اقرأ في هذا المقال
فلسفة الرياضيات فرع من فروع الفلسفة حيث يهتم بسؤالين رئيسيين: أحدهما يتعلق بمعاني الجمل الرياضية العادية والآخر يتعلق بمسألة وجود الأشياء المجردة، فالأول هو سؤال مباشر للتفسير، أي ما هي أفضل طريقة لتفسير الجمل والنظريات الرياضية القياسية؟ وبعبارة أخرى ما هو المقصود حقًا بالجمل الرياضية العادية مثل “3 هو عدد أولي” و “2 + 2 = 4” و “هناك عدد لا نهائي من الأعداد الأولية.”
وبالتالي فإنّ المهمة المركزية لفلسفة الرياضيات هي بناء نظرية دلالية للغة الرياضيات، أي أنّه يهتم علم المعاني بما تعنيه بعض التعبيرات (أو تشير إليه) في الخطاب العادي، لذلك على سبيل المثال فإنّ الادعاء بأنّ مصطلح المريخ في اللغة الإنجليزية يشير إلى نهر المسيسيبي هو نظرية دلالية خاطئة، والإدعاء بأنّ المريخ في اللغة الإنجليزية يشير إلى الكوكب الرابع من الشمس هو نظرية دلالية حقيقية، وبالتالي فإنّ القول بأنّ فلاسفة الرياضيات مهتمون بمعرفة كيفية تفسير الجمل الرياضية هو فقط القول بأنّهم يريدون تقديم نظرية دلالية للغة الرياضيات.
لماذا يهتم الفلاسفة بأسالة فلسفة الرياضيات:
ولذلك يهتم الفلاسفة بهذين السؤالين لسببين رئيسيين:
- ليس من الواضح على الإطلاق ماهية الإجابة الصحيحة .
- يبدو أنّ للإجابات المختلفة آثار فلسفية عميقة.
وبشكل أكثر تحديدًا يبدو أنّ التفسيرات المختلفة للرياضيات تنتج آراء ميتافيزيقية مختلفة حول طبيعة الواقع، ويمكن إبراز هذه النقاط من خلال النظر إلى الجمل الحسابية والتي يبدو أنّها تقدم ادعاءات مباشرة حول أشياء معينة، ولكن ضع في اعتبارك على سبيل المثال الجملة “4 زوجي”، حيث يبدو أنّ هذه جملة بسيطة من موضوع المسند من الشكل “S is P” مثل على سبيل المثال الجملة “The Moon is round.”، تقدم هذه الجملة الأخيرة ادعاءً مباشرًا بشأن القمر.
طبيعة الأعداد في الفلسفة الرياضيات:
وبالمثل يبدو أنّ “4 متساوٍ” تقدم ادعاءً مباشرًا بشأن الرقم 4، ومع ذلك فإنّ هذا هو المكان الذي يشعر فيه الفلاسفة بالحيرة، لأنّه ليس من الواضح ما الذي يفترض أن يكون عليه الرقم 4، أي نوع من الأشياء هو رقم؟ فأجاب بعض الفلاسفة (اللاواقعيين) هنا بعدم التصديق، فوفقًا لهم ببساطة لا توجد أشياء مثل الأرقام، بينما يعتقد الآخرون (الواقعيون) أنّ هناك أشياء مثل الأرقام (بالإضافة إلى الأشياء الرياضية الأخرى).
لكن بين الواقعيين هناك عدة وجهات نظر مختلفة حول نوع الشيء الذي يمثله الرقم، حيث يعتقد بعض الواقعيين أنّ الأرقام هي أشياء عقلية (شيء مثل الأفكار في رؤوس الناس)، ويدّعي الواقعيون الآخرون أنّ الأرقام توجد خارج رؤوس الناس كسمات للعالم المادي.
ومع ذلك هناك وجهة نظر ثالثة لطبيعة الأعداد، والمعروفة باسم الأفلاطونية أو الأفلاطونية الرياضية، والتي كانت أكثر شيوعًا في تاريخ الفلسفة، هذا هو الرأي القائل بأنّ الأرقام هي كائنات مجردة، حيث يكون الكائن المجرد غير مادي وغير عقلي، ووفقًا للأفلاطونيين توجد الأشياء المجردة ولكن ليس في أي مكان في العالم المادي أو في أذهان الناس، ففي الواقع لا توجد في المكان والزمان على الإطلاق.
فلسفة الأشياء المجردة:
ومع ذلك من المهم ملاحظة أنّ العديد من الفلاسفة ببساطة لا يؤمنون بالأشياء المجردة، وإنّهم يعتقدون أنّ الإيمان بأشياء مجردة – أشياء غير زمانية وغير مادية وغير مادية تمامًا – هو الإيمان بكيانات غامضة وغريبة، وفي الواقع إنّ مسألة وجود الأشياء المجردة هي واحدة من أقدم الأسئلة في الفلسفة وأكثرها إثارة للجدل، والرأي القائل بوجود مثل هذه الأشياء يعود إلى أفلاطون، ويمكن إرجاع المقاومة الجادة لهذا الرأي إلى أرسطو على الأقل حيث استمر هذا الجدل المستمر لأكثر من 2000 عام.
السؤال الرئيسي الثاني الذي تهتم به فلسفة الرياضيات هو: “هل الأشياء المجردة موجودة؟” يرتبط هذا السؤال ارتباطًا وثيقًا بالسؤال الدلالي حول كيفية تفسير الجمل ونظريات الرياضيات، لأنّه إذا كانت الأفلاطونية محقة في أنّ أفضل تفسير للرياضيات هو أنّ الجمل مثل “4 زوجي” تدور حول أشياء مجردة (ويتضح في دراسات مشابهة أن هناك بعض الأسباب الوجيهة جدًا لتأييد هذا التفسير)، وإذا كان (ما يبدو واضحة جدًا) جمل مثل “4 زوجي” صحيحة، ثم يبدو من الطبيعي أنّ تؤيد وجهة النظر القائلة بوجود كائنات مجردة.
فالأفلاطونية الرياضية تقدم مخططًا لوجهة النظر الأفلاطونية للرياضيات وكيف تطورت، بينما يقدم معاداة الأفلاطونية الرياضية مخططًا لبدائل الأفلاطونية، أي الآراء المختلفة المناهضة للأفلاطونية المتاحة لأولئك الذين لا يستطيعون إقناع أنفسهم بالأشياء المجردة، وأخيرًا تقدم الأفلاطونية الرياضية مع وضد أفضل الحجج المؤيدة للأفلاطونية وضدها.