اقرأ في هذا المقال
تشمل مساهمات برتراند راسل الرئيسية في المنطق وأسس الرياضيات اكتشافه لمفارقة راسل، والمعروفة أيضًا باسم مفارقة راسل-زيرميلو، وتطويره مع وايتهيد (Whitehead) لنظرية الأنواع، وتأييده للمنطق كوجهة النظر أنّ الرياضيات بمعنى ما قابلة للاختزال إلى المنطق الصوري، نظريته العامة المثيرة للإعجاب للعلاقات المنطقية وإضفاء الطابع الرسمي على رياضيات الكمية والأرقام الحقيقية، وتنقيحه لحساب التفاضل والتكامل من الدرجة الأولى.
مفارقة راسل:
اكتشف راسل المفارقة أو التناقض الذي يحمل اسمه عام 1901 أثناء عمله على مبادئ الرياضيات (1903)، حيث تنشأ المفارقة فيما يتعلق بمجموعة كل المجموعات التي ليست أعضاء في نفسها، ومثل هذه المجموعة إن وجدت ستكون عضوًا في نفسها إذا وفقط إذا لم تكن عضوًا في نفسها، ففي مسودة عام 1901 لمبادئ الرياضيات يلخص راسل المشكلة على النحو التالي:
“يبدو أنّ البديهية القائلة بأنّ جميع المراجع فيما يتعلق بعلاقة معينة تشكل فئة ما تتطلب بعض القيود وذلك للسبب التالي: لقد رأينا أنّ بعض المسندات يمكن أن تنبثق عن نفسها، وفكر الآن في تلك التي لم يكن الأمر كذلك، ولا يوجد مسند يرتبط بها جميعًا ولا بأي شروط أخرى، ولأنّ هذا المسند إما أن يكون متوقعا أو غير قابل للتنبؤ عن نفسه.
إذا كانت قابلة للتنبؤ عن نفسها فهي واحدة من تلك المراجع التي تم تعريفها من خلالها وبالتالي بحكم تعريفها فهي ليست قابلة للتنبؤ عن نفسها، وعلى العكس من ذلك إذا لم تكن قابلة للتنبؤ عن نفسها فهي مرة أخرى واحدة من المراجع المذكورة وكلها (من خلال فرضية) يمكن التنبؤ بها، وبالتالي فهي مرة أخرى قابلة للتنبؤ بها، وهذا تناقض”.
التناقض مهم لأنّ جميع الجمل باستخدام المنطق الكلاسيكي تنطوي على تناقض، ودفع اكتشاف راسل بالتالي إلى قدر كبير من العمل في المنطق ونظرية المجموعات وفلسفة وأسس الرياضيات.
جاء رد راسل على التناقض بين عامي 1903 و 1908 مع تطور نظريته في الأنواع، وكان من الواضح لراسل أنّ هناك نوعًا من التقييد يجب أن يوضع على بديهية الفهم الأصلي (أو التجريد) لنظرية المجموعة الساذجة، وهي البديهية التي تضفي الطابع الرسمي على الحدس القائل بأنّه يمكن استخدام أي شرط (أو خاصية) متماسكة لتحديد مجموعة.
كانت فكرة راسل الأساسية هي أنّ الإشارة إلى مجموعات مثل ما يسمى مجموعة راسل (مجموعة جميع المجموعات التي ليست أعضاءً في حد ذاتها) يمكن تجنبها عن طريق ترتيب جميع الجمل في تسلسل هرمي، وذلك بدءًا من الجمل حول الأفراد في المستوى الأدنى، وجمل حول مجموعات من الأفراد في المستوى الأدنى التالي، وجمل حول مجموعات من الأفراد في المستوى الأدنى التالي وما إلى ذلك.
باستخدام مبدأ الحلقة المفرغة المشابه لذلك الذي تبناه عالم الرياضيات هنري بوانكاريه (Henri Poincaré)، جنبًا إلى جنب مع نظريته المسماة بلا طبقة للفئات، حيث تكتسب المصطلحات الطبقية معنى فقط عند وضعها في السياق المناسب، وقد كان راسل قادرًا على تفسير سبب فشل بديهية الفهم غير المقيد، أي قد لا يتم تطبيق الوظائف الافتراضية مثل الوظيفة (x هي مجموعة) لأنّ التطبيق الذاتي سيتضمن حلقة مفرغة.
نتيجة لذلك يجب أن تكون جميع الكائنات التي يتم الاحتفاظ بها في حالة معينة أو المسند في نفس المستوى أو من النوع نفسه، وستكون الجمل حول هذه الكائنات دائمًا أعلى في التسلسل الهرمي من الكائنات نفسها.
نظرية الأنواع لراسل:
على الرغم من تقديمه لأول مرة في عام 1903 فقد طور راسل نظرية الأنواع بشكل أكبر في مقالته عام 1908 (المنطق الرياضي على أساس نظرية الأنواع) وفي العمل المكون من ثلاثة مجلدات شارك في تأليفه مع ألفريد نورث وايتهيد وهو مبادئ الرياضيات (Principia Mathematica) لثلاثة أعوام والتي كانت 1910 و1912 و1913.
وهكذا تعترف نظرية الأنواع بنسختين وهما:
1- النظرية البسيطة لعام 1903.
2- النظرية المتفرعة لعام 1908.
نقد النسختين من نظرية الأنواع لراسل:
وقد تعرضت كلا النسختين من النظرية للهجوم، حيث النظرية البسيطة لكونها ضعيفة للغاية، بينما النظرية المتفرعة لكونها قوية جدًا، وبالنسبة للبعض كان من المهم أن يكون أي حل مقترح شاملاً بما يكفي لحل جميع المفارقات المعروفة في وقت واحد، بينما بالنسبة للآخرين كان من المهم ألّا يمنع أي حل مقترح تلك الأجزاء من الرياضيات الكلاسيكية التي ظلت متسقة، على الرغم من أنّها بدت وكأنها تنتهك مبدأ الحلقة المفرغة.
كان راسل نفسه قد أدرك العديد من هذه المخاوف نفسها في وقت مبكر من عام 1903، حيث قام مشيرًا إلى أنّه من غير المحتمل أنّ أي حل واحد من شأنه أن يحل جميع المفارقات المعروفة، وجنبًا إلى جنب مع وايتهيد كان قادرًا أيضًا على تقديم بديهية أو مسّلمة جديدة، وهي مسّلمة الاختزال والتي قللت من نطاق تطبيق مبدأ الحلقة المفرغة وحل العديد من الجوانب الأكثر إثارة للقلق في نظرية النوع، ومع ذلك ادعى النقاد أنّ البديهية كانت ببساطة مخصصة للغاية بحيث لا يمكن تبريرها فلسفيًا.
أطروحات منطق راسل:
الرياضيات بمعنى ما يمكن اختزالها إلى المنطق، ودافع في البداية في مقالته عام 1901 بعنوان (العمل الأخير حول مبادئ الرياضيات)، ثم بمزيد من التفصيل في كتابه مبادئ الرياضيات (Principia Mathematica)، حيث تألف منطق راسل من أطروحتين رئيسيتين:
1- الأول هو أنّه يمكن ترجمة جميع الحقائق الرياضية إلى حقائق منطقية: أو بعبارة أخرى أنّ مفردات الرياضيات تشكل مجموعة فرعية مناسبة من مفردات المنطق.
2- الثاني هو أنّ جميع البراهين الرياضية يمكن إعادة صياغتها كبراهين منطقية: أو بعبارة أخرى أنّ نظريات الرياضيات تشكل مجموعة فرعية مناسبة من نظريات المنطق.
وكما يلخص راسل: “حقيقة أنّ كل الرياضيات هي منطق رمزي هي واحدة من أعظم الاكتشافات في عصرنا، وعندما يتم إثبات هذه الحقيقة فإنّ باقي مبادئ الرياضيات تتكون من تحليل المنطق الرمزي نفسه”.
مثل جوتلب فريج (Gottlob Frege) كانت فكرة راسل الأساسية للدفاع عن المنطق هي أنّ الأرقام يمكن تحديدها مع فئات من الأصناف ويمكن تفسير تلك العبارات النظرية العددية من حيث المحددات الكمية والهوية.
وبالتالي يجب تحديد الرقم 1 مع فئة جميع فئات الوحدة، والرقم 2 مع فئة جميع الفئات المكونة من عضوين وما إلى ذلك، وستتم إعادة صياغة عبارات مثل: “هناك كتابان على الأقل” على هيئة عبارات مثل: “هناك كتاب (X) وهناك كتاب (Y)، و(X) لا يتطابق مع (Y)”، عبارات مثل: “هناك كتابان بالضبط” يمكن إعادة صياغتها على النحو التالي “يوجد كتاب (X) وهناك كتاب (Y)، و(X) لا يتطابق مع (Y)، وإذا كان هناك كتاب (Z) فإن (Z) هي متطابقة مع (X) أو (Y)”.
ويترتب على ذلك أنّ العمليات النظرية العددية يمكن بعد ذلك شرحها من حيث العمليات النظرية المحددة مثل التقاطع والاتحاد والاختلاف، وفي مبادئ الرياضيات (Principia Mathematica) كان وايتهيد وراسل قادرين على تقديم العديد من الاشتقاقات التفصيلية للنظريات الرئيسية في نظرية المجموعات والحساب المحدود والمتغير ونظرية القياس الأولي.
كما كانوا قادرين على تطوير نظرية معقدة للعلاقات المنطقية وطريقة فريدة لتأسيس الأعداد الحقيقية، ومع ذلك فإنّ مسألة ما إذا كان يمكن القول بأنّ نظرية المجموعة نفسها قد تم تقليصها بنجاح إلى المنطق ظلت مثيرة للجدل، وتم التخطيط لمجلد رابع عن الهندسة ولكنه لم يكتمل أبدًا.
لا تشمل كتابات راسل الأكثر أهمية المتعلقة بهذه الموضوعات مبادئ الرياضيات (1903) و (المنطق الرياضي على أساس نظرية الأنواع) عام 1908، مبادئ الرياضيات (1910 و 1912 و 1913)، ولكن أيضًا مقالته السابقة على أسس الهندسة (1897) ومقدمة للفلسفة الرياضية (1919 a)، آخرها كتب بينما كان راسل يقضي وقتًا في سجن بريكستون كنتيجة لأنشطته المناهضة للحرب.
ومن قبيل الصدفة في نفس الوقت تقريبًا كان لودفيج فيتجنشتاين أشهر تلميذ راسل يكمل كتابه (Tractatus Logico-Philosophicus) عام 1921 أثناء احتجازه كأسير حرب في مونتي كاسينو في إيطاليا خلال الحرب العالمية الأولى.