اقرأ في هذا المقال
يعتقد الفيلسوف توما الأكويني أنّه لا يمكن للمرء أبدًا تحقيق السعادة الكاملة أو النهائية في هذه الحياة، كما أنّه بالنسبة له تتمثل السعادة النهائية في غبطة أو الاتحاد الخارق مع الله، وتقع هذه الغاية إلى ما هو أبعد مما يمكن أن يحققه المرء من خلال قدراته البشرية الطبيعية.
علاوة على ذلك يعتقد الأكويني أنّ الإنسان يميل إلى الخطيئة، في حين أنّ طبيعة الإنسان لا تفسدها الخطيئة بالكامل، إلّا أنّها تتضاءل بسبب وصمة الخطيئة، وبالتالي نحن بحاجة إلى معونة الله لاستعادة خير طبيعتنا وجعلنا نتوافق مع إرادته، ولهذه الغاية يشبعنا الله بنعمته التي تأتي في شكل فضائل وعطايا إلهية.
طبيعة العمل البشري لدى الأكويني:
وفقًا لما جاء في علم الأخلاق الإكويني فإنّ الخير البشري يعتمد على أداء الأعمال التي تتوافق مع طبيعتنا البشرية، ولكن أي نوع من هذه الأعمال؟ أو بمعنى آخر ما هي الميزة أو السمات التي تعمل على تمييز الأفعال البشرية عن الأعمال من نوع مختلف؟
هنا يجب أن نتجاوز الادعاء البسيط بأنّ الفعل هو بشري بقدر ما هو عقلاني، لأنّه في حين أنّ هذا الادعاء صحيح بلا شك فإنّ طبيعة العقلانية نفسها تحتاج إلى تفسير، وعند استكشاف ما تتكون منه العقلانية أو العقل وفقًا لأكويني، عندها فقط يمكننا فهم طبيعة العمل البشري والغاية التي يهدف إليها هذا العمل.
يقدم الأكويني العلاج الأكثر شمولاً لهذا الموضوع في الجزء الثاني من الخلاصة اللاهوتية، حيث هناك يشرح أنّ العقل يتكون من قوتين: إحداهما معرفية والأخرى شهية، فالقوة المعرفية هي العقل الذي يمكننا من المعرفة والفهم، كما يمكّننا العقل أيضًا من إدراك الخير الذي يمتلكه الشيء.
بينما القوة الشهية للعقل تسمى الإرادة، حيث يصف الأكويني الإرادة على أنّها رغبة محلية في الخير المفهوم، أي أنّها شهية تستجيب لتقديرات العقل لما هو جيد أو يستحق الاختيار، ومن وجهة النظر هذه فإنّ جميع أعمال الإرادة تعتمد على أفعال عقل سابقة، كما يجب على العقل أن يمد الإرادة بالشيء الذي يميل إليه الأخير، في المقابل يحرك هذا الكائن الإرادة كسبب نهائي لأنّ المفهوم الجيد هو موضوع الإرادة وينقلها كنهاية.
من الحساب المختصر للعقل والإرادة المقدم حتى الآن قد يبدو أنّ العقل يستلزم أفعال الإرادة من خلال صوره التقييمية للخير، ومع ذلك يصر الأكويني على أنّه لا يوجد تفسير واحد للخير يمكن أن يستلزم حركة الإرادة، حيث أنّ معظم الحاجات ليس لها علاقة ضرورية بالسعادة، أي أننا لا نحتاجهم لنكون سعداء، وبالتالي فإنّ الإرادة لا تميل إليهم بالضرورة.
الأكويني والتمييز بين أفعال الإنسان والأفعال البشرية:
الفضائل الأخلاقية هي عادات شهية ناتجة عن اتجاه العقل، والاعتدال هو البحث عن اللذة بعقلانية، والشجاعة هي الرد بعقلانية على التهديد بالضرر، وإنّ فضائل العقل العملي هي الفن والحصافة، وفضائل العقل النظري البصيرة والعلم والحكمة.
كل هذا وأكثر يدخل في تعاليم توماس الأخلاقية، حيث سيميز توماس أفعال الإنسان عن الأفعال البشرية، فالأولى هي أنشطة موجودة بالفعل في الوكلاء البشريين، ولكنها موجودة أيضًا في عوامل أخرى غير بشرية، على سبيل المثال قد يكون فعل الإنسان بنفس أهمية ضربات قلبه أو تافهًا مثل التنصت العصبي بأصابعه، فالفعل البشري هو الذي ينبع من العقل والإرادة ويخضعان لسيطرتهما.
وبما أنّ الفعل البشري بالتعريف هو السعي وراء خير معروف، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو العلاقة بين أشياء الأفعال التي لا تعد ولا تحصى التي يقوم بها البشر، وهل هناك بعض الخير العام الذي يسعى إليه الوكلاء البشريون؟ وهل هناك نهاية نهائية للعمل البشري؟
في تعليقه على الفصل الثاني من الكتاب الأول من الأخلاق النيقوماخية حيث يجادل أرسطو بوجود نهاية مطلقة، كما يشير توماس إلى أنّ الحجة هي في الواقع سلسلة من الاختزالات الإعلانية العبثية، وهذا يعني أنّ إنكار الغاية النهائية للفعل البشري يقلل من الادعاء بأنّه لا نهاية للسعي البشري على الإطلاق وأنّه لا معنى له، لم يلق هذا التحليل الاهتمام الذي يستحقه، أي المعنى الضمني هو أنّه من البديهي أنّ هناك نهاية مطلقة ولهذا السبب يجب أن يتخبط إنكاره في عدم الاتساق.
بينما الحجة من أجل النهاية المطلقة التي وضعها توماس في الخلاصة اللاهوتية مختلفة إلى حد ما، أي عمل يهدف إلى بعض الخير، وإنّ حاجة معينة بحكم تعريفها تشترك في الخير ذاته ولا تتطابق معه، وما يربط كل الأعمال التي يقوم بها البشر هو الخير الشامل الذي يسعون إليه في هذا وذاك والشيء الآخر، وإنّ ما يسميه توماس نسبة الخير المطلق هو النهاية المطلقة، بحيث يترتب على ذلك أنّ أي شيء يفعله الفاعل البشري يتم من أجل الغاية النهائية أو المطلقة.
هذا يثير الاستياء لأنّ المرء يشعر بأنّه مديون بحساب أغنى عن الخير، وبعد كل شيء يختلف الفاعلون البشريون بقدر ما لديهم مفاهيم مختلفة عن ماهية الخير، حيث يبدو أنّ الشهرة والثروة والمتعة والسلطة وما إلى ذلك تعمل كهدف مهيمن لأشخاص مختلفين، وبالكاد يمكن لتوماس أن يتجاهل هذا ناهيك عن إنكاره، فهل يمكن أن يظل موقفه السابق بشأن وحدة الغاية النهائية أو المطلقة قائمًا؟
إنّ حقيقة وجود تعريفات خاطئة أو غير كافية للخير لا تعني أنّه لا يوجد تفسير صحيح وكاف لما هو الكمال أو تحقيق الفاعلين البشريين، ويتصرف الجميع على افتراض أنّ ما يفعله سيساهم في مصلحته العامة، حيث أنّ الخير العام للفرد هو السبب النهائي لفعل أي شيء، ولكن ليس كل ما يفعله المرء تحت هذه الرعاية يساهم في الواقع في الصالح العام. وبالتالي من ناحية هناك نفس الغاية النهائية لكل عامل بشري وهو الخير البشري المتكامل، وهناك مفاهيم صحيحة وخاطئة لما يشكل في الواقع هذا الخير المتكامل.
قد يبدو هذا وكأنه مطالبة فارغة لكنه يوفر أساسًا للمضي قدمًا، فإذا كان كل فاعل بشري يتصرف بالفعل من أجل مصلحته العامة، فيمكن للمناقشة أن تتحول إلى ما إذا كان ما يسعى إليه هنا والآن أو نظريته العامة لما يشكل الصالح العام والتي يمكن أن يصمد أمام التدقيق.
وليس من الضروري إقناع أي شخص بأنّه يجب عليه السعي لتحقيق الغاية النهائية من حيث مصلحته العامة، وماذا سيتبع؟ ولكن إذا اقتنع المرء بأنّ ما يسعى إليه لا يساهم في مصلحته العامة فلديه بالفعل أسباب لتغيير طرقه.