والكف عن المسيء، وكان في بلاط الملك رجل آخر سيء النفس حسود الطباع، لم يُرضه قرب الحاجب من السلطان، فحسده على ما هو فيه وأوقع بينه وبين الملك، فسعى إلى الملك وقال له: إن الحاجب يخبر الناس أنك أبخر، وأبخر تعني ذا فم كريه الرائحة، فسأله الملك على دليل صدقه، فقال له الساعي: حينما تقربه منك لتحدثه فإنه يقبض على أنفه.

بعد ذلك ذهب الساعي ورسم للحاجب حيلة يجعل بها العداء يقع بينه وبين الملك، فدعاه للطعام وقدم له المرقة وأكثر بها من الثوم، فلما استدعاه الملك ليحدثه وضع يده على فمه لكي لا تصدر منه رائحة الثوم، فيشمها الملك وينزعج منها، فلما رآه الملك على هذا الحال، قال له تنح جانبًا، ودعا بالدواة وكتب له كتابًا، وقال اذهب بهذا إلى فلان ليمنحك جائزة تقدر بمئة ألف لكنه اشترط عليه أن لا يفتح حافظة الكتاب التي أحكم غلقها.
لما خرج الحاجب من عند الملك، استقبله الساعي والذي بذل أقصى جهده في الحيلة التي سعى من خلالها للإيقاع بينه وبين الملك، حينها سأله عما يحمله بين يديه، فقال له: هي هبة منحني الملك إياها، فوقع الطمع في نفس الساعي وطلبها منه، فوهبه إياها وخرج الساعي فرحًا بالكتاب، حتى وصل إلى فلان الذي فتح الكتاب فوجد الملك يأمره بذبح حامله، فأخذ يستحلفهم وأنه ليس المقصود، وطلب منهم معاودة الملك، فقالوا: لا يتهيأ لنا معاودته.
وقد كان في ذلك الكتاب: إذا أتاكم حامل كتابي هذا فاذبحوه، وهكذا على الباغي دارت الدوائر ليلقى جزاء بغيه، وهي الجملة التي أصبح العامة يرددونها، من بعد ذلك الحدث لتحذير من تسوّل لهم أنفسهم أنهم قادرون على الإفلات بجرم يرتكبونه واعتقادهم بأنهم يمتلكون القدرة على البغي في حق الأبرياء.
حيث حذر الله سبحانه وتعالى عباده من هذه الصفة الذميمة والفعل الرديء، وورد ذلك في العديد من السور كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (يونس:23)، وفي هذه الآية يرجع الله ضرر الباغي على نفسه، لكي يعتبر الظالمون، وقال الشاعر:

قضى الله أن البغي يصرع أهله
وأن على الباغي تدور الدوائر
ومن يحتفِرْ بئرًا ليوقع غيره
سيوقع في البئر الذي هو حافر.


شارك المقالة: