فلسفة القوانين لجيرمي بنثام

اقرأ في هذا المقال


“ما هو مصدر هذا القلق السابق لأوانه لتأسيس قوانين أساسية؟ إنّه تصور قديم بأن تكون أكثر حكمة من جميع الأجيال القادمة -أكثر حكمة من أولئك الذين لديهم خبرة أكبر- والرغبة القديمة في السيطرة على الأجيال القادمة والوصفة القديمة لتمكين الموتى من تقييد الأحياء”.

جيرمي بنثام

فلسفة بنثام في القانون المدني والاقتصاد السياسي:

الأهداف التابعة للقانون المدني هي الأمن والمعيشة والوفرة والمساواة، في ترتيب الأولويات هذا كتب بنثام: “المتعة الأكثر كمالًا هي من كل هذه النواحي وكلما كان مجموع السعادة الاجتماعية أعظم وخاصة السعادة التي تعتمد على القوانين وعندما يكون هناك وفرة ويتم التدخل التشريعي وفقًا لمبدأ منع خيبة الأمل” مثل عندما تأخذ الدولة ملكية عقار لا يوجد وريث شرعي لها، أو عندما يمكن لضريبة على الممتلكات يتم تقديمها دون الانتقاص ماديًا من توقعات الشخص، وعندها يمكن تحقيق درجة من المساواة من خلال إعادة توزيع الثروة.

وهذا يتفق تمامًا مع الرأي القائل بأنّ مبدأ المنفعة إذا فهم بشكل صحيح يستلزم افتراضًا لصالح التوزيع المتساوي، وما لم يكن هناك دليل تجريبي مقنع على أنّ هذه السياسة لن تخدم المنفعة، وكما قال بنثام في المبادئ التوجيهية لقانون دستوري: “كلما كانت الأسهم بعيدة عن المساواة، قل مجموع السعادة الناتج عن مجموع تلك الأسهم”.

كما تدعم نظرية “تناقص المنفعة الحدية” سياسات التكافؤ حيث تملي على أنّ التناقص في ثروة الرجل الغني يسبب ألمًا أقل من الانخفاضات المماثلة للرجل الفقير، في حين أنّ الإضافات إلى ثروة الرجل الفقير تجلب السعادة في أكبر مما لو كان الرجل غنيًا.

في المبادئ الأولى التحضيري للقانون الدستوري ذهب بينثام إلى أبعد من ذلك ليفترض أنّ أعظم سعادة للناس تتطلب أن يتم مشاركة الأدوات الخارجية للسعادة مهما كانت، ومن قبل العدد الكامل بنسبة قريبة جدًا من المساواة كما هو متسق مع الأمن العالمي.

ومع ذلك فقد رفض تأييد الفكرة القائلة بأنّ سياسات إعادة توزيع الثروة على حساب الأمن ستكون مفيدة إما للازدهار الاجتماعي أو رفاهية الفرد، ولذلك يجب إجراء مقترحات تعديل توزيع الثروة بما يتماشى مع تناقص المنفعة الحدية وفقًا لمبدأ “منع خيبة الأمل”.

ومن ناحية أخرى اعتقد بنثام أنّ نظامًا من القوانين يقوم على مبدأ المنفعة سوف يتطور بشكل تدريجي وبشكل غير مباشر، ونحو مزيد من المساواة في توزيع السلع، وأشار إلى الأدلة التاريخية لأوروبا ما بعد الإقطاعية لدعم موقفه، وعلى المدى الطويل يكمن مفتاح تحقيق توزيع أكثر عدالة للممتلكات في الوفرة: “في أمة مزدهرة في زراعتها ومصنوعاتها وتجارتها هناك تقدم مستمر نحو المساواة”.

والتحذير المهم الذي قدمه بنثام لتبرير هذا التفاؤل هو الشرط الذي ينص على أنّ الحكومة يجب ألّا تعرقل هذا الاتجاه من خلال السماح بالاحتكارات أو وضع “قيود” على التجارة والصناعة أو وضع عقبات في طريق تقسيم الملكية على الميراث.

يعتقد بنثام أنّ تسهيل الأفراد في السعي وراء مصالحهم في السوق الحرة هو ما يجب أن تفعله الحكومة، لأنّ هذه هي أفضل طريقة مثبتة لتعظيم الصالح العام، وعندما لا ينتج عن سياسة عدم التدخل أفضل نتيجة يجب على المشرع أن يتصرف بطرق أخرى مباشرة وغير مباشرة لتحقيق النتيجة المثلى.

ولكن السؤال كما أوضح بنثام في دليل الاقتصاد السياسي هو معرفة ما يجب وما لا يجب أن تفعله الحكومة، ومن وجهة النظر هذه وفي هذا الرأي فقط فإنّ معرفة ما يتم القيام به ويحدث دون تدخل الحكومة يمكن أن يكون ذا فائدة عملية.

في معهد الاقتصاد السياسي جادل بأنّ التجربة السابقة قدمت أدلة كافية لإقناعنا بأنّ الحكومات لا ينبغي أن تتصرف في المجال الاقتصادي بقدر ما تفعل في كثير من الأحيان، ومن هنا جاء شعار “اصمت” وقوائم البنود غير المدرجة في جدول الأعمال، وعندما تكون هناك حاجة للخروج عن هذه القاعدة العامة كما هو الحال عندما يتم تسعير سلع المعيشة الحيوية خارج متناول الكثيرين فإنّها تصبح عناصر “جدول أعمال” للحكومة.

لكن المخططات الجذرية لإعادة توزيع الممتلكات مستبعدة، هو الشرط البديهي الذي يقضي بمعاملة كل فرد على قدم المساواة، وأن يتم احتساب سعادة كل منهما وسياسات مبررة للمساواة في توزيع السلع فقط حيث يمكن تحقيق ذلك دون خيبة الأمل في التوقعات المشروعة.

فلسفة بنثام في قانون العقوبات والجزاء:

يرتبط القانون المدني وقانون العقوبات ارتباطًا وثيقًا بنظرية بنثام القانونية، مثلما أنّ الهدف الأساسي للقانون المدني هو الأمن الاقتصادي والازدهار الوطني فإنّه يستمد دعمًا قويًا من الحماية الممنوحة للأشخاص والممتلكات والتوقعات من خلال التهديد بالعقاب.

وتحقيقا لهذه الغاية تم تأطير قانون العقوبات النفعي من حيث الهدف الرئيسي للردع ولكنه يشمل أيضًا الغايات الثانوية للعجز والإصلاح الأخلاقي والتعويض، وتعتمد فعالية النظرية في الممارسة على سمتين إضافيتين:

  • يجب تصنيف الجرائم على أساس الضرر المرتكب فقط.
  • يجب أن تكون هناك نسبة مناسبة بين الجرائم والعقوبات، بسبب فشلها في تلبية السمة الأولى رفض بينثام التجريم السائد للأفعال الجنسية بالتراضي، وطور أول دفاع منهجي عن الحرية الجنسية في اللغة الإنجليزية.

عند تحديد النسب المطلوبة من العقوبة أدرك بنثام أنّه حمل المشرع بمهمة معقدة للغاية، حيث حساب الكمية الصحيحة ونوع الألم اللازمين لتحقيق الغايات المرجوة ولا سيما هدف الردع، ولتوجيه المشرع في توزيع العقوبات على الجرائم نص على ثلاثة عشر قاعدة أو شرائع مثل أنّ العقوبة يجب أن تفوق ربح المخالفة والمجازفة بجريمة أكبر من جريمة صغيرة ومعاقبة كل جزء من الأذى وما شابه.

فلسفة عقوبة الإعدام لجيرمي بنثام:

إنّ تحديد مثل هذه المبادئ التوجيهية للحماية من العقوبات غير الصارمة أو المفرطة هو مؤشر على محاولته أن يكون شاملاً ودقيقًا قدر الإمكان مع مراعاة الجوانب العملية، ولا يتجلى هذا في أي مكان أكثر من تحليل بنثام النقدي لعقوبة الإعدام.

درس بنثام لأول مرة فائدة عقوبة الإعدام في سبعينيات القرن الثامن عشر عندما حدد مبادئ قانون العقوبات، وتبع ذلك بمقال غير منشور في عام 1809 الذي قدم نقدًا لدفاع ويليام بالي عن عقوبة الإعدام في كتابه مبادئ الفلسفة الأخلاقية والسياسية (1785)، ولا سيما استخدام العفو التقديري.

تكرر مقالة قصيرة أخرى بعنوان “عن عقوبة الموت” نُشرت عام 1830 العديد من الحجج من المقالة الأولى، ويمكن القول إنّ تحليل بنثام النفعي للقضايا التي أثارتها عقوبة الإعدام في أولى هذه المقالات يعتبر الفحص الأكثر شمولاً للمسألة حتى هذا الوقت، باختصار إنّه تطبيق خاص لنظريته النفعية في العقوبة.

يتم تقديم إطار التحليل على أنّه ممارسة موضوعية ومحايدة يتم من خلالها تقييم فوائد وتكاليف عقوبة الإعدام في قضايا القتل مقارنة بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة وكل الأشياء التي تم أخذها في الاعتبار، ويعتقد بنثام أنّ ثقل الحساب يعمل ضد عقوبة الإعدام على أساس الردع وحقيقة أنّها غير منصفة في تطبيقها وتقع بشكل أساسي على أكتاف الفقراء ولأنّها شكل من أشكال العقوبة التي غير مسموح به في مواجهة الخطأ القضائي.

ومع ذلك فقد اعتقد في ذلك الوقت أنّه يمكن الإبقاء على عقوبة الإعدام بشكل معقول في حالة القتل في ظروف مشددة وفي حالات الخيانة التي قد يكون فيها اسم الجاني طوال حياته كافياً لإبقاء أمة بأكملها في حالة اشتعال، وبحلول عام 1809 تخلى عن الاستثناءات وجادل بأنّه لا توجد جريمة تبرر عقوبة الإعدام.

فلسفة بنثام في الغايات والمبادئ والأحكام التابعة:

منذ وقت مبكر من تنظير جيرمي بنثام النفعي أدرك بنثام أنّ تحقيق الأهداف النفعية في الممارسة يتطلب ترجمة مبدأ المنفعة إلى عناصر قابلة للتنفيذ بطرق لا يمكن أن يكون بها المبدأ التجريدي الفلسفي نفسه، ويمكن العثور على مظاهر السعادة الملموسة، فعلى سبيل المثال في الأمن الشخصي وتقليل معدلات الجريمة وتحسين الصحة وانخفاض معدلات الوفيات وفرص أوسع للتعليم والحد من الأمراض الناجمة عن تلوث مياه الصرف الصحي وما إلى ذلك.

سيوفر القياس الإحصائي لهذه القضايا وغيرها أساسًا قويًا لتشريح القانون الحالي وتطوير قانون جديد، لكن تعطش بنثام لمثل هذه المعلومات كان دائمًا قبل البيانات المتاحة بوقت طويل، ونتيجة هذا النقص لم يمنعه من تطوير الجهاز النظري لتوجيه صياغة مثل هذه القوانين.

عند تأسيس نظام قانوني قائم على مبدأ المنفعة أعلن بنثام قرب بداية حياته المهنية بقوله: “لا أفعل أكثر من مجرد العثور عليه على مجموعة من القواعد”، وكان هذا أكثر من ملاحظة هيومان بأنّ الأداة المساعدة مضمنة في القواعد العرفية التي تطورت بمرور الوقت، تطلب تعظيم المنفعة أن يلقي الفقيه نظرة “رقابة” على الممارسات القائمة لاختبار قدرتها على تعزيز أكبر قدر من السعادة.

وعندما يكتشف الفقيه وجود أوجه قصور يجب تطوير قواعد ومبادئ جديدة تتوافق بشكل واضح مع مبدأ المنفعة، واتخذ هذا الأمر بين يدي بنثام شكل عدد كبير من الغايات الثانوية والمبادئ والأحكام المصممة لإعطاء التوجيه العملي لمبدأ المنفعة في كل جانب من جوانب القانون.

ويحدد مبدأ السعادة الأعظم الهدف الشامل وهو المعيار الحاسم الذي يتم من خلاله الحكم على الممارسات الحالية، وعلى هذا النحو فهو جاهز دائمًا للاستدعاء عند الحاجة إلى إرشادات جديدة أو إنهاء الصراع الثانوي أو تتطلب القوانين الحالية تعديلًا أو تنقيحًا أو مزيدًا من التفصيل، ومع ذلك في الممارسة العملية فإنّ العناصر الثانوية للنظرية هي التي تعمل على تحقيق نتائج مفيدة، وبهذه الطريقة فإنّهم يعطون تجسيدًا عمليًا للنهاية المجردة فلسفيًا لأعظم سعادة.


شارك المقالة: