اقرأ في هذا المقال
- مواضيع بناء المواطنة لدى أردنت
- فلسفة أرنت في المواطنة والمجال العام
- أرنت وسمات المجال العام
- فلسفة أرنت في المواطنة والوكالة والهوية الجماعية
مواضيع بناء المواطنة لدى أردنت:
1- المجال العام.
2- الوكالة السياسية والهوية الجماعية.
وتسليط الضوء على مساهمة مفهوم أرنت في نظرية المواطنة الديمقراطية.
فلسفة أرنت في المواطنة والمجال العام:
بالنسبة لأرنت يشتمل المجال العام على بعدين مختلفين لكن مترابطين:
1- فضاء الظهور: وهو فضاء للحرية السياسية والمساواة يتجسد كلما عمل المواطنون في تناغم من خلال وسيلة الكلام والإقناع.
2- العالم المشترك: عالم مشترك وعام من القطع الأثرية والمؤسسات والإعدادات البشرية التي تفصلنا عن الطبيعة والتي توفر سياقًا دائمًا ودائمًا لأنشطتنا.
كلا البعدين ضروريان لممارسة المواطنة حيث يوفر الأول المساحات التي يمكن أن تزدهر فيها، بينما يوفر الثاني الخلفية المستقرة التي يمكن أن تنشأ منها مساحات العمل والمداولات العامة، وبالنسبة لأرنت تعتمد إعادة تنشيط المواطنة في العالم الحديث على استعادة عالم مشترك وخلق مساحات متعددة للظهور يمكن للأفراد من خلالها الكشف عن هوياتهم وإقامة علاقات المعاملة بالمثل والتضامن.
أرنت وسمات المجال العام:
هناك ثلاث سمات للمجال العام ومجال السياسة بشكل عام وهي أساسية لمفهوم أرنت عن المواطنة:
1- جودتها الاصطناعية أو المركبة.
2- جودتها المكانية.
3- التمييز بين المصالح العامة والخاصة.
فيما يتعلق بالميزة الأولى شددت أرنت دائمًا على اصطناع الحياة العامة والأنشطة السياسية بشكل عام، كونها من صنع الإنسان وبناؤها وليست طبيعية أو معطاة، ولقد اعتبرت هذا المصطنع شيئًا يجب الاحتفال به بدلاً من الاستياء، ولم تكن السياسة بالنسبة لها نتيجة بعض الاستعداد الطبيعي أو إدراك السمات المتأصلة في الطبيعة البشرية، وبدلاً من ذلك كان إنجازًا ثقافيًا من الدرجة الأولى، حيث مكّن الأفراد من تجاوز ضرورات الحياة وتشكيل عالم يمكن أن يزدهر فيه العمل السياسي الحر والخطاب.
إن للتأكيد على اصطناعية السياسة عدد من النتائج المهمة، تتجلى إحدى النتائج الأخرى لتأكيد أرنت على اصطناعية الحياة السياسية في رفضها لجميع النداءات الرومانسية الجديدة للفولك والهوية العرقية كأساس للمجتمع السياسي، وأكدت أنّ الهوية العرقية أو الدينية أو العرقية لا تمت بصلة لهوية الفرد كمواطن، وأنّه لا ينبغي أبدًا أن تكون أساس العضوية في مجتمع سياسي.
جعل تركيز أرنت على الصفات الشكلية للمواطنة موقفها بعيدًا إلى حد ما عن أولئك المدافعين عن المشاركة في الستينيات الذين رأوا ذلك من حيث استعادة الشعور بالألفة والدفء والأصالة، وكانت المشاركة السياسية بالنسبة لأرنت مهمة لأنّها سمحت بإقامة علاقات مدنية وتضامن بين المواطنين، وزعمت أنّ روابط الألفة والدفء لا يمكن أن تصبح سياسية أبدًا لأنّها تمثل بدائل نفسية لفقدان العالم المشترك.
الروابط السياسية الحقيقية الوحيدة هي تلك التي تربط الصداقة والتضامن المدنيين، لأنّها تطرح مطالب سياسية وتحافظ على الإشارة إلى العالم، لذلك بالنسبة لأرنت فإنّ خطر محاولة استعادة الشعور بالألفة والدفء والأصالة والمشاعر المجتمعية هو أن يفقد المرء القيم العامة المتمثلة في الحياد والصداقة المدنية والتضامن.
الميزة الثانية التي أكدتها أرندت تتعلق بالجودة المكانية للحياة العامة، مع حقيقة أنّ الأنشطة السياسية تقع في مكان عام حيث يستطيع المواطنون الالتقاء ببعضهم البعض وتبادل آرائهم ومناقشة خلافاتهم والبحث عن بعض الحلول الجماعية لمشاكلهم، فالسياسة بالنسبة لأرندت هي مسألة أشخاص يتشاركون في عالم مشترك ومساحة مشتركة للظهور بحيث يمكن أن تظهر الاهتمامات العامة ويتم التعبير عنها من وجهات نظر مختلفة.
وفي رأيها لا يكفي أن تصوت مجموعة من الأفراد بشكل منفصل ومجهول وفقًا لآرائهم الخاصة، وبدلاً من ذلك يجب أن يكون هؤلاء الأفراد قادرين على رؤية بعضهم البعض والتحدث إليهم علنًا والالتقاء في فضاء سياسي عام، بحيث تظهر خلافاتهم وكذلك القواسم المشتركة بينهم وتصبح موضوعًا للنقاش الديمقراطي.
هناك تأثير آخر لتأكيد أرندت (Arendt) على الجودة المكانية للسياسة يتعلق بمسألة كيف يمكن لمجموعة من الأفراد المتميزين أن تتحد وذلك لتكوين مجتمع سياسي، وبالنسبة لأرنت فإنّ الوحدة التي يمكن تحقيقها في مجتمع سياسي ليست نتيجة تقارب ديني أو عرقي وليست تعبيرًا عن نظام قيم مشتركة، وبدلاً من ذلك يمكن تحقيق الوحدة المعنية من خلال مشاركة مساحة عامة ومجموعة من المؤسسات السياسية، والمشاركة في الممارسات والأنشطة التي تميز هذا الفضاء وتلك المؤسسات.
هناك تداعيات أخرى لمفهوم أرنت للجودة المكانية للسياسة وهو أنّه بما أنّ السياسة نشاط عام، فلا يمكن للمرء أن يكون جزءًا منه دون أن يكون موجودًا بشكل ما في الفضاء العام، ويعني الانخراط في السياسة المشاركة بنشاط في المنتديات العامة المختلفة حيث يتم اتخاذ القرارات التي تؤثر على المجتمع.
وبالتالي فإنّ إصرار أرنت على أهمية المشاركة المباشرة في السياسة يعتمد على فكرة أنّه بما أنّ السياسة هي شيء يحتاج إلى موقع دنيوي ولا يمكن أن يحدث إلّا في مكان عام، إذن إذا لم يكن المرء حاضرًا في مثل هذا الفضاء فإنّه ببساطة لا يشارك في السياسة.
هذا المفهوم العام أو العالمي للسياسة يكمن أيضًا في أساس السمة الثالثة التي أكدت عليها أرنت، وهي التمييز بين المصالح العامة والخاصة، وبحسبها فإنّ النشاط السياسي ليس وسيلة لتحقيق غاية بل هو غاية في حد ذاته، ولا ينخرط المرء في العمل السياسي لتعزيز رفاهية الفرد، ولكن لتحقيق المبادئ المتأصلة في الحياة السياسية مثل الحرية والمساواة والعدالة والتضامن.
كما تجادل بأنّ مصلحتنا العامة كمواطنين تختلف تمامًا عن مصلحتنا الخاصة كأفراد، فالمصلحة العامة ليست مجموع المصالح الخاصة ولا قاسمها المشترك الأعلى ولا حتى مجموع المصالح الذاتية المستنيرة، وفي الواقع ليس له علاقة بمصالحنا الخاصة لأنّه يتعلق بالعالم الذي يقع وراء الذات، والذي كان موجودًا قبل ولادتنا وسيكون هناك بعد موتنا، وعالم يجد تجسيدًا في الأنشطة والمؤسسات مع الأغراض الجوهرية التي قد تتعارض غالبًا مع مصالحنا قصيرة الأجل ومصالحنا الخاصة.
وتشير المصلحة العامة بالتالي إلى مصالح العالم العام الذي نتشاركه كمواطنين والذي يمكننا السعي وراءه والاستمتاع به فقط من خلال تجاوز مصلحتنا الذاتية الخاصة.
فلسفة أرنت في المواطنة والوكالة والهوية الجماعية:
يوفر مفهوم أرنت التشاركي للمواطنة أفضل نقطة انطلاق لمعالجة كل من مسألة دستور الهوية الجماعية وتلك المتعلقة بشروط ممارسة الوكالة السياسية الفعالة، ففيما يتعلق بالادعاء الأول من المهم أن نلاحظ أنّ أحد الأسئلة الحاسمة على المحك في الخطاب السياسي هو إنشاء هوية جماعية، و(نحن) التي يمكننا أن نناشدها عندما نواجه مشكلة اتخاذ القرار بين مسارات العمل البديلة.
بما أنّه يوجد دائمًا خلاف في الخطاب السياسي حول مسارات العمل المحتملة، فإنّ هوية (نحن) التي سيتم إنشاؤها من خلال شكل معين من الفعل تصبح سؤالًا مركزيًا، ومن خلال الانخراط في مسار العمل هذا أو ذاك، فإننا في الواقع ندخل دعوى نيابة عن (نحن)، أي أننا نخلق شكلاً محددًا من أشكال الهوية الجماعيةن والعمل والخطاب السياسيان في هذا الصدد ضروريان لتكوين الهويات الجماعية.
ومع ذلك فإنّ عملية بناء الهوية هذه لا يتم تقديمها مرة واحدة وإلى الأبد، وهي ليست خالية من المشاكل أبدًا، وبدلاً من ذلك إنّها عملية إعادة تفاوض ونضال مستمرة، وهي عملية يقوم فيها الفاعلون بتوضيح المفاهيم المتنافسة للهوية الثقافية والسياسية والدفاع عنها، ويعتبر مفهوم أرندت التشاركي للمواطنة وثيق الصلة بشكل خاص في هذا السياق لأنّه يوضح شروط تأسيس الهويات الجماعية.
فيما يتعلق بالادعاء الثاني المتعلق بمسألة الفاعلية السياسية، من المهم التأكيد على العلاقة التي تؤسسها أرنت بين العمل السياسي الذي يُفهم على أنّه المشاركة النشطة للمواطنين في المجال العام، وممارسة الوكالة السياسية الفعالة، وهذا الارتباط بين الفعل والفاعلية هو أحد المساهمات المركزية لمفهوم أرنت التشاركي للمواطنة.
رأت في التمثيل بديلاً عن المشاركة المباشرة للمواطنين، وكوسيلة يمكن من خلالها أن يعيد التمييز بين الحكام والمحكومين تأكيد نفسه، وكبديل لنظام التمثيل القائم على الأحزاب البيروقراطية وهياكل الدولة، اقترحت أرنت نظامًا فيدراليًا للمجالس يمكن للمواطنين من خلاله تحديد شؤونهم السياسية بشكل فعال، وبالنسبة لها لا يمكن إعادة تأكيد المواطنة وممارسة الفاعلية السياسية بفعالية إلّا عن طريق المشاركة السياسية المباشرة، أي من خلال الانخراط في عمل مشترك ومشاورات جماعية.