نشأت النظريات الموقف الجمالي في فكرة عدم الاهتمام التي تم التحقيق فيها من قبل المفكرين الجماليين في القرن الثامن عشر، في حين أنّ فكرة عدم الاهتمام مهمة لهؤلاء المفكرين، فإنّها تصبح أكثر أهمية في النظريات الجمالية للفيلسوفان إيمانويل كانط وآرثر شوبنهاور، ففي هذين الفيلسوفين نبدأ في العثور على نظريات الموقف الجمالي.
في القرن العشرين تبنى بعض المفكرين الرئيسيين الموقف الجمالي كمفهوم أساسي، لكنهم لم يفعلوا ذلك دون مواجهة انتقادات جادة، وفي الواقع لم تعد نظريات الموقف الجمالي شائعة كما كانت من قبل وذلك بسبب هذا النقد وبسبب التحول العام في التركيز.
فلسفة ديكي في الموقف الجمالي:
لقد تعرضت فكرة الموقف الجمالي للهجوم من جميع الزوايا ولم يتبقى سوى عدد قليل جدًا من المتعاطفين معها، حيث يُنظر إلى الفيلسوف جورج ديكي على نطاق واسع على أنّه وجه الضربة الحاسمة في مقالته (أسطورة الموقف الجمالي) في عام 1964، ومن خلال القول بأنّ جميع الأمثلة المزعومة للانتباه المهتم أو البعيد هي مجرد أمثلة على عدم الانتباه.
فعند النظر إلى حالة المتفرج في أداء العاطل عن العمل الذي أصبح يشك بشكل متزايد في زوجته مع عدم العمل، أو حالة رئيس التحرير الذي يجلس لقياس حجم الجمهور، أو حالة الأب الذي يجلس مفتخرًا في أداء ابنته، أو في حالة الأخلاقي الذي يجلس ليقيس التأثيرات الأخلاقية التي يمكن أن تنتجها المسرحية في جمهورها.
فإنّه سينظر مُنظِّر الموقف إلى هذه الحالات وجميع هذه الحالات على أنّها حالات اهتمام أو اهتمام بعيد بالأداء، في حين أنّها في الواقع ليست سوى حالات عدم الانتباه إلى الأداء، فالزوج الغيور يعتني بزوجته، كما يتولى مدير المشروع مسؤولية العرض وهكذا، ولكن إذا لم يحضر أي منهم العرض فلن يحضر أي منهم بشكل غير مبالٍ أو عن بعد.
ومع ذلك يمكن لمنظر الموقف أن يقاوم بشكل معقول تفسير ديكي لمثل هذه الأمثلة، ومن الواضح أنّ المتعهد لا يحضر العرض ولكن لا يوجد سبب لاعتبار منظّر الموقف ملتزمًا بالتفكير بطريقة أخرى، أما بالنسبة للآخرين فقد يقال إنّهم جميعًا سيحضرون، ويجب أن يحضر الزوج الغيور العرض، حيث أنّ عمل المسرحية كما قدمه العرض هو ما يثير الشك.
ولابد أنّ الأب الفخور هو من يحضر العرض، لأنّه يحضر أداء ابنته وهو أحد عناصره، ويجب أن يحضر الأخلاقي العرض لأنّه بخلاف ذلك لن يكون لديه أي أساس لقياس آثاره الأخلاقية على الجمهور، وقد لا يعطي أي من هؤلاء المتفرجين الاهتمام الذي يتطلبه الأداء، ولكن هذا هو بالضبط وجهة نظر منظري الموقف.
ولكن ربما تشكل انتقادات أخرى لديكي وهي الأقل شهرة تهديدًا أكبر لطموحات منظري المواقف، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفيلسوف الأمريكي جيروم ستولنيتز يميّز بين الاهتمام اللامبالي والاهتمام وفقًا للغرض الذي يحكم الانتباه، حيث أنّ الحضور غير المهتم هو الحضور دون أي غرض يتجاوز غرض الحضور، بينما الحضور باهتمام هو الحضور لغرض ما وراء ذلك من الحضور، ولكن ديكي يعترض على أنّ الاختلاف في الهدف لا يعني وجود اختلاف في الانتباه.
لنفترض أنّ جونز استمع إلى مقطوعة موسيقية بغرض التمكن من تحليلها ووصفها في فحص في اليوم التالي، وأنّ سميث يستمع إلى نفس الموسيقى دون أي غرض خفي، من المؤكد أنّ هناك اختلافًا في دوافع ونوايا الرجلين، فلدى جونز هدفًا خفيًا وسميث لا يفعل ذلك، ولكن هذا لا يعني أنّ استماع جونز يختلف عن الاستماع إلى سميث.
وهناك طريقة واحدة فقط للاستماع (أو الحضور) للموسيقى، على الرغم من أنّه قد يكون هناك مجموعة متنوعة من الدوافع والنوايا والأسباب للقيام بذلك ومجموعة متنوعة من الطرق لتشتيت الانتباه عن الموسيقى.
مرة أخرى هناك الكثير مما يمكن لمنظّر الموقف أن يقاومه، ويمكن مقاومة فكرة أنّ الاستماع نوع من الحضور، والسؤال المطروح بالمعنى الدقيق للكلمة ليس ما إذا كان جونز وسميث يستمعان إلى الموسيقى بنفس الطريقة، ولكن ما إذا كانوا يحضرون بالطريقة نفسها للموسيقى التي يستمعون إليها.
يبدو أنّ الجدل الذي يحضره جونز وسميث بالطريقة نفسها يطرح أسئلة، لأنّه يعتمد بشكل واضح على مبدأ التفرد الذي يرفضه منظّر الموقف، فإذا كان انتباه جونز محكومًا ببعض الأغراض الخفية ولم يكن اهتمام سميث كذلك، فإنّه نفرد الانتباه وفقًا للغرض الذي يحكمه فاهتمامهم ليس هو نفسه.
أخيرًا حتى لو رفضنا مبدأ التفرد لمنظّر الموقف، فإنّ الادعاء بأنّ هناك طريقة واحدة فقط لحضور الموسيقى أمر مشكوك فيه، حيث يمكن للمرء أن يحضر على ما يبدو الموسيقى بطرق لا تعد ولا تحصى، كوثيقة تاريخية أو كقطعة أثرية ثقافية أو كخلفية سمعية أو كإزعاج صوتي، وذلك اعتمادًا على ميزات الموسيقى التي يحضرها المرء عند الاستماع إليها.
لكن ديكي مع ذلك يدرس شيئًا بالغ الأهمية لدرجة أنّه يحث على أنّ الاختلاف في الغرض لا يعني بالضرورة اختلافًا ذا صلة في الانتباه، ويظهر عدم الاهتمام بشكل معقول في تعريف الموقف الجمالي فقط إلى الدرجة التي يركز فيها الانتباه وهو وحده على ميزات الشيء المهم من الناحية الجمالية.
تشير احتمالية وجود اهتمامات تركز الانتباه على تلك الميزات نفسها إلى أنّ عدم الاهتمام لا مكان له في مثل هذا التعريف، مما يعني بدوره أنّه ليس من المحتمل أن يكون له، وكذلك ليست لفكرة الموقف الجمالي أي فائدة في تحديد المعنى من مصطلح الجمالية.
فلسفة الموقف الجمالي والخصائص الجمالية:
إذا كان اتخاذ الموقف الجمالي تجاه شيء ما يعني ببساطة الاهتمام بخصائصه ذات الصلة من الناحية الجمالية سواء كان الاهتمام مهتمًا أم غير مهتم، فإنّ تحديد ما إذا كان الموقف جماليًا يتطلب أولاً تحديد الخصائص ذات الصلة من الناحية الجمالية.
ويبدو أنّ هذه المهمة تؤدي دائمًا إمّا إلى ادعاءات حول القدرة على الإدراك الفوري للخصائص الجمالية، والتي يمكن القول إنّها غير كافية للمهمة أو دعاوى حول الطبيعة الرسمية للخصائص الجمالية، والتي يمكن القول إنّها لا أساس لها من الصحة.
لكن أنّ مفهومي اللامبالاة والمسافة النفسية يثبتان عدم فائدتهما في تحديد معنى مصطلح الجمالية ولا يعني أنّهما أسطوريتان، حيث في بعض الأحيان يبدو أننا غير قادرين على العيش بدونهم، ولنأخذ حالة سقوط ميليتس، وهي مأساة كتبها الكاتب المسرحي اليوناني فرينكوس وتم تنظيمها في أثينا بعد عامين فقط من الاستيلاء العنيف على مدينة ميليتس اليونانية عام 494 قبل الميلاد.
حيث أوضح هيرودوت ذلك بأنّه وجد الأثينيون طرقًا عديدة للتعبير عن حزنهم لسقوط ميليتوس، وعلى وجه الخصوص عندما ألف فرينيكوس وأنتج مسرحية تسمى سقوط ميليتس (The Fall of Miletus)، حيث انفجر الجمهور في البكاء وغرّمه ألف دراخما لتذكيرهم بكارثة كانت قريبة جدًا من الوطن، كما تم حظر الإنتاجات المستقبلية للمسرحية.
فكيف يمكن تفسير رد فعل أثينا على هذه المسرحية دون اللجوء إلى شيء مثل الاهتمام أو عدم وجود مسافة؟ وكيف على وجه الخصوص يمكننا أن نفسر الفرق بين الحزن الذي تسببه مأساة ناجحة والحزن الناتج في هذه الحالة؟ فلا فائدة هنا من التمييز بين الانتباه وعدم الانتباه.
بينما الفرق ليس أنّ الاثينيين لم يتمكنوا من حضور سقوط ميليتس، بينما كان بإمكانهم حضور مسرحيات أخرى، والفرق هو أنّهم لم يتمكنوا من حضور سقوط ميليتس حيث يمكنهم حضور مسرحيات أخرى، وهذا بسبب علاقتهم الحميمة للغاية بما يتطلب حضورهم إلى سقوط ميليتس.