فلسفة الأكويني في العقيدة الأخلاقية

اقرأ في هذا المقال


عقيدة الفيلسوف توما الأكويني الأخلاقية هي أساسًا الحياة الجيدة وقائمة على الفضيلة حيث يعمل البشر دائمًا من أجل غاية يُنظر إليها على أنّها خير، كما يوفر الخير المنشود الدافع لبدء وإنجاز بعض الأعمال، ويبدأ العمل في الرغبة وينتهي بالرضا أو الفرح في صورة مكتملة، وتحقيق أو اكتساب الخير المدرك والمطلوب، والعمل البشري الصحيح ينطلق من العقل والإرادة ويخضعان لسيطرتهما.

فلسفة الأكويني في الشهية العقلانية للوصول إلى الخير:

إنّ البشر لديهم العديد من الشهوات المستنيرة من خلال الإدراك الحسي للعالم، إلّا أنّ لديهم أيضًا شهية عقلانية مستنيرة من خلال الإدراك الفكري للعالم والحاجيات الموجودة فيه المناسبة لازدهار الإنسان، فمن المؤكد أنّ أخطاء التخوف ممكنة ومع ذلك فإنّ الفعل البشري ينشأ دائمًا من التخوف من بعض الخير الظاهر بالعقل والرغبة في ذلك من خلال الإرادة المستنيرة من التخوف.

فالإرادة هي شهية عقلانية ويتم الحكم على الأفعال بأنّها جيدة أو سيئة فيما يتعلق بالحاجات البشرية الحقيقية التي تكون إما مواتية (جيدة) أو ضارة (سيئة)، وبالنظر إلى تعقيد الحياة البشرية والخيرات المناسبة لها فقد يحدث أن يتم الحكم على فعل معين بأنّه جيد من نواح كثيرة، ولكنه سيء أيضًا في نواحٍ أخرى.

أن يتصرف المرء بشكل جيد هو ببساطة أن يفعل شيئًا جيدًا من جميع النواحي، وهناك منفعة إنسانية واحدة نهائية توفر ترتيبًا لجميع الحاجات البشرية الأخرى باعتبارها جزئية بالنسبة لها، أي السعادة أو الأفضل في الكلمة اللاتينية والتي تعني الغبطة (beatitudo).

مفهوم الحجة الوظيفة في فلسفة الأكويني الأخلاقية:

عندما سعى أرسطو إلى عزل الخير البشري استخدم ما يسمى حجة الوظيفة، حيث إذا كان المرء يعرّف ما هو النجار أو هل لديه معايير للاعتراف بالنجار الجيد، وكذلك الحال مع صرافي البنوك ولاعبي الجولف وجراحي المخ وصناع الأقفال، وإذا كان للإنسان وظيفة على هذا النحو فسيكون لدينا أساس لتقرير ما إذا كان الشخص إنسانًا صالحًا أم لا.

لكن ماذا يمكن أن تكون هذه الوظيفة؟ لا بد من أنّ الإجابة أنّه مثلما لا نثمن النجارين على أساس لعبة الجولف أو لاعبي الجولف على أساس قدرتهم على اختيار الأقفال، فإننا لن نرغب في تقييم العامل البشري على أساس عرضي، وكذلك نحن لا نثمن النجار من حيث وزنه أو حالة رئتيه أو براعم التذوق، ولم نعد نقدر الإنسان على أساس أنشطة مماثلة لتلك التي تمارسها الحيوانات غير البشرية.

إنّ النشاط الذي يميز العامل البشري عن غيره هو نشاط عقلاني، ويتصرف العامل البشري عن علم بإرادته حيث إذا كانت هذه هي الوظيفة البشرية، فإنّ الإنسان الذي يؤديها بشكل جيد سيكون شخصًا جيدًا ويكون سعيدًا.

يجادل توماس بأنّ هناك نهاية واحدة لجميع البشر وهي السعادة، ومع ذلك هذا وصف رسمي للنهاية، تاركًا المواصفات المادية لماهية تلك السعادة للإنسان، حيث يميز توماس في الخلاصة اللاهوتية بين السعادة غير الكاملة لهذه الحياة والسعادة الكاملة للحياة التالية في غبطة أو الاتحاد مع الله.

التمييز بين الفلسفة الأكوينية والأرسطية:

بناءً على التمييز بين فلسفة أرسطو والأكويني في حجة الوظيفة يبدو بأنّ الأكويني يجد في نهاية المطاف أنّ حجة وظيفة أرسطو غير مرضية، وبقدر ما يفترض أن تكون نتيجة حجة الوظيفة هي الادعاء بأنّ السعادة تتكون من حياة كاملة يعيشها العقل والفضيلة.

وهنا مرة أخرى سوف يُزعم أنّ الأكويني يرفض بشكل ما أساسيات الرواية الأرسطية، وبقدر ما يصف الحياة وفقًا للعقل والفضيلة في هذه الحياة بأنّها غير كاملة، فإنّه يجب أن يقترح أنّها إلى حد ما خاطئة وليست سعادة حقيقية أو واقعية بينما السعادة الحقيقية شيء آخر.

لكن مثل هذا التفسير فشل في عدد من التهم ومنها:

1- في المقام الأول يسيء فهم استخدام الأكويني لكلمة (الناقص) والذي لا يعني أنّه خطأ أو ذو عيوب، ولا يمكن أن يعني ذلك أنّه ليس عظيماً بالمقارنة، وذلك كما هو الحال في الادعاء بأنّ البشر ليسوا كاملين فيما يتعلق بالملائكة.

لا يقصد من هذا الادعاء الإيحاء بأنّ البشر هم ملائكة معيبون أو كاذبون، حيث هذا يعني ببساطة أنّ كمالهم ليس كبيرًا في مقياس الوجود مثل كمال الملائكة، ويمكن أن يعني أيضًا غير مكتمل في تكوين بعض الخير العام، لذا فإنّ السعي وراء بعض الخير المحدود، على سبيل المثال التعليم فهو غير كامل لأنّه ليس الخير البشري الكامل على الرغم من أنّه جزء من الخير البشري، ولكنها بالتأكيد ليست مصلحة إنسانية معيبة أو زائفة.

2- ثانيًا مثل هذا الادعاء حول الأكويني يجب أن يواجه فهمه الخاص لأرسطو، حيث يدّعي الأكويني أنّ أرسطو فهم أنّ الحياة الكاملة وفقًا للعقل والفضيلة في هذه الحياة هي سعادة غير كاملة أو ناقصة.

في الواقع يقول أرسطو نفسه أنّ السعادة الكاملة يجب أن ترتبط بالله، وهكذا لا يدّعي الأكويني لنفسه التمييز بين السعادة الكاملة والناقصة ولكنه ينسبها إلى أرسطو، ولذا فإنّ استخدامه في الخلاصة اللاهوتية لا يمكن اعتباره رفضًا للتحليل الذي يقدمه أرسطو للخصائص الشكلية للسعادة.

من الواضح أنّ المرء قد يعيب توماس لفهمه لأرسطو، ولكن الادعاء بأنّه يسيء تفسير أرسطو ليس حجة على أنّه يرفض أرسطو، ففي الواقع يجسد تفسيره لأرسطو حول السعادة الكاملة والناقصة الأطروحة التي يعبر عنها في الخلاصة اللاهوتية.

الفلاسفة قادرون على فهم بعض الأشياء المكونة أو الضرورية للسعادة الكاملة في غبطة، وإنّ الوحي فيما يتعلق حتى بتلك الأمور التي يمكنهم استيعابها ضروري، لأنّ ما استوعبوه يستغرق وقتًا طويلاً وهو صعب جدًا وقد يكون مليئًا بالأخطاء، وإنّ الله برحمته يجعل هذه الأمور معروفة في الوحي حتى تتحقق السعادة الكاملة.

ومع ذلك لا يتخلى توماس أبدًا عن التأكيد الأساسي للقدرة البشرية على فهم طبيعة السعادة في المصطلحات الشكلية بصرف النظر عن الوحي، وما يشكل وضعها المادي غير الكامل في هذه الحياة، حتى وإن كان تجسيدها المثالي في المستقبل يظل بعيد المنال للفلسفة بدون موارد الإيمان.

وصل الكثيرون إلى هذه النقطة وتسارعت النبضات بإمكانيات الوسيطة الوظيفية وذلك فقط ليشعروا بالشك في هذا التطبيق النهائي لها، ويبدو أنّ النشاط العقلاني وصفًا لا يمكن إدارته بدرجة لا تسمح بإجراء تحليل وظيفي له، وبالطبع يوافق أرسطو بعد أن أوضح هذه النقطة بنفسه، فيقال النشاط العقلاني بعدة طرق أو كما قال توماس إنّه مصطلح مشابه.

حيث أنّه يغطي مجموعة مرتبة من الأمثلة، فهناك نشاط العقل على هذا النحو وهناك نشاط العقل في قدرته التوجيهية أو العملية، وهناك حركات جسدية وما شابهها عقلانية بقدر ما توفر العقلانية الوصف الرسمي المناسب لها، وإذا كانت فضيلة الوظيفة هي أن تؤديها بشكل جيد، فإنّ تشبيه النشاط العقلاني يوضح أنّ هناك مجموعة من الفضائل.


شارك المقالة: