فلسفة الأكويني في ما وراء الفيزياء

اقرأ في هذا المقال


في فهم الفيلسوف توماس الأكويني الأرسطي للعلم يكون العلم (S) موضوع، ويعرّف العالم فيما يتعلق بـ (S) الحقائق الأساسية حول موضوع (S)، أو المبادئ أو نقاط البداية للتفكير في موضوع (S)، وأسباب موضوع (S)، والحوادث المناسبة لموضوع (S).

ميتافيزيقيا الأكويني:

بعد أرسطو يعتقد الفيلسوف توماس الأكويني أنّ الميتافيزيقيا هي علم بهذا المعنى، فبالنسبة لتوماس فإنّ موضوع علم الميتافيزيقيا هو كونه كيانًا أو كونه مشتركًا أي أنّه بقدر ما يمكن أن يقال عن أي كائن، على سبيل المثال على النقيض من الموضوعات الضيقة للفيزياء الفلسفية التي تدرس الكائن المادي بقدر ما يمكن التحقيق فيه فلسفيًا، واللاهوت الطبيعي الذي يدرس كونه غير مادي بقدر ما يمكن دراسته بقوة العقل الطبيعي وحده.

يعتقد توماس أيضًا أنّ المناقشة الذكية لموضوع الميتافيزيقيا تتطلب أن يدرك المرء أنّ الكينونة تُقال بعدة طرق، أي أنّ هناك عددًا من المعاني المختلفة ولكن غير المترابطة بشكل عشوائي للكون، على سبيل المثال كونه مادة أو الجودة أو الكمية أو العلاقة أو كونها حقيقية أو كونها محتملة وما إلى ذلك، والذي يمكن للميتافيزيقي في حده الأدنى التحدث بذكاء عن العلاقات الصحيحة بين هذه المعاني العديدة المختلفة ولكن المرتبطة بالوجود.

الأكويني كمعلق على الفسلفة الميتافيزيقية:

سيطرت فرضية الفيلسوف فيرنر جايجر على تفسيرات الميتافيزيقيا حتى وقت قريب جدًا، وكان على كتاب جيوفاني ريالي عام 1961 انتظار الترجمة الإنجليزية قبل أن يكون له أي تأثير في دوائر الترجمة الإنجليزية، وبحلول ذلك الوقت كان الناس يتحولون من رواية جايجر نحو قراءة أكثر مباشرة لأرسطو، وعندما نعيد النظر في الفيلسوف توما الأكويني كمعلق على الميتافيزيقيا يتضح لنا أنّ قراءته تتعارض بشدة مع ادعاءات جايجر.

لكن دعونا أولاً نضع وجهة نظر توماس عن الميتافيزيقيا، وسؤاله هو سؤال أرسطو: هل هناك أي علم يتجاوز العلوم الطبيعية والرياضيات؟ وإذا كان يجب أن تكون وماديًا متطابقين فسيكون علم الوجود متطابقًا مع علم الكائن المادي وهذا ما يرفضه أرسطو، وفي سياق ممارسة الفلسفة الطبيعية يكتسب المرء معرفة معينة بأنّه ليس كل ما هو مواد.

في نهاية كتاب الفيزياء يجادل أرسطو من طبيعة المحركين المتحركين بأنّهم يحتاجون إلى أول محرك ثابت وغير متأثر، وإذا نجح هذا الدليل يثبت أنّ هناك المحرك الأول لجميع المحركات المتحركة التي ليست في حد ذاتها مادية، وعلاوة على ذلك فإنّ مناقشة الفكر في  (على الروح 3 – On the Soul III)، والتي تشير إلى ما وراء العالم المادي.

فإذا كان نشاط العقل يوفر أساسًا للقول أنّه في حين أنّ الروح البشرية هي الشكل الأساسي للجسد، فإنّها يمكن أن توجد بعيدًا عن الجسد أي أن تنجو من الموت فهي وجود غير مادي، والمحرك الرئيسي والأرواح الخالدة للبشر تستلزم الكائنات أن تكون مادية ليست متطابقة، وذلك نظرًا لأنّ هذه عمليات اكتساب في حدود الفلسفة الطبيعية فإنّها تمثل موضوعات بحث محتملة في حد ذاتها.

هذا هو الحال بشكل بارز مع المحرك الرئيسي والذي يبدو أنّه لا مفر من وجود نظام هدفه الأساسي هو معرفة المزيد عن الإله، وكيف يمكن وصفها؟

تعليق الأكويني على كتاب بوثيوس والفكر الأرسطي:

يناقش توماس في وقت مبكر الطريقة التي يتم بها تمييز العلوم النظرية عن بعضها البعض في سياق عرضه لكتاب بوثيوس حول الثالوث، ويتحدث النص عن ثلاثة أنواع من العلوم النظرية والفيزياء والرياضيات واللاهوت ويستدعي توماس منهجية التحليلات اللاحقة.

يتكون العلم من خلال القياس المنطقي التوضيحي، ومن وجهة نظر رسمية يتبع الاستنتاج بالضرورة من المبنى في قياس منطقي جيد التكوين، ولا يزال الاستنتاج قد يشير إلى مجرد حقيقة عرضية، وما هو مطلوب في القياس المنطقي التوضيحي ليس فقط ضرورة النتيجة بل النتيجة الضرورية، وهذا يتطلب أن تعبر المقدمات عن الحقائق الضرورية، وما هو ضروري لا يمكن أن يكون غير كما هو بحيث لا يمكن أن يتغير.

وهكذا يتطلب العلم أن يؤثر على الأشياء غير المتحركة، وهناك مطلب آخر لموضوع المعرفة التأملية أو النظرية التي تنبع من الفكر، كما أنّ نشاط العقل ليس حدثًا ماديًا حيث إنّه غير جوهري، وبما أنّ العقل هو الذي يعرف فإنّ العلم هو نمط من معرفته وسيشارك طبيعته.

وهكذا يذكر توماس سمتين أساسيتين لموضوع التخمين بحيث يجب إزالته من كل من المادة والحركة، وإذا كان هذا هو الحال إذن بقدر ما توجد طرق مختلفة رسميًا يمكن من خلالها إزالة التخمينات من المادة والحركة، فستكون هناك علوم تخمينية مختلفة رسميًا.

من خلال هذا التحليل قدم توماس الخلفية اللازمة لفهم نص بوثيوس ولكن أيضًا الأهم من ذلك بالنسبة لأرسطو كما تم تطويره في الفصل الذي اقتبس منه فيرنر جايجر من أجل عرض فشل المشروع الأرسطي، من حيث أنّه يجب ألّا يتم الفشل في ملاحظة طبيعة الجوهر وصيغته، لأنّه بدون هذا يكون التحقيق خاملاً، ومن الأشياء المعرّفة مثل الجواهر بعضها أفطس والبعض الآخر مثل مقعر، وتختلف هذه لأنّ الأفطس مرتبط بالمادة، بينما التقعر مستقل عن المادة المحسوسة.

تُعرّف كائنات الفلسفة الطبيعية على أنّها (أفطس) وكائنات الرياضيات مثل (مقعر)، ويوضح هذا أنّ الطريقة التي يتم بها فصل الأشياء الطبيعية عن المادة المحسوسة هي الطريقة التي يتم بها تجريد التعريف المشترك للعديد من الأشياء من الخصائص الفردية لكل منها، ولكن الأمر كمفرد هو مبدأ التغيير في الأشياء لذا فإن التعريف المشترك له الضرورة المطلوبة للعلم، ويأتي هذا الرجل أو ذاك ولكن ما هو أن يكون إنسانًا لا يأتي أو يزول.

الأشياء الرياضية على غرار المقعرة لا تحتوي على مادة معقولة في تعريفاتها، فالخطوط والنقاط والأرقام والمثلثات ليس لها صفات معقولة سواء تم تحديدها عالميًا أو بشكل فردي، وحقيقة أنّه يتم تعريف الرياضيات بدون مادة منطقية لا تلزم بالرأي القائل بأنّ الرياضيات موجودة بالفعل بعيدًا عن المادة المعقولة.

في التعليق على بوثيوس أشار توماس في وقت مبكر إلى جانب أساسي آخر من فكر أرسطو، وتكون موضوعات الفكر إما بسيطة أو معقدة، حيث يعني التعقيد أنّ شيئًا ما مؤكدًا أو مرفوضًا من شيء آخر، والتي يتم التعبير عن معرفة البساطة في تعريف المجمع في الاقتراح، حيث إنّ التفكير في الطبيعة البشرية دون التفكير في الشخصيات الفردية لهذا الرجل أو تلك مسألة تعريف وليس تأكيدًا، كما لو كان المرء ينكر أنّ الطبيعة البشرية موجودة في مادة فردية.

لذا فإنّ تعريف الرياضيات بدون مادة معقولة لا يرقى إلى الحكم بأنّ الرياضيات موجودة بمعزل عن المادة المعقولة، وهذان مثالان على التجريد حيث يعني التجريد التفريق بين ما لا يوجد منفصلًا، وهكذا فإنّ مسألة الميتافيزيقا تدور حول ما يسميه توماس الفصل، والذي يختلف الفصل عن التجريد في أنّ هذا الفصل يتم التعبير عنه في حكم سلبي، وافتراض مؤكد وهو: ليس هذا، أنّ هذا موجود بمعزل عن ذلك.

الفصل ذو الصلة بالميتافيزيقا هو الحكم السلبي على أن تكون مادية وليست هي نفسها، أي أنّ هناك أشياء توجد بعيدًا عن المادة والحركة، ولا يتم تعريفها بدون تعريف فحسب بل توجد بدون مادة وحركة.


شارك المقالة: