فلسفة برادلي ومفهوم الاستدلال

اقرأ في هذا المقال


ينتقل الفيلسوف فرانسيس هربرت برادلي في الكتابين الثاني والثالث إلى موضوع الاستدلال المهم، وهناك مشكلة ناشئة عن التمييز بين الأحكام التحليلية والتركيبية للحس المقدم في الكتاب الأول، من حيث أنّ الأحكام التركيبية تنقلنا إلى ما هو أبعد مما ورد في التجربة المباشرة ويجب أن تتضمن نوعًا من الاستدلال.

فلسفة برادلي في سمات الاستدلال:

في كتاب عن مبادئ المنطق يجب أن يتعامل برادلي أيضًا مع العقيدة التقليدية للقياس المنطقي والتي تم اعتبارها جوهر الاستدلال الاستنتاجي، ويقترح برادلي في الكتاب الثاني التعامل مع الاستدلالات الاستنتاجية المتفق عليها عمومًا على أنّها صحيحة دون التعمق في التحقيق ثم الانتقال في كتاب ثالث إلى نظرية أساسية تهدف إلى تغطية جميع أشكال الاستدلال.

بحيث يبدأ بتحديد ثلاث سمات للاستدلال يصعب الاختلاف معها:

1- أولاً: يعتمد استنتاج الاستدلال على عملية التفكير التي يتم من خلالها الوصول إليه.

2- ثانيًا: تستند العملية على أساس “بالاستدلال نتقدم من الحقيقة المقتناه إلى حقيقة أخرى”.

3- ثالثًا: يجب أن يكون هناك فرق بين الأساس والاستنتاج وإلّا فإنّ الاستنتاج المفترض هو “تكرار لا معنى له”.

يضع برادلي قائمة بأشكال الاستدلال الاستنتاجي ويضع شبكته على نطاق أوسع لالتقاط العينات التي لا تظهر عادةً في الكتب المدرسية في ذلك اليوم، ولا يمكن اعتبار القياس المنطقي التقليدي أساسيًا لأنّه لا يغطي جميع الأشكال التي أدرجها برادلي مثل تلك التي تم تمكينها بواسطة العلاقات متعدية.

حيث يصف برادلي عملية الاستدلال بأنّها عملية توليف والتي تأخذ بياناتها وتجمعها من خلال البناء المثالي في كل منها، ومع ذلك يتطلب الاتصال المنطقي معادلة متطابقة في الروابط المشتركة مثل الحد الأوسط في القياس المنطقي، فالخطوة الأولى هي تكوين الكل، أما الخطوة الثانية هي استخلاص النتيجة المتصورة داخل الكل بحذف الأجزاء التي لم تعد ذات أهمية، وينكر برادلي وجود أي مبدأ عام من شأنه أن يكون بمثابة اختبار لصحة التفكير، والقياس المنطقي التقليدي لا يصل إلى الوظيفة ولا يمكن العثور على بديل.

الرابط المشترك المطلوب للجمع بين الافتراضات هو نفس الشيء ومختلف، حيث إذا لم يكن مختلفًا فلن يكون هناك شيء للاتصال به وإذا لم يكن هو نفسه فلن يكون هناك اتصال، ولكن كيف يمكن أن يكون لدينا هوية واختلاف معًا؟ فالحل هو أنّ المصطلح الشائع هو محتوى مثالي بحيث يظهر في سياقين متعددين ويختلف بينهما.

أنواع المعادلة المتطابقة في فلسفة برادلي:

تعتمد عملية الاستدلال كليًا على هذه الهوية في الاختلاف، ومع ذلك هناك نوعان مختلفان جذريًا من المعادلة المتطابقة لا يميزها برادلي في هذه المرحلة:

1- هناك شخصيات عالمية: وهي متطابقة في مختلف أشكالها (المسلمات المجردة).

2- هناك كائنات فردية: وهي تظل متطابقة طوال مظاهرها المختلفة (المسلمات الملموسة).

قد يجمع هؤلاء الأفراد شخصيات متناقضة إلى حد ما وإذا كانت ممتدة في الفضاء أو تدوم في الوقت المناسب، فقد كان قيصر في بلاد الغال، وقيصر في إيطاليا ويمكن أن يوفر كلا النوعين من المعادلة المتطابقة في الاختلاف أساسًا للاستدلال حتى ضمن المنطق القياسي التقليدي، ومن خلال اقتراح أنّ الاستدلال يحدث فقط من خلال تطوير محتوى مثالي وليس من خلال الإشارة إلى كائن فردي يقوض برادلي الحكم المفرد ويمهد الطريق لعقيدة منطقية تقلل من درجته.

الاستدلال الاستقرائي في فلسفة برادلي:

يبدو أننا غالبًا ما نستنتج من التحديد إلى التفاصيل، حيث نلاحظ أنّ فيدو (اسم الكلب) ينبح عندما يقترب منه شخص غريب، حيث نستنتج أنّ روفر (اسم الكلب) سيفعل الشيء نفسه، وهنا ينكر برادلي أنّ مثل هذه الاستنتاجات تتضمن ضمنيًا التعميم الاستقرائي بأنّ جميع الكلاب تنبح عند الاقتراب من الغرباء، وذلك نظرًا لأنّ الناس سعداء تمامًا بالاستدلال من (Fido) إلى (Rover) قد يحجمون عن إصدار ضمان عام لجميع الاستنتاجات من هذا النوع.

هذا لا يعني مع ذلك أنّ المسلمات ليست متورطة، ويستند الاستدلال إلى نباح روفر على ارتباط المحتوى المثالي المكتسب من خلال اللقاء مع فيدو.

يتحول برادلي الآن إلى التعميم الاستقرائي الذي من خلاله نصل إلى نتيجة حول جميع أعضاء فئة معينة عندما تم فحص بعض الأعضاء فقط، وهذه الساحة هي أرض الختم لجون ستيوارت ميل الذي وجه برادلي نيرانه ضده، وحتى لو كانت طرق ميل مفيدة وتوافق الكتب المدرسية القياسية على أنّها ليست سليمة منطقيًا، يؤيد برادلي الانتقادات المعتادة ويضيف نقطة مفادها أنّها على أي حال لا تأخذنا من مجرد تفاصيل إلى حقائق عامة لأنّ الحقائق التي تبدأ منها تم تصورها بالفعل على أنّها أمثلة لأنواع عامة.

فلسفة برادلي في الاستدلال والحكم:

مع هذا المفهوم الأوسع للاستدلال يصبح من الصعب فصل الاستدلال عن الحكم، ومن المؤكد أنّ الأحكام التركيبية للحس تتضمن مكونًا استنتاجيًا جوهريًا، ولكن حتى الحكم الذي يأتي مباشرة من العرض يبدو أنّه يتضمن التحليل والتوليف الذي يميز الاستدلال، ويتضمن الحكم التجريد من الكتلة المحسوسة وبالتالي التحليل.

الأحكام التي تحدد شخصيات مختلفة للواقع تنطوي على توليف، ومن المؤكد أنّ برادلي حريص على الاحتفاظ بالتمييز بين الحكم والاستدلال، فالاستدلال هو تجربة يتم إجراؤها على مسند، بينما في أحكام الإدراك لا يوجد مسند صحيح، ولهم أساس لكن هذا الأساس للعقل لا شيء حيث إنّه كل حسي محسوس فقط وليس مثاليًا.

والحكم مطلوب لتوفير المحتوى المثالي الذي يبدأ منه الاستدلال، وفي أحكام الإدراك ليس لدينا أساس منطقي لتبرير نتيجتنا والأشياء والتي يتم توجيه الفعل عليها فهي ليست فكرية، ويمكننا الآن ربما توضيح ذلك من خلال توضيح أنّ الأشياء المعنية محددة بمصطلح جماعي.

ومع ذلك قد لا يكون التمييز بين الحكم والاستدلال حادًا كما قد يرغب المرء، وكما يتضح عندما يناقش برادلي بدايات حياتنا الفكرية: “إنّ الحكم المبكر يعني عملية، بالرغم من أنّها ليست استنتاجًا إلّا أنّها شيء من هذا القبيل، وسيبدأ التفكير المبكر بمسند رغم أنّه قريب من الحكم إلّا أنّه ليس فكريًا”.

وتبدأ التجربة بتحفيز قادم من المحيط (وهو ما يسميه جون ماكدويل التأثير الغاشم من الخارج) ولكن يجب أن يقابل التحفيز باستجابة مركزية، فالأحاسيس لا تدخل العقل ببساطة، وهم نتاج رد فعل عقلي نشط، بحيث قد تعطينا الحواس الأحاسيس لكن الهدية تحتوي على آثار لشيء مثل الفكر، والواجهة بين الإدراك والمدخلات الحسية ضبابية بالفعل لكن هناك شيئان واضحان، فالاستجابة للحافز ليست تعسفية تمامًا كما أنّها ليست مجرد إعادة تشريع لمعطى ما، ولا شيء يعطى حتى يتم استلامه!


شارك المقالة: