اقرأ في هذا المقال
- فلسفة الإرادة الحرة والفطرة السليمة
- فلسفة القدرات والتوافقية
- صعوبات التوافقي في نظرية القدرة
- ماذا يقول التوافقي في ظل هذه العقبات؟
إنّ الأسئلة التي تدور بشكل عام حول القدرات أسئلة رسمية، وذلك بالسؤال عن معنى امتلاك القدرة دون الانشغال بالعمل الجوهري الذي قد يتعين على نظرية القدرة القيام به، ولكن هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لنظرية القدرة، فلقد برزت القدرات على أنّها تفسيرات غير مفسرة في مجموعة من النظريات الفلسفية.
فعلى سبيل المثال في حسابات المفاهيم لميليكان (Millikan) في عام 2000، وتفسير المعرفة لجريكو (Greco) في عام 2009 وسوسا (Sosa) في عام 2007، ومعرفة شكلها (knowing what it’s like) للويس (Lewis) في عام 1988، ربما كان الدور الجوهري الأبرز لنظرية القدرة هو الاستخدامات التي وُضعت لها حسابات القدرة في مناقشات الإرادة الحرة.
فلسفة الإرادة الحرة والفطرة السليمة:
تقدم فلسفة قدري فيهفيلين (Kadri Vihvelin) أنّه حسب الفطرة السليمة تٌخبرنا عن التالي:
1- أننا مسؤولون أخلاقياً عن أفعالنا فقط إذا كانت لدينا إرادة حرة.
2- أنّ لدينا إرادة حرة فقط إذا كنا قادرين على الاختيار من بين الإجراءات البديلة.
3- أنّ لدينا إرادة حرة وأننا مسؤولون أخلاقياً عن العديد من الأشياء التي نقوم بها.
4- أننا أشياء في العالم الطبيعي تحكمها قوانينه.
ومع ذلك ينكر العديد من الفلاسفة المعاصرين أنّ لدينا إرادة حرة، أو أنّ الإرادة الحرة هي شرط ضروري للمسؤولية الأخلاقية، حيث يرى البعض أننا مسؤولون أخلاقياً فقط إذا كنا مستثنيين بطريقة ما من قوانين الطبيعة، وتدافع الأسباب والقوانين والإرادة الحرة عن أطروحة اختفت تقريبًا من المشهد الفلسفي المعاصر من خلال الجدل بأنّ هذا الهروب الفلسفي من الفطرة السليمة هو خطأ.
وأنّه لدينا إرادة حرة حتى لو كان كل ما نقوم به يمكن التنبؤ به في ضوء قوانين الطبيعة والماضي، ونحن مسؤولون أخلاقيا مهما كانت قوانين الطبيعة، والدوافع التي تغرينا بالتفكير بأنّ الحتمية تحرمنا من الإرادة الحرة تنبع من الأخطاء، والأخطاء حول ميتافيزيقيا السببية، والأخطاء حول طبيعة القوانين، والأخطاء حول منطق الوقائع المضادة.
فلسفة القدرات والتوافقية:
برزت الأسئلة المتعلقة بالقدرات بشكل بارز في المناقشات حول التوافق، وتُستخدم التوافقية بعدة طرق لكن دعونا نفهمها هنا على أنّها أطروحة وحجة مفادها أنّ القدرة على أداء أفعال لا يقوم بها المرء متوافقة مع حقيقة الحتمية، والتي قد نعتبرها وجهة نظر مفادها أنّ الحقائق حول الماضي والقوانين معًا تحدد الحقائق حول الحاضر وجميع اللحظات المستقبلية، ويجب أن نميز بشدة بين هذا الرأي الذي قد نسميه التوافق الكلاسيكي، من وجهات النظر الأحدث مثل شبه التوافق في فيشر ورافيزا لعام 1998.
وبقدر ما تم الدفاع عن التوافقية التي تم فهمها على هذا النحو صراحةً، فإنّ هذه الدفاعات قد استعادت نظريات القدرة لا سيما التحليل الشرطي ومتغيراته، فضلاً عن التحليل النزعي الذي يفضله النزعيون الجدد.
عند مناقشة التحليل الشرطي يتم التمييز بين الأمثلة المضادة العالمية والمحلية للنظريات الافتراضية للقدرة، حيث تناشد العالمية حقيقة أنّ أي نظرية من هذا القبيل ستجعل القدرة متوافقة مع الحتمية التي حسب المعترض ليست كذلك، وتمت ملاحظة القيود الديالكتيكية لمثل هذه الأمثلة المضادة أي الخلاف في فرضيتها الرئيسية.
لكن التوافقيين غالبًا ما كانوا مذنبين فيما يبدو أنّه الخطأ المعاكس، وبالتحديد فقد قدموا نظريات القدرة التي تظهر القدرات لتكون متوافقة مع الحتمية، وقد جادلوا من هذا إلى الادعاء بأنّ هذه القدرات متوافقة بالفعل مع الحتمية.
تم تشخيص عيوب هذه الإستراتيجية بشكل جيد بواسطة بيتر فان إنفاجن (Peter van Inwagen)، وبعد مسح الأمثلة المضادة المحلية التي ظهرت للعديد من النظريات الافتراضية للقدرة، يتخيل فان إنفاجن أننا توصلنا إلى أفضل نظرية افتراضية ممكنة للقدرة، والتي أطلق عليها اسم التحليل.
والذي أوضح في فان إنفاجن مدى فاعلية التحليل لنا، ومدى تأثير التحليل على فهمنا لمشكلة التوافق، حيث إنّه لا يفعل الكثير بالنسبة لنا، فيبدو أنّ العديد من التوافقيين يعتقدون أنّهم بحاجة فقط إلى تقديم تحليل شرطي للقدرة أو الدفاع عنها أو تعديلها في مواجهة مثل هذه الأمثلة المضادة التي قد تظهر.
كما أنّهم بذلك فعلوا ما هو ضروري للدفاع عن التوافق، وهذا ليس حسب ما يرى فان إنفاجن، وإنّ التحليل الخاص للقدرة الذي يقدمه المتوافق كما يراه هو مجرد أحد افتراضاته في الواقع، ويجب الدفاع عن الافتراضات.
تتمثل وجهة نظر فان إنفاجن في أنّه شريطة أن يكون عدم التوافق قد قدم حججًا للادعاء بأنّ مثل هذه القدرات غير متوافقة مع الحتمية، كما هو الحال في عرض فان إنفاجن فإنّ إنتاج التحليل لا يمثل إجابة لهذه الحجج حتى الآن، ولهذه الحجج هي أيضًا حجج من بين أمور أخرى ضد حساب التوافقية المفضل للقدرة.
صعوبات التوافقي في نظرية القدرة:
إذن هناك عدة عقبات أمام التوافقي الذي يرغب في اللجوء إلى حساب القدرة في الدفاع عن التوافقية:
1- أولاً هناك صعوبة عامة في إعطاء نظرية كافية للقدرة على نطاق واسع.
2- بالإضافة إلى ذلك لقد طرحنا الآن اثنين من التحديات الأكثر تحديدًا للتوافق، فهناك وجهة نظر فان إنفاجن التي تم توضيحها للتو وهي أنّ الحجج الخاصة بعدم توافق القدرات والحتمية هي من بين أمور أخرى حججًا ضد أي نظرية للقدرة تتناسب مع التوافق.
3- وأخيرًا هناك النقطة التي يتم مواجهتها في النزعة الجديدة، وهي أنّ بعض الأفكار المبتذلة حول القدرة، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بأحكام معينة حول المسؤولية الأخلاقية، والتي قد تكون متمردة تجاه المعالجات التوافقية.
هذه الصعوبات مجتمعة مع بعضها يبدو أنّها تشكّل عقبة خطيرة أمام أي نظرية للقدرة، والتي تتوافق مع الحتمية وتتوافق مع أحكامنا العادية حول ما تتطلبه القدرة.
ماذا يقول التوافقي في ظل هذه العقبات؟
تكون إحدى الإجابات في التمييز بين نوعين من المشاريع التوافقية، حيث يتمثل أحد المشاريع في إقناع شخص ما تحركت وانتقلت بسبب حجج عدم التوافق بالتراجع عن منصبها وموقفها، ويتم تسمية هذا بالتوافق الطموح.
فللأسباب التي قدمها فان إنفاجن على وجه التحديد، من المشكوك فيه أن تكفي أي نظرية للقدرة للدفاع عن التوافق الطموح، ومع ذلك هناك مشروع آخر قد يكون التوافقي مشاركًا فيه، ولنفترض أنّها لسبب أو لآخر غير مقتنعة بحجة عدم التوافق، بحيث لا تزال تحمل عبئًا توضيحيًا، وهو أن تشرح حتى لو كان ذلك فقط لإرضائها، وكيف يمكن أن تتوافق القدرات مع حقيقة الحتمية.
هنا لا يتمثل هدف التوافقية في إقناع غير التوافقي بالخطأ في طرقها، ولكن ببساطة للتوصل إلى مفهوم مرضٍ للتوافقية، والذي من الممكن تسمية هذا بالتوافق المتواضع، ولا يتم هذا التمييز غالبًا، وليس من الواضح دائمًا أي من هذه المشاريع يشارك فيها التوافقيون الكلاسيكيون.
إذا كان المشروع الأخير بالفعل جزءًا من التوافق الكلاسيكي، فقد نمنح العديد من النقاط المذكورة أعلاه مع استمرار منح نظرية القدرة مكانًا مركزيًا في دفاعات التوافق، ولأنه قد يكون ذلك على الرغم من أنّ نظرية القدرة لا تفيد التوافق الطموح، إلّا أنّها تلعب دورًا حاسمًا في الدفاع عن التوافق المتواضع.
حتى هذه التطلعات التوافقية مع ذلك قد تكون مفرطة في التفاؤل، أو على الأقل سابقة لأوانها، وفي مسح نظريات القدرة تم إيجاد صعوبات خطيرة، فلكل من المقاربات الافتراضية وغير الافتراضية والتي لا يبدو أنّها تدور حول قضايا حول الحتمية، لذلك قد يكون أفضل أمل للتقدم هو متابعة نظريات القدرة مع تحديد جانب واحد للمشاكل التي أثيرت في مناقشات الإرادة الحرة.
ونظرًا للصعوبات التي تفرضها القدرات، وبالنظر إلى أهمية نظريات القدرة في مجالات الفلسفة البعيدة تمامًا عن نقاشات الإرادة الحرة، هناك شيء يمكن قوله لمتابعة نظرية القدرة مع تبني ولو مؤقتًا، هدوءًا معينًا حول الألغاز التي قد تطرحها الحتمية.