فلسفة أستل النسوية

اقرأ في هذا المقال


كانت الفيلسوفة ماري أستل مدعومة بشكل كبير من قبل أقرانها، وساعدتها الأدبيات التي أحاطت بها في تطوير أعمالها ونشرها، كما قدم رئيس أساقفة كانتربري الدعم المالي للكاتبة الناشئة وقدمها للناشرين، وكانت رسالة أستل الرئيسية في أعمالها هي أنّ النساء عقلانيات مثل الرجال وبالتالي يستحقن الحق في التعليم أيضًا، كما أنّها كتبت ست مقالات مألوفة عن الزواج والصلبان في الحب والمرض والموت والولاء والصداقة.

فلسفة التعليم أستل:

اقتراح أستل الأول هو في الأساس تمرين في زيادة الوعي، لغرض إحداث الإصلاح الأخلاقي والفكري للمرأة الحديثة المبكرة، فـ (اقتراح) عنوان أستل هو معهد أكاديمي فقط من الإناث حيث يمكن للباحثات المتشابهات في التفكير من نفس العمر والوضع الاجتماعي أن يعيشوا ويدرسون معًا لعدد من السنوات، وعلى الرغم من أنّ سيدة ثرية أعربت عن اهتمامها بتمويل اقتراح أستل إلّا أنّ الأكاديمية لم تتحقق في حياتها وربما بسبب الشك في أنّها بدت وكأنها دير كاثوليكي.

خلال أعمالها تناشد أستل أفكارًا فلسفية مختلفة لتجادل بأنّ المرأة يجب أن تحصل على تعليم عالٍ، ولتقويض الاعتقاد بأنّ النساء بطبيعتهن أدنى مرتبة من الرجال، وتتضمن هذه الأفكار مفهوم المساواة للعقل والمفهوم الديكارتي للذات المفكرة ومبادئ غائية معينة.

لتحدي فكرة أنّ النساء أدنى منزلة عقليًا، أشار أسلاف أستل التاريخيون تقليديًا إلى الأدلة التجريبية أو الأمثلة الشهيرة لنساء مثاليات، وعلى النقيض من ذلك يناشد أستل فقط الوعي الداخلي للفكر، ففي رأيها حقيقة أنّ النساء يفكرن في الأشياء لا يحتاج إلى دليل أو حجة، ويجب على المرأة ببساطة أن تستدير داخل نفسها وترى أنّها قادرة على ممارسة قدراتها العقلية.

تؤكد أستل أنّ البحث عن المعرفة لا يتطلب إتقان اللغات مثل اليونانية واللاتينية، كما أنّه لا يتطلب مكتبة واسعة أو معرفة حميمية بالسلطات القديمة والمصطلحات الغامضة، بل إنّه يتطلب ببساطة القدرة على تمييز الحقيقة بنفسه، والحرية لتأكيد أو إنكار أفكار العقل، ومن حيث قدرتها على الحكم العقلاني تقول أستل لا تختلف النساء عن الرجال فهم على قدم المساواة.

في حين أنّ أستل لم تفصح أبدًا عن الكوجيتو (cogito) وهي رؤية ديكارت الشهيرة التي تقول: “أنا أفكر إذن أنا موجود”، إلّا أنّها تعتمد على منطق مماثل، وتعتمد على فكرة أنّه إذا كانت المرأة قادرة على الاستمتاع بفكرة في عقلها فمن الصحيح أنّها تفكر بحيث لا يمكن إنكاره، ولتحسين أسبابهم وفقًا لأستل تحتاج النساء فقط إلى التعرف على منطقهن الطبيعي الداخلي.

فهل يمكنهن التفكير في الإدارة اليومية للشؤون المنزلية، وهل يمكنهن إصدار أحكام مستنيرة حول مسار الرومانسية أو تصميم ثوب نسائي؟ فإذا كان الأمر كذلك فهذا دليل لا جدال فيه على قدرتهم على التفكير، وتقول أستل إنّه إذا ظهرت على النساء أي خلل في التفكير فإنّ هذا العيب مكتسب وليس طبيعيًا، ويمكن تصحيحه من خلال التدريب والتأمل المناسبين، كما يمكنهن تحسين مهاراتهن المنطقية باتباع القواعد الديكارتية البسيطة للتفكير.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أستل تختلف عن ديكارت في التأكيد على أنّه لا يمكننا أبدًا الحصول على فكرة مميزة عن الذات كشيء يتكون جوهره فقط من التفكير، كما أنّها تختلف عن ديكارت من خلال مناشدة السببية النهائية لله من أجل تعزيز حججها لتعليم المرأة، ففي كتاباتها أكدت مرارًا وتكرارًا أنّ الكائن المثالي اللامتناهي لا يفعل شيئًا سدى، ولا يمكن أن تكون هناك ميزة لتصميمه الذكي زائدة عن الحاجة أو زائدة عن الحاجة في الطبيعة.

يترتب على ذلك أنّه إذا كان الله قد وهب النساء عقولاً عاقلة فيجب السماح لهن باستخدام عقولهن لتحقيق أفضل الغايات، وعندما تتعلم المرأة أنّ واجبها هو خدمة الرجل، أو أن تعيش حياة مكرسة فقط للشواغل الجسدية والمادية، فإنّها تعلم أن تتجاهل واجبها المقدس تجاه الله، ولذلك يجب أن تكون المرأة متعلمة لتستخدم عقلها لترفع نفسها نحو الكمال تمامًا كما قصد خالقها.

فلسفة مفهوم الزواج:

في بعض تأملات الزواج تفحص أستل عيوب المرأة في حالة الزواج الحديثة المبكرة، حيث كان هذا العمل ظاهريًا ردًا على انفصال هورتنس مانشيني الذي تم الترويج له كثيرًا عن زوجها المسيء وغير المستقر دوق ميليراي، وعلى الرغم من أنّ أستل تعتبر الزواج مؤسسة مقدسة وضعها الله إلّا أنّها تشكو من أنّه في أيامها قد انحط بشكل كبير عن حالته الأصلية المباركة.

في التأملات هدفها الواضح هو تحليل سبب حدوث هذا الانحطاط ومعرفة كيف يمكن تصحيحه، كما إنّها تتبع المشكلة الجوهرية إلى الإخفاقات الأخلاقية للبشر، ولكن إلى إخفاقات الرجال على وجه الخصوص، وتسلط الضوء على حقيقة أنّ معظم الرجال لا يتزوجون من حب الإحسان تجاه النساء بل يتزوجون من دوافع دنيئة وأنانية مثل الشهوة والجشع.

كما تصر على أنّ الزواج سيكون حالة سعيدة اليوم إذا كان البشر فقط يسترشدون بعقلهم وليس بالعواطف الوحشية، وتحذر أستل زميلاتها من النساء من توخي الحذر الشديد من الزواج في المقام الأول، وتشير إلى حقيقة أنّه من المتوقع أن تقدم الزوجة الخضوع الأعمى لزوجها حتى وإن كان لا يستحق ذلك، وقد يؤدي توقع الخضوع هذا للمرأة إلى تجاهل إملاءات عقلها وقانون الله والتصرف من حيث المصلحة الذاتية الدنيوية بدلاً من ذلك.

نتيجة لذلك قد يؤدي الزواج غير السعيد من رجل شرير إلى تدمير روح المرأة، وكعلاج تسلط أستل الضوء مرة أخرى على ضرورة التعليم الجيد للمرأة لتقوية عقلها وزراعة فضيلتها، وإذا كانت مانشيني قد استفادت من التعليم العالي في الفلسفة والدين كما تقترح أستل فربما لا تؤدي إساءة معاملة زوجها إلى تدهورها الأخلاقي.

يقترح بعض العلماء أنّ تأملات أستل تحتوي على نص فرعي سياسي مخفي، وبشكل أكثر تحديدًا فهم يفسرون العمل في ضوء الالتزامات السياسية لحزب المحافظين الإنجليكانيين المحافظين لشركة أستل.

فمن وجهة نظرهم عندما تسلط أستل الضوء على عبودية الإناث في الزواج -عندما تسأل سؤالها الشهير: “إذا كان كل الرجال قد ولدوا أحرارًا فكيف تولد كل النساء عبيدًا؟”- حيث إنّها تقدم بالفعل تحديًا مثيرًا للسخرية لمنظري الويغ (Whig) في عصرها، والويغ هو عضو في الحزب الإصلاحي والدستوري البريطاني الذي سعى إلى السيادة على البرلمان وخلفه في نهاية المطاف في القرن التاسع عشر الحزب الليبرالي.

كما يزعمون أنّها تتحدى خصومها من حزب الويغ لتمديد نفس السلطة إلى الملوك في الدولة التي يسمحون بها للأزواج دون تمحيص في المجال المنزلي، وإذا كان الخضوع والطاعة للسلطة مقبولان في منزل الأسرة، وتتساءل فلماذا لا يكون في الدولة؟ والمنظرون اليمينيون مثل لوك يجب أن يمارسوا نفس الطاعة لقادتهم السياسيين التي يفرضونها على رعاياهم المحليين، ويجب عليهم ممارسة الطاعة السلبية.


شارك المقالة: