لم ينتج فرانسيس هربرت برادلي أبدًا كتابًا يتحدث فيه عن الفلسفة السياسية، كما أنّ الأوراق القليلة المنشورة التي تتناول مواضيع اجتماعية وسياسية تقدم آراء لا تختلف عن الموقف الذي حدده في الدراسات الأخلاقية، على وجه الخصوص في المقال الخامس الذي أخذ عنوان محطتي وواجباتها.
فلسفة وآراء برادلي السياسية:
من هذا النص يمكننا أن نرى أنّ برادلي كان سينحاز إلى الجماعات الشيوعية في القرن العشرين الذين عارضوا النظريات السياسية الفردية لراولز ( Rawls) ونوزيك (Nozick)، وفيما يتعلق بالمناقشات الأكثر حداثة حول الحياد الليبرالي والتي يقدم فيها الليبراليون الادعاء بأنّ المؤسسات السياسية وقوانين المجتمع والهياكل المؤسسية يجب ألّا تعكس أي مفهوم معين للخير،
فلقد انحاز برادلي بلا شك إلى معارضي الحياد الذين يعتقدون أنّ الجماعات الثقافية والعرقية والدينية وغيرها من الجماعات المماثلة لديها مجموعة من القيم التي تعتبر مركزية بالنسبة لمن هم والتي يشعرون بحق أنّهم بحاجة إلى حمايتها.
وبالمثل تتوافق آراء برادلي بشأن الحقوق الفردية مع الشمولية الاجتماعية لـ (محطتي) حيث عارض الحقوق الطبيعية واعتبر الحقوق بنيات اجتماعية، وفي الواقع في ورقة بحثية في عام 1894 تحالف مع النفعي في الادعاء بأنّ الرفاهية العامة لها الأسبقية على حقوق الأفراد وذهب إلى حد القول إنّ: “حق الكائن الأخلاقي مطلق” على وضد حقوق أعضائها في إحدى نقاشات العقوبة حيث يأخذ على محمل الجد مبدأ الجراحة الاجتماعية الذي يؤخذ على أنّه “حق وواجب الكائن الحي لقمع نموه غير المرغوب فيه”.
وكل هذا يتوافق مع الادعاء الوارد في الدراسات الأخلاقية بأنّ المعايير والمطالب الأخلاقية للمجتمع -وضمنًا قبول المؤسسات السياسية للمجتمع- لها مطالبة أولية على أفراد ذلك المجتمع.
أدرك برادلي أيضًا أهمية التنشئة الاجتماعية والتعليم الذي يرفع الإنسان من مستوى رغباته ودوافعه الأساسية إلى المستوى الذي يصبح فيه ويُعترف به كعامل أخلاقي عقلاني، وفقط إذا تعلم المرء اللغة المعيارية للمجتمع ويظهر من خلال سلوكه أنّ القيم والمعايير مفهومة وأنّ الفرد قادر على التصرف بها في الاعتبار، فهل يتم التعرف على الشخص كعضو في المجتمع الأخلاقي ويتم التعامل معه كعضو كامل ومتساوٍ يمكن تفسيره وتأخذ القيم المضمنة في المؤسسات الاجتماعية والسياسية للمجتمع وانعكاسها في الاعتبار في عملها الطوعي.
تفاعل وترابط الأخلاق والسياسة:
لا يتم إنشاء المؤسسات الاجتماعية والسياسية من قبل الأفراد الذريين من بعض المواد البدائية ما قبل الاجتماعية، وهذا يشير إلى المكان الذي تسوء فيه نظريات العقد الخاصة بالدولة، وخطأهم الأساسي هو الاعتقاد بأنّ الحديث عن الأفراد المستخرجين من جميع العلاقات الاجتماعية سيكون له أي معنى.
ويتفاقم هذا الخطأ بافتراض أنّ الأفراد هم حاسبات عقلانية خالصة بدون ارتباط عاطفي بالآخرين من حولهم الذين يدخلون في تعاون اجتماعي فقط لتحقيق مكاسب شخصية، وثم يتم ربط هذا الخطأ بالخطأ السابق في نظريات مثل جون لوك عندما يُزعم أنّ هؤلاء الأفراد الذريين المجردة يدخلون في حالة التعاقد مع مجموعة من الحقوق الطبيعية التي يعتبرونها قيودًا دائمة على ما يمكن للآخرين فعله.
اعتقد برادلي وجميع المثاليين البريطانيين أنّ النظريات التعاقدية والمقاربات الفردية للعلاقات الاجتماعية والسياسية كانت تؤسس فلسفاتهم السياسية على وجهات نظر خاطئة عن الطبيعة البشرية والمجتمع البشري، وباختصار كانت أخطائهم الأساسية أخطاء في الميتافيزيقيا.
على الرغم من أنّه ليس موضوعًا لهذه المناسبة وأنّه سيكون من المفيد التفكير في ما قاله معاصروه فيما يتعلق بالتفاعل بين الأخلاق والنظرية السياسية، وحول هذه المسألة فإنّ عمل الفيلسوف توماس جرين في الأخلاق ومحاضراته حول الالتزام السياسي يستحق الاستشارة.
علاوة على ذلك فإنّ الطالب في هذه الفترة من تاريخ الفلسفة الأخلاقية البريطانية سيحسن صنعًا إذا قارن بين كتابات جرين وبرادلي وهنري سيدجويك، حيث نُشرت هذه الأعمال الثلاثة في نفس الوقت تقريبًا وهي:
1- طرق سيدجويك في عام 1874.
2- دراسات برادلي الأخلاقية في عام 1876.
3- مقدمة جرين للأخلاق بعد وفاته في عام 1883.
حيث توفر هذه الأعمال مجتمعة تقييمات مهمة لكتابات المنظرين الأخلاقيين السابقين مثل إيمانويل كانط وجون ستيوارت ميل، هذا بالإضافة إلى مناقشات مثيرة للاهتمام حول علم النفس الأخلاقي والمفاهيم الأخلاقية المركزية ودور النظرية الأخلاقية.
وهذه كلها نصوص صعبة ومعقدة مما يجعل الدراسات المقارنة لآرائهم شاقة إلى حد ما، ولحسن الحظ ظهرت بعض الدراسات مؤخرًا والتي تقدم مقدمات مفيدة لمثل هذه الدراسة المقارنة خاصةً دراسات ماندر (Mander) للمثاليين البريطانيين وفصول إيروين (Irwin) عن سيدجويك وجرين وبرادلي في تاريخه الأخلاقي.