سعى الفيلسوف جان بودان إلى إصلاح النظام القضائي في فرنسا وصاغ واحدة من أقدم الإصدارات للنظرية الكمية للنقود، كما كان بودان يؤمن بالخرافات حول وجود الملائكة والشياطين، حيث تغطي أعماله موضوعات مثل علم الشياطين والسحر وتتضمن فقرات موسعة عن علم التنجيم وعلم الأعداد.
توزيع القانون العام:
تم نشر بيان القانون العالمي لأول (Exposé du droit universel) مرة في عام 1578 ولكن كما تخبرنا الرسالة الإهدائية للمنهجية، وكانت موجودة بالفعل في شكل مخطوطة قبل اثني عشر عامًا، وعلى عكس الطبعات اللاحقة من العمل التي نُشرت ككتب فقد كانت الطبعة الأولى من البيان على شكل ملصق بقياس 40 × 180 سم تقريبًا ليتم تعليقه على جدران الجامعات.
كان هدف بودان في كتابة بيان القانون العالمي لأول هو الوصول إلى منهجة القانون العالمي، ولقد سعى إلى إدراك ذلك من خلال دراسة التاريخ مقترنة بطريقة المقارنة التي تحلل الأنظمة القانونية المختلفة الموجودة حاليًا أو التي كانت موجودة في الماضي.
يستخدم بودان نفس الأسلوب في أعماله السياسية الرئيسية (République and Methodus) حيث يسمح القانون العام المقارن ودراسته التاريخية لبودان بإقامة نظرية للدولة، ويهتم بودان بالتاريخ العالمي والذي تعد منهجيته مثالاً عليه بنفس الطريقة التي يهتم بها بالقانون العالمي، ويبدو أنّه يمكن استخدام نفس النوع من المنهج التاريخي والمقارن في اكتشافها.
فئات القانون:
وفقًا لبودان ينقسم القانون إلى فئتين:
1- الطبيعي (ius naturale).
2- الإنسان (ius humanum).
وهكذا يرفض بودان التقسيم الثلاثي المشترك القائم على الملخص -القانون الطبيعي وقانون الشعوب والقانون المدني– لأنّه يعتبر الانقسام أكثر ملاءمة، فالقسمان الرئيسيان للقانون الإنساني هما القانون المدني (ius civile) وقانون الشعوب (ius gentium)، كما ينتقد بودان بشدة أساتذة القانون أو الرومانيين لأنّه كتب أنّهم ركزوا بشكل حصري تقريبًا على القانون المدني -ولا سيما القانون المدني للرومان- ونتيجة لذلك لم تتم دراسة قانون الشعوب بشكل صحيح، وبالتالي ليس له منهجية مناسبة.
تكمن مصلحة بودان الشخصية على وجه التحديد في قانون الشعوب لأنّه معني بالقوانين العالمية المشتركة بين جميع الشعوب، وأساليب الرومانيين غير ملائمة لدراسة قانون الشعوب لأنّ القانون المدني يختلف من حالة إلى أخرى ولا يمكن اشتقاق أي حقائق صالحة عالميًا منه، وبهذا المعنى فهو ليس حتى جزءًا من العلوم القانونية، لذلك هناك حاجة إلى طريقة حاسمة جديدة وطريقة تاريخية ومقارنة.
نظام بودان للقانون العام هو قطيعة جذرية مع الأساليب التفسيرية للعصور الوسطى، وطبق فقهاء العصور الوسطى القانون الروماني على مجتمعاتهم ولم يروا أي مشكلة في القيام بذلك، ومع وصول من يسمون بالعلماء الإنسانيين في القرن السادس عشر واستخدامهم لأساليب فقه اللغة الكلاسيكية تم الطعن في التماسك الداخلي وسلطة القانون التشريعي المدني.
السحر:
نُشر كتاب على هوس شيطان السحرة (De la démonomanie des sorciers-On the Demon-Mania of Witches) لأول مرة عام 1580 بالفرنسية وسرعان ما تُرجم إلى اللاتينية عام 1581 والألمانية عام 1581 والإيطالية عام 1587، ونظرًا لتوزيعها على نطاق واسع وطبعاتها العديدة فقد حملها المؤرخون المسؤولية عن ملاحقات السحرة خلال السنوات التي تلت نشرها.
لقد حير العديد من القراء بسبب الطابع غير المتسامح للهوس الشيطاني، حيث كان لدى بودان إيمان قوي بوجود الملائكة والشياطين وكان يعتقد أنّهم يعملون كوسطاء بين الله والبشر، ويتدخل الله مباشرة في العالم من خلال عمل الملائكة والشياطين، وكانت الشيطانية إلى جانب الإلحاد وأي محاولة للتلاعب بالقوى الشيطانية من خلال السحر أو السحر الطبيعي خيانة لله وتعاقب بقسوة شديدة، ولذلك فإنّ السبب الرئيسي لمعاقبة شخص من السحر هو تهدئة غضب الله وخاصة إذا كانت الجريمة مباشرة ضد عظمة الله بمثل هذا.
تم منح بودان الحافز لكتابة (Démonomanie) بعد أن شارك في الإجراءات ضد ساحرة في نيسان 1578، وكان هدفه في كتابة (Démonomanie) هو إلقاء بعض الضوء على موضوع السحرة والذي يبدو غريبًا بشكل رائع للجميع ولا يمكن تصديقه وغير معقول للكثيرين، وعلاوة على ذلك كان العمل بمثابة تحذير لجميع الذين يقرؤونه من أجل توضيح أنّه لا توجد جرائم تقترب من الدنيئة مثل هذه أو التي تستحق عقوبات أكثر خطورة.
أخيرًا أعرب عن رغبته في الرد على أولئك الذين يحاولون في الكتب المطبوعة إنقاذ الساحرات بكل الوسائل، بحيث يبدو أنّ الشيطان قد ألهمهم وجذبهم إلى خطه من أجل نشر هذه الكتب الجميلة، ومن بين هؤلاء حماة السحرة كما وصفهم بودان كان بروتستانتيًا ألمانيًا يُدعى يوهان ويير الذي اعتبر السحرة ضلالات وحزينة بشكل مفرط وأوصى بالشفاء الجسدي والتعليم الديني كعلاج لحالتهم بدلاً من عقوبة جسدية أو الإعدام، وخشي بودان من أنّ هذا قد يدفع القضاة إلى اعتبار السحرة مرضى عقليًا ونتيجة لذلك السماح لهم بالذهاب دون عقاب.
أقسام كتاب هوس الشيطان:
كتاب (Démonomanie) مقسمة إلى أربعة كتب وهي:
1- يبدأ الكتاب الأول بمجموعة من التعريفات.
2- ثم يناقش بودان إلى أي مدى يمكن أن ينخرط الرجال في السحر والتنجيم، والاختلافات بين الوسائل المشروعة وغير المشروعة لإنجاز الأشياء.
3- كما يناقش صلاحيات السحرة وممارساتهم في ما إذا كانت السحرة قادرة على تحويل البشر إلى وحوش أو تحريضهم على الأمراض أو الإلهام بها أو حتى موتهم.
4- الكتاب الأخير عبارة عن مناقشة تتعلق بطرق التحقيق مع السحرة ومقاضاتهم، وتعتمد شدة بودان وصرامته في إدانة السحرة والسحر إلى حد كبير على محتويات الكتاب الأخير من (Démonomanie).
حجج بودان لإنزال العقوبة على السحرة:
يسرد بودان ثلاثة أدلة ضرورية لا جدال فيها يمكن أن تستند إليها العقوبة:
1- حقيقة الحقيقة المعترف بها والملموسة.
2- شهادة عدة شهود سليمين.
3- اعتراف طوعي من المتهم والمحكوم عليه بالجريمة.
لا تعتبر بودان أنواعًا أخرى من الأدلة مثل السمعة العامة أو الاعتراف القسري وأدلة لا جدال فيها، ولكنها ببساطة افتراضات أو أدلة ظرفية تتعلق بالطبيعة المذنبة للشخص المتهم، ويمكن استخدام القرائن في إدانة السحرة وإصدار الأحكام عليهم في الحالات التي لا يتوفر فيها دليل واضح.
فهناك خمسة عشر جريمة بغيضة قد تكون السحرة مذنبة بارتكابها وأقلها كما يؤكد بودان تستحق الموت المؤلم، ومع ذلك لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام إلّا من قبل قاضٍ مختص وبناءً على دليل قوي يقضي على كل احتمال للخطأ، وفي الحالات التي تتطلب أدلة كافية حيث لا يوجد شهود ولا اعتراف ولا أدلة واقعية وحيث توجد مجرد افتراضات حتى قوية منها يعارض بودان حكم الإعدام فيقول: “لا أوصي بذلك بسبب قوة افتراضات تمرير حكم واحد بالإعدام، ولكن أي عقوبة أخرى باستثناء الإعدام يجب أن يكون المرء على يقين تام من الحقيقة لفرض عقوبة الإعدام”.
ربما كان بودان قد اعتبر السحر إهانة لله وبالتالي يستحق عقوبة الإعدام ولكنه مع ذلك يؤمن بسيادة القانون، كما هو الحال في هذا المقطع الآخر حيث يقول بشكل لا لبس فيه: “أنّ تبرئة المذنب خير من إدانة الأبرياء”.