اقرأ في هذا المقال
- فلسفة أدورنو الاجتماعية ونقد الرأسمالية لماركس
- فلسفة أدورنو الاجتماعية ونظرية التجسيد
- فلسفة أدورنو الاجتماعية ونظرية رأسمالية الدولة لبولوك
- فلسفة أدورنو ولازارسفيلد في الرأسمالية المتأخرة
يفترض جدل التنوير نظرية اجتماعية نقدية مدينة لكارل ماركس، ويقرأ الفيلسوف ثيودور أدورنو ماركس على أنّه مادي هيجل.
فلسفة أدورنو الاجتماعية ونقد الرأسمالية لماركس:
يتضمن نقد أدورنو للرأسمالية حتمًا نقدًا للأيديولوجيات التي تدعمها الرأسمالية و تتطلبها، وأهمها ما أسماه ماركس (فتشية السلع)، حيث كان ماركس يوجه نقده للولع الجنسي بالسلع ضد علماء الاجتماعالبرجوازيين الذين يصفون الاقتصاد الرأسمالي ببساطة، ولكنهم بذلك يخطئون في وصفه ويصفون رؤية اجتماعية زائفة.
وفقًا لماركس يتجاهل الاقتصاديون البرجوازيون بالضرورة الاستغلال الجوهري للإنتاج الرأسمالي، وإنّهم يفشلون في فهم أنّ الإنتاج الرأسمالي، على الرغم من حريته وعدالته السطحية، فإنّه يجب أن يستخرج فائض القيمة من عمل الطبقة العاملة، فمثل المنتجين والمستهلكين العاديين في ظل الظروف الرأسمالية يتعامل الاقتصاديون البرجوازيون مع السلعة باعتبارها صنمًا، وإنّهم يتعاملون معه كما لو كان شيئًا محايدًا له حياة خاصة به، وتتعلق مباشرة بالسلع الأخرى وفي استقلال عن التفاعلات البشرية التي تدعم فعليًا جميع السلع.
على النقيض من ذلك يجادل ماركس بأنّ كل ما يجعل منتجًا سلعة يعود إلى احتياجات الإنسان ورغباته وممارساته، ولن يكون للسلعة قيمة استخدام إذا لم تُشبع رغبات الإنسان، ولن يكون لها قيمة تبادلية إذا لم يرغب أحد في استبدالها بشيء آخر، ولا يمكن حساب قيمتها التبادلية إذا لم تتقاسم السلعة مع السلع الأخرى قيمة أوجدتها إنفاق قوة العمل البشرية، وتقاس بمتوسط وقت العمل الضروري اجتماعيًا لإنتاج سلع من مختلف الأنواع.
فلسفة أدورنو الاجتماعية ونظرية التجسيد:
تحاول نظرية أدورنو الاجتماعية أن تجعل رؤى ماركس المركزية قابلة للتطبيق على الرأسمالية المتأخرة، على الرغم من اتفاقه مع تحليل ماركس للسلعة يعتقد أدورنو أنّ نقده لولع السلع لا يذهب بعيدًا بما فيه الكفاية، وحدثت تغيرات مهمة في هيكل الرأسمالية منذ أيام ماركس، وهذا يتطلب مراجعة عدد من الموضوعات ومنها:
1- الديالكتيك بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج.
2- العلاقة بين الدولة والاقتصاد.
3- علم اجتماع الطبقات والوعي الطبقي.
4- طبيعة ووظيفة الأيديولوجيا.
5- دور الثقافات الخبيرة مثل الفن الحديث والنظرية الاجتماعية في نقد الرأسمالية والدعوة إلى تغيير المجتمع ككل.
تأتي القرائن الأولية لهذه التنقيحات من نظرية التجسيد التي اقترحها الاشتراكي المجري جورج لوكاش في عشرينيات القرن الماضي، ومن المشاريع والمناقشات متعددة التخصصات التي أجراها أعضاء معهد البحوث الاجتماعية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وبناءً على نظرية ماكس ويبر للعقلنة يجادل لوكاش بأنّ الاقتصاد الرأسمالي لم يعد قطاعًا واحدًا في المجتمع جنبًا إلى جنب مع الآخرين، وبدلاً من ذلك أصبح تبادل السلع هو المبدأ التنظيمي المركزي لجميع قطاعات المجتمع.
هذا يسمح لولع السلع الأساسية بالتغلغل في جميع المؤسسات الاجتماعية (مثل القانون والإدارة والصحافة) وكذلك جميع التخصصات الأكاديمية بما في ذلك الفلسفة، ويشير مصطلح (التجديد) إلى العملية البنيوية التي يتخلل من خلالها شكل السلع الأساسية الحياة في المجتمع الرأسمالي، وكان لوكاش مهتمًا بشكل خاص بكيفية جعل التشيُّع البشر يبدون وكأنهم مجرد أشياء تخضع لقوانين السوق التي لا هوادة فيها.
في البداية شارك أدورنو هذا القلق على الرغم من أنّه لم يكن لديه ثقة لوكاش أبدًا في أنّ الطبقة العاملة الثورية يمكنها التغلب على التوحيد، وأطلق أدورنو لاحقًا على تجسيد الوعي (ظاهرة ثانوية)، وما تحتاج النظرية الاجتماعية النقدية إلى معالجته حقًا هو سبب استمرار الجوع والفقر والأشكال الأخرى من المعاناة الإنسانية، على الرغم من الإمكانات التكنولوجية والعلمية للتخفيف منها أو القضاء عليها تمامًا.
فلسفة أدورنو الاجتماعية ونظرية رأسمالية الدولة لبولوك:
يقول أدورنو إنّ السبب الجذري يكمن في كيفية سيطرة علاقات الإنتاج الرأسمالية على المجتمع ككل، مما أدى إلى تركيزات متطرفة وإن كانت غير مرئية في كثير من الأحيان للثروة والسلطة، وأصبح المجتمع منظمًا حول إنتاج القيم التبادلية من أجل إنتاج قيم التبادل، والتي بالطبع تتطلب دائمًا تخصيصًا صامتًا لفائض القيمة، ويشير أدورنو إلى هذه العلاقة بين الإنتاج والقوة على أنّها مبدأ التبادل (Tauschprinzip)، والمجتمع الذي تسود فيه هذه العلاقة هو مجتمع التبادل (Tauschgesellschaft).
يتكون تشخيص أدورنو لمجتمع التبادل من ثلاثة مستويات وهي:
1- سياسي – اقتصادي.
2- اجتماعي – نفسي.
3- ثقافي.
سياسيًا واقتصاديًا يرد على نظرية رأسمالية الدولة التي اقترحها فريدريك بولوك خلال سنوات الحرب، كخبير اقتصادي من خلال التدريب الذي كان من المفترض أن يساهم بفصل في ديالكتيك التنوير لكنه لم يفعل، وجادل بولوك بأنّ الدولة قد اكتسبت قوة اقتصادية مهيمنة في ألمانيا النازية، والاتحاد السوفيتي وصفقة جديدة أمريكا، وأطلق على هذه الكوكبة الجديدة من السياسة والاقتصاد (رأسمالية الدولة).
بينما يقر مع بولوك بأنّ القوة السياسية والاقتصادية أصبحت أكثر تشابكًا، ولا يعتقد أدورنو أنّ هذه الحقيقة تغير الطابع الاقتصادي الأساسي للاستغلال الرأسمالي، وبدلاً من ذلك أصبح هذا الاستغلال أكثر تجريدًا مما كان عليه في أيام ماركس وبالتالي أصبح أكثر فاعلية وانتشارًا.
يعمل المستوى الاجتماعي النفسي في تشخيص أدورنو على إثبات فعالية وانتشار الاستغلال الرأسمالي المتأخر، وتجادل دراساته الأمريكية حول معاداة السامية والشخصية الاستبدادية، بأنّ هذه تمتد بشكل مرضي إلى منطق الرأسمالية المتأخرة نفسها وما يرتبط بها من جدلية التنوير، ويميل الأشخاص الذين يتبنون معاداة السامية والفاشية إلى إبراز خوفهم من الهيمنة المجردة على الوسطاء المفترضين للرأسمالية، بينما يرفضون كل الادعاءات المتعلقة باختلاف نوعي يتجاوز التبادل بصفتهم نخبوية.
فلسفة أدورنو ولازارسفيلد في الرأسمالية المتأخرة:
تظهر دراسات أدورنو الثقافية أنّ منطقًا مشابهًا يسود في التلفزيون والأفلام وصناعات التسجيل، وفي الواقع اكتشف أدورنو لأول مرة التغيير الهيكلي للرأسمالية المتأخرة من خلال عمله مع عالم الاجتماع بول لازارسفيلد في مشروع البحث الإذاعي بجامعة برينستون، وقد أوضح هذا الاكتشاف في مقال واسع الانتشار بعنوان (حول شخصية الوثن في الموسيقى وانحسار الاستماع) في عام 1938، وفي (صناعة الثقافة) وهو فصل في ديالكتيك التنوير.
هناك يجادل أدورنو بأنّ صناعة الثقافة تنطوي على تغيير في الطابع السلعي للفن، بحيث يتم الاعتراف عمداً بالطابع السلعي للفن ويتخلى الفن عن استقلاليته، وبتركيزها على قابلية التسويق تستغني صناعة الثقافة تمامًا عن (انعدام الهدف) الذي كان مركزًا لاستقلالية الفن، وبمجرد أن تصبح القابلية للتسويق طلبًا إجماليًا يتغير الهيكل الاقتصادي الداخلي للسلع الثقافية، بدلاً من الوعد بالتحرر من الاستخدامات التي يمليها المجتمع، وبالتالي الحصول على قيمة استخدام حقيقية يمكن للناس الاستمتاع بها.
يتم استبدال قيمة استخدام المنتجات التي تتوسط فيها صناعة الثقافة بقيمة التبادل، ومن ثم فإنّ صناعة الثقافة تلغي الطابع السلعي الأصيل، الذي كانت الأعمال الفنية تمتلكه ذات يوم عندما كانت القيمة التبادلية لا تزال تفترض مسبقًا قيمة الاستخدام.
بسبب الافتقار إلى خلفية في النظرية الماركسية والرغبة في ضمان شرعية الفن الجماهيري أو الثقافة الشعبية، تجاهل الكثير من نقاد أدورنو الناطقين بالإنجليزية ببساطة النقطة الرئيسية في نقده لصناعة الثقافة، حيث أنّ نقطته الرئيسية هي أنّ التجارة الصناعية-الثقافية المفرطة تدل على تحول مصيري في هيكل كل السلع وبالتالي في هيكل الرأسمالية نفسها.