فصل السلطات وحل الحكومة لدى جون لوك في الفلسفة السياسية

اقرأ في هذا المقال



يعد الفصل بين السلطات أحد المبادئ الأساسية للدستور وتتجذر العقيدة في فلسفة سياسية تهدف إلى منع توطيد السلطة في أي شخص أو كيان واحد وكان الهدف الرئيسي لواضعي الدستور هو إنشاء نظام حكم ينشر ويقسم السلطة، وأدت التجربة مع القوة الموحدة للملك جورج الثالث إلى الاعتقاد بأنّ تراكم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في نفس الأيدي حيث كان هو تعريف الاستبداد.

مفهوم الفلسفة السياسية:

هي دراسة الأسئلة المطروحة حول المدينة والحكومة والسياسة والحرية والعدالة والملكية والحقوق والقانون والإنفاذ القانوني.

مفهوم فصل السلطات في الفلسفة السياسية:

فصل السلطات وتقسيم الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية للحكومة بين هيئات منفصلة ومستقلة، حيث أنّ معاقبة الفروع الثلاثة كلها مطلوبة لوضع القوانين وتنفيذها وإدارتها، ويمكن إرجاع هذا المذهب إلى النظريات القديمة والعصور الوسطى للحكومة المختلطة والتي جادلت بأنّ عمليات الحكومة يجب أن تشمل العناصر المختلفة في المجتمع مثل المصالح الملكية والأرستقراطية والديمقراطية.

وكانت أول صياغة حديثة للعقيدة هي تلك التي وضعها الفيلسوف السياسي الفرنسي مونتسكيو في (1748 – روح القوانين) على الرغم من أنّ الفيلسوف الإنجليزي جون لوك قد جادل في وقت سابق بأنّه يجب تقسيم السلطة التشريعية بين الملك والبرلمان.

مفهوم حل الحكومات في الفلسفة السياسية:

عندما يتم حل الحكومة يكون للشعب الحرية في إصلاح التشريع من أجل إعادة إنشاء دولة مدنية تعمل لمصلحتهم قبل أن يقعوا تحت الحكم الاستبدادي، ولماذا لا تؤدي هذه العقيدة إلى اضطرابات مفرطة وتمرد متكرر؟ لعدة أسباب منها يتباطأ الناس في تغيير عاداتهم القديمة، وإذا كان الناس بائسين فسيتمردون تحت أي نظام، ولا تحدث الثورات إلّا في حالة إساءة القيادة الصارخة للسلطة أو خيانة الأمانة.

ويجادل لوك بأنّ هذا النظام يحمي من التمرد لأنّه يسمح للناس بتغيير تشريعاتهم وقوانينهم بدلاً من اللجوء إلى القوة للإطاحة بهم، ويشير لوك أيضًا إلى أنّ جميع المخاوف بشأن الثورة حمقاء لأنّها تمثل خوفًا من عملية صالحة أي إنّه لأمر حق وكريم أن يتمرد الناس على الظلم الظالم.

الفصل بين السلطات وحل الحكومة لدى جون لوك:

يدعي جون لوك أنّ الحكومة الشرعية تقوم على فكرة الفصل بين السلطات، وأولًا وقبل كل شيء السلطة التشريعية، حيث يصف لوك السلطة التشريعية بأنّها عليا، وفي امتلاك السلطة النهائية على “كيفية استخدام القوة للكومنولث”، ولا يزال المجلس التشريعي ملزمًا بقانون الطبيعة والكثير مما يفعله هو وضع قوانين تعزز أهداف القانون الطبيعي وتحدد العقوبات المناسبة لهم، ثم يتم تكليف السلطة التنفيذية بإنفاذ القانون كما هو مطبق في حالات محددة.

ومن المثير للاهتمام أنّ قوة لوك الثالثة تسمى “القوة الفيدرالية” وتتألف من الحق في التصرف دوليًا وفقًا لقانون الطبيعة، ونظرًا لأنّ الدول لا تزال في حالة طبيعية فيما يتعلق ببعضها البعض يجب عليها اتباع إملاءات القانون الطبيعي ويمكنها معاقبة بعضها البعض على انتهاكات هذا القانون من أجل حماية حقوق مواطنيها.

حقيقة أنّ لوك لا يذكر السلطة القضائية كسلطة منفصلة تصبح أكثر وضوحًا إذا ميزنا السلطات عن المؤسسات والصلاحيات تتعلق بالوظائف، حيث إنّ امتلاك سلطة يعني أنّ هناك وظيفة (مثل سن القوانين أو إنفاذ القوانين) يمكن للمرء أن يؤديها بشكل شرعي، وعندما يقول لوك إنّ السلطة التشريعية هي الأسمى على السلطة التنفيذية فإنّه لا يقول إنّ البرلمان هو صاحب السيادة على الملك.

يؤكد لوك ببساطة أنّ “ما يمكن أن يعطي قوانين لشخص آخر يجب أن يكون أسمى منه”، وعلاوة على ذلك يعتقد لوك أنّه من الممكن لمؤسسات متعددة أن تشترك في نفس السلطة، فعلى سبيل المثال السلطة التشريعية في أيامه كانت مشتركة بين مجلس العموم ومجلس اللوردات والملك، ونظرًا لأنّ الثلاثة كانوا بحاجة إلى الاتفاق على شيء ما ليصبح قانونًا فإنّ الثلاثة جميعًا هم جزء من السلطة التشريعية.

وكما يعتقد أنّ السلطة الفيدرالية والسلطة التنفيذية توضعان عادة في أيدي السلطة التنفيذية لذلك من الممكن لنفس الشخص أن يمارس أكثر من سلطة أو وظيفة، وبالتالي لا يوجد تطابق فردي بين السلطات والمؤسسات.

لا يعارض لوك وجود مؤسسات متميزة تسمى المحاكم لكنه لا يرى التفسير كوظيفة أو سلطة مميزة، وبالنسبة إلى لوك يتعلق التشريع بشكل أساسي بالإعلان عن قاعدة عامة تنص على أنواع الإجراءات التي يجب أن تتلقى أنواع العقوبات، والسلطة التنفيذية هي سلطة إصدار الأحكام اللازمة لتطبيق تلك القواعد على حالات محددة وإدارة القوة وفقًا لتوجيهات القاعدة.

كل من هذه الإجراءات تنطوي على تفسير وينص لوك على أنّ القوانين الوضعية ليست صحيحة إلّا إلى حد بعيد حيث أنّها مبنية على قانون الطبيعة والتي من خلالها يتم تنظيمها وتفسيرها، بمعنى آخر يجب على السلطة التنفيذية تفسير القوانين في ضوء فهمها للقانون الطبيعي، وبالمثل يتضمن التشريع جعل قوانين الطبيعة أكثر تحديدًا وتحديد كيفية تطبيقها على ظروف معينة والتي تتطلب أيضًا تفسير القانون الطبيعي، ولم يفكر لوك في تفسير القانون على أنّه وظيفة مميزة لأنّه اعتقد أنّه جزء من الوظائف التشريعية والتنفيذية.

إذا قارنا صياغة لوك لفصل السلطات بالأفكار اللاحقة لمونتسكيو (1989) فإننا نرى أنّها ليست مختلفة تمامًا كما قد تظهر في البداية، على الرغم من أنّ مونتسكيو يعطي التقسيم الأكثر شهرة للسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية حيث يشرح ما يعنيه بهذه المصطلحات إلّا أنّه يعيد التأكيد على تفوق السلطة التشريعية ويصف السلطة التنفيذية بأنّها لها علاقة بالشؤون الدولية (سلطة لوك الفيدرالية) والسلطة القضائية المعنية بالتنفيذ المحلي للقوانين (سلطة لوك التنفيذية)، لقد تغيرت المصطلحات أكثر من المفاهيم واعتبر لوك اعتقال شخص ومحاكمة شخص ومعاقبة شخص ما كجزء من مهمة تنفيذ القانون وليس كوظيفة مميزة.

اعتقد لوك أنّه من المهم أن تحتوي السلطة التشريعية على مجموعة من الممثلين المنتخبين ولكن كما رأينا يمكن أن تحتوي السلطة التشريعية على عناصر ملكية وأرستقراطية أيضًا، واعتقد لوك أنّ الناس لديهم الحرية في إنشاء دساتير “مختلطة” تستخدم كل هذه، ولهذا السبب فإنّ نظرية لوك لفصل السلطات لا تملي نوعًا معينًا من الدستور ولا تمنع المسؤولين غير المنتخبين من الحصول على جزء من السلطة التشريعية.

كان لوك أكثر قلقًا من أنّ الناس لديهم ممثلين لديهم سلطة كافية لصد الهجمات على حريتهم ومحاولات فرض ضرائب عليهم دون مبرر، وهذا مهم لأنّ لوك يؤكد أيضًا أنّ المجتمع يظل القوة العليا الحقيقية في جميع الأنحاء، ويحتفظ الناس بالحق في إزالة أو تغيير السلطة التشريعية، ويمكن أن يحدث هذا لعدة أسباب، ويمكن حل المجتمع بأكمله من خلال غزو أجنبي ناجح لكن لوك مهتم أكثر بوصف المناسبات التي يستعيد فيها الناس السلطة من الحكومة التي عهدوا إليها.

إذا تم تجاهل سيادة القانون أو إذا تم منع ممثلي الشعب من التجمع أو إذا تم تغيير آليات الانتخاب دون موافقة الشعب أو إذا تم تسليم الشعب إلى قوة أجنبية فيمكنهم عندئذ استعادة سلطتهم الأصلية والإطاحة بالحكومة، ويمكنهم أيضًا التمرد إذا حاولت الحكومة سلب حقوقهم، ويعتقد لوك أنّ هذا له ما يبرره لأنّ الأشخاص المضطهدين من المرجح أن يتمردوا على أي حال ومن غير المرجح أن يتمرد أولئك الذين لم يتعرضوا للقمع.

علاوة على ذلك فإنّ التهديد بالتمرد المحتمل يجعل الاستبداد أقل احتمالا في حين أنّ هناك مجموعة متنوعة من الأشكال الدستورية المشروعة فإنّ تفويض السلطة بموجب أي دستور يُفهم على أنّه مشروط.

جون لوك ومبدأ الامتياز:

إنّ فهم لوك لفصل السلطات معقد بسبب مبدأ الامتياز، والامتياز هو حق السلطة التنفيذية في التصرف دون إذن صريح من القانون أو حتى مخالفاً للقانون من أجل الوفاء بشكل أفضل بالقوانين التي تسعى إلى الحفاظ على حياة الإنسان.

قد يأمر الملك على سبيل المثال بهدم منزل لمنع انتشار الحريق في جميع أنحاء المدينة، ويعرّفها لوك بشكل أوسع على أنّها “قوة فعل الصالح العام بدون قاعدة” وهذا يشكل تحديا لعقيدة لوك للسيادة التشريعية، يتعامل لوك مع هذا من خلال توضيح أنّ الأساس المنطقي لهذه السلطة هو أنّ القواعد العامة لا يمكن أن تغطي جميع الحالات المحتملة وأنّ الالتزام غير المرن بالقواعد سيكون ضارًا بالصالح العام وأنّ الهيئة التشريعية ليست دائمًا في جلسة لإصدار حكم.

تعتمد العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على الدستور المحدد وإذا لم يكن للرئيس التنفيذي أي دور في السلطة التشريعية العليا فيمكن للهيئة التشريعية أن تلغي قرارات السلطة التنفيذية بناءً على صلاحياتها عند انعقادها، ومع ذلك إذا كان لدى الرئيس التنفيذي حق النقض فستكون النتيجة جمودًا بينهما، ويصف لوك حالة الجمود المماثلة في الحالة التي يتمتع فيها الرئيس التنفيذي بسلطة استدعاء البرلمان ويمكنه بالتالي منعه من الاجتماع من خلال رفض دعوته إلى جلسة.

في مثل هذه الحالة كما يقول لوك لا يوجد قاضٍ على الأرض بينهما حول ما إذا كان السلطة التنفيذية قد أساء استخدام الامتياز ولكلا الجانبين الحق في الاستئناف إلى الجنة بنفس الطريقة التي يمكن للناس من خلالها اللجوء إلى الجنة ضد حكم استبدادي الحكومة.

مفهوم النداء إلى الجنة لدى جون لوك:

مفهوم “النداء إلى الجنة” هو مفهوم مهم في فكر لوك يفترض لوك أنّ الناس عندما يغادرون حالة الطبيعة ينشؤون حكومة بنوع من الدستور يحدد الكيانات التي يحق لها ممارسة أي صلاحيات، ويفترض لوك أيضًا أنّ هذه الصلاحيات ستستخدم لحماية حقوق الناس وتعزيز الصالح العام، وفي الحالات التي يوجد فيها نزاع بين الشعب والحكومة حول ما إذا كانت الحكومة تفي بالتزاماتها فلا توجد سلطة بشرية أعلى يمكن للمرء استئنافها، والنداء الوحيد المتبقي بالنسبة للوك هو مناشدة الله، لذلك فإنّ “النداء إلى الجنة” يتضمن حمل السلاح ضد خصمك والسماح لله أن يحاكم من هو على حق.


شارك المقالة: