فلسفة بلونديل في كتاب الحدث وبعض المفاهيم الواردة فيه

اقرأ في هذا المقال


الحدث أو العمل (L’action): هو مقال عن نقد الحياة وعلم الممارسة مع تعديلات طفيفة، وهي الأطروحة التي دافع عنها الفيلسوف موريس بلونديل في جامعة السوربون، وهذا العمل على الرغم من موقعه المبكر جدًا في مجموعة أعمال بلونديل ولكنه ربما يكون أشهر أعماله، وعلى الرغم من عدم شمولية أعماله اللاحقة يتم التعامل مع العديد من الموضوعات التي تهيمن على عمله في الحدث، ولهذا السبب توفر هذه المقالة أكبر مساحة لملخص هذه الموضوعات كما هو موجود في هذا العمل.

أقسام وفلسفة كتاب الحدث:

يتكون النص من خمسة أقسام رئيسية وتطوير الظواهر الديالكتيكية والأنطولوجيا لموضوع الفعل وعلاقته بالتعالي، كما يبدأ بلونديل في المقدمة بتحديد العلاقة بين التخمين والفعل ومن خلال مناقشة استحالة حل مضاربة بحت أو حتى تحديد المشكلة التي يطرحها الإجراء، ويجب على الحالة الإنسانية التصرف دون أن يكون لها مطلقًا رفاهية اتخاذ موقف تخميني بحت قبل التورط.

في الوقت نفسه فإنّ هذا الشرط المتمثل في الانغماس بالفعل في موقف الفعل والإجراء الذي اتخذه المرء بالفعل والإجراء الذي لم يتخذه المرء بعد، ويوفر للموضوع إمكانية المعرفة بشروط وقرارات الإجراء في كلا النوعين وهما معرفة الذات ومعرفة الواقع، ولذلك فإن الالتزام لا يمنع الموضوعية التخمينية بل هو شرط الإمكانية.

في الواقع سيذهب بلونديل إلى حد المطالبة بأنّ فهم الفعل يجب أن يصل إلى نقطة (العلم)، ومع ذلك العلم الذي يجب أن يتجاوز حدود مفهوم العلم على أنّه مجرد موضوعي، وإنّ ما يعنيه بلوندل بالعلم في هذا السياق مشابه لما يعنيه هيجل بالعلم في مناقشاته في فينومينولوجيا الروح وعلم المنطق، وهذا العلم متخصص أيضًا في موضوع المعرفة والعمل.

يركز بلونديل تحقيقه على الفعل بالتحديد لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة للتشكيك في كل شيء، والمضي قدمًا دون الاعتماد كليًا على أي افتراضات مسبقة أو قرارات مسبقة، وهذا مع ذلك قاده إلى مفهوم مركزي وتجربة وهي الإرادة (volonté) وفي المركز ذاته العقدة المشتركة بين العلم والأخلاق والميتافيزيقيا لكيانه.

فلسفة بلونديل في تحديد الذات أخلاقيًا:

في الجزء الأول يسأل بلونديل عما إذا كانت مشكلة العمل ضرورية في المقام الأول أو ما إذا كان يمكن تجنبها، ومن خلال مشكلة الفعل يعني بلونديل مشكلة تحديد الذات أخلاقيًا من خلال درجة معينة من التفكير والمشاركة داخل الوجود، وليس من الممكن قمع هذه المشكلة أو إبعادها تمامًا عن طريق إنكار إمكانية أو حقيقة الفعل الأخلاقي، ولا في الظهور في خطوة أخرى إلى الأمام وإنكار أي إمكانية للمعرفة الكافية بالوجود، وفي المقام الأول لأنّ هذه المحاولات للإنكار أساس المشكلة لا يزال يجب أن يدّعي بعض الأساس في الحقيقة والعلاقة بالقيمة.

هذا موضوع يظهر مرارًا وتكرارًا في أعمال بلونديل حيث تشير مثل هذه المحاولات السلبية والمثالية في نهاية المطاف لإبعاد المشكلة إلى شكل عميق من الأنانية، وأخذ الذات على أنّها القيمة الحقيقية والواقعية في نهاية المطاف، ومحاولة في نفس الوقت لإزالة أي قيود على الحرية النقية للذات.

يحدث هذا من خلال محاولة إخفاء هذا الموقف من الإرادة وليس فقط للسلطة، ولكن من أجل الحفاظ على شروط استخدام تلك القوة وعن طريق الشك أو العدمية التي تنكر ظاهريًا حقيقة القيم كمظهر خارجي فهو ما يؤكده هذا الموقف حقًا، ومع ذلك هو الإرادة حريتها الخاصة ونوع من الحرية، ومع ذلك غير مشروط بأي شيء غير الذات، وبالتالي لا يمكن لأي إنكار للمشكلة أن يحافظ على نفسه، وليس فقط لأنّها خاطئة ولكن لأنّها تعتمد سرًا على ما قد ترفض تأكيده.

فلسفة بلونديل في مفهوم التشاؤم:

في الجزء الثاني يتساءل بلونديل عما إذا كان يمكن للمرء أن يتخذ باستمرار حلًا سلبيًا لها وهو حل التشاؤم أو الحساسية المأساوية، وبالنظر إلى أنّ مشكلة الفعل لا مفر منها، وهذا الموقف لا يخلو من أساس معين من الحقيقة لأنّ تجربتنا في الحياة ليست تجربة انسجام بسيط بل تجربة خلاف ومعاناة ووجود الشر، فلا يكفي أن نرغب في إنتاج الخير أو حتى أن تظل إرادتنا ثابتة.

كما إنّ التجربة على أساس التشاؤم هي تجربة عبث وغرور في محاولاتنا للتصالح مع الواقع، ويرى بلونديل أنّ هذه الإشكالية حادة بشكل خاص في العصر الحديث ومدعومة بأنماط التفكير المصطنعة للفلسفة النقدية الكانطية.

تنجم الأشكال الحديثة للتشاؤم جزئيًا عن هيمنة نمط فكري ومدفوعًا بالمخاوف المعرفية ويفرض هذه الفواصل الخاطئة في نهاية المطاف، من الناحية المنهجية كما هو الحال في العلوم وبشكل أعم في ظروف الحياة العامة، وإذا تم إنكار إمكانية وجود كلية متماسكة للإرادة والمعرفة والوجود فإنّها تنقسم إلى أوامر من الإيجابيات المجردة التي لا يمكن فهم معناها النهائي.

وفي الواقع التشاؤم هو إنكار مثل هذا المعنى، ومرة أخرى يجد بلونديل في التشاؤم حركة خفية وتوجيهًا للإرادة، فلا يمكن للمتشائم أن يرضي عن الحياة لأنّه يفترض قيمة أعظم غير راضية عن تلك الحياة، أي ملء الوجود وليس مجرد الظاهرة.

فلسفة بلونديل في العلاقة بين الفلسفة والمسيحية:

في الجزء الأخير من العمل الفلسفي الحدث يتحول بلونديل صراحة إلى العلاقة بين الفلسفة والمسيحية وبين الطبيعي والخارق، حيث إنّه يرفض الحجة القائلة بأنّ أي شيء خارق للطبيعة يجب أن يكون من منظور إنساني تعسفيًا، لأنّ البشر ليسوا ببساطة كما أظهرت دراساته عن العمل محصورين فقط في الأنظمة الجوهرية والطبيعية، ويهاجم بلونديل عقم الفلسفة النقدية أوج عصر التنوير لأنّه أغلق الأسئلة بدلاً من الإجابة عليها، لمطالبة الله بإظهار نفسه وأن يحكم عليه الإنسان.

يحدد بلونديل الخطأ الأساسي في عدم الانتباه لظاهرة الفعل، ففي كثير من الأحيان تتعامل الفلسفة مع الفعل على أنّه شيء ثانوي فقط، معتقدةً أنّ البنى المعقولة المحدودة التي تتعامل معها الفلسفة هي الحقيقة نفسها، وبدلاً من ذلك يلعب الفعل دورًا وسيطًا أساسيًا فهو يسمح (لشروط الاحتمال) بأن تكون كذلك وأن تتجلى على هذا النحو، ويرسم بلونديل كنتيجة طبيعية لضرورة الممارسة الواقعية والفعلية من أجل معالجة المشكلة الدينية والتي لها آثار مهمة على الممارسة الفلسفية.

ينهي بلونديل العمل من خلال مناقشة النتائج الطبيعية لذلك ولا سيما المتطلبات الملموسة والخاصة لمثل هذا الأساس العملي، وهذا لا يعني أي نوع من الخصوصية التي يرغب المرء في الحصول عليها، بل بدلاً من ذلك فإنّ الاستجابة الكاملة لمشكلة الفعل والمشكلة الدينية يجب أن تتمحور بالفعل في تاريخ تتوسطه نصوص وممارسات معينة.

وفي الوقت نفسه يشمل هذا أيضًا الفاعلية الفاعلة في التحديد الأكثر عمومية، أي الفكر والوجود وهي منظمة بشكل ديالكتيكي بواسطة منطق لا يسمح لنفسه بأن يُدرج ببساطة في الفكر، أو على أنّه لقد فعلت ذلك لهيجل للعلاقة بين الفكر والكينونة، وهكذا تجد محاولة حل مشكلة الفعل والمشكلة الدينية نفسها عائدة أخيرًا إلى مشكلة نهاية مصير الإنسان.


شارك المقالة: