فلسفة بوذا في النيرفانا والسكينة والأسئلة الغير محددة

اقرأ في هذا المقال


النيرفانا في بالي نيبانا وفي الفكر الديني الهندي الهدف الأسمى لبعض تخصصات التأمل، وعلى الرغم من أنّه يحدث في آداب عدد من التقاليد الهندية القديمة، إلّا أنّ المصطلح السنسكريتية نيرفانا يرتبط بشكل شائع بالبوذية، حيث يعد أقدم وأشهر تسمية لهدف المسار البوذي، ويتم استخدامه للإشارة إلى انقراض الرغبة والكراهية والجهل وفي النهاية المعاناة والولادة من جديد، وتعني حرفيًا النفخ أو الانطفاء كما هو الحال عند اشتعال اللهب أو اندلاع حريق.

مفهوم النيرفانا:

في خطبته الأولى بعد التنوير حدد بوذا (مؤسس البوذية) الحقائق الأربع النبيلة (أحد التعاليم الأساسية للبوذية) والثالث منها كان التوقف (نيرودا)، وهذه الحالة من توقف المعاناة وأسبابها هي النيرفانا، فقد دخل مصطلح نيرفانا في لغة غربية للإشارة إلى حالة سماوية أو نعمة، كما كان التقييم الأوروبي للنيرفانا كحالة من الإبادة هو مصدر التوصيف الفيكتوري للبوذية على أنّها دين سلبي ينكر الحياة.

علم بوذا أنّ الوجود البشري يتميز بأشكال مختلفة من المعاناة (الولادة والشيخوخة والمرض والموت)، والتي يتم اختبارها على مدار العديد من مراحل الحياة في دورة إعادة الميلاد المسماة (samsara)، وسعياً وراء حالة تتجاوز المعاناة قرر أنّ سببها -الأفعال السلبية والمشاعر السلبية التي تحفزها- يجب تدميرها.

وإذا كان من الممكن القضاء على هذه الأسباب فلن يكون لها أي تأثير مما يؤدي إلى وقف المعاناة، وكان هذا التوقف هو السكينة، ولم يكن يُنظر إلى نيرفانا على أنّها مكان بل كانت تعتبر حالة من الغياب ولا سيما غياب المعاناة، وما استمر بالضبط في حالة النيرفانا كان موضوع نقاش كبير حول تاريخ التقليد على الرغم من وصفه بأنّه نعيم أي غير متغير وآمن وغير مشروط.

عندما تنطفئ نيران الرغبة والنفور والجهل في لحظة التنوير وتتحرر المجاميع بسبب نقص الفهم، وهذا يسمى تقنيًا نيرفانا مع ما تبقى من الإمساك (saupādisesa-nibbāna)، أو كما يصفها التقليد اللاحق نيرفانا من التلوث العقلي (kilesa-parinibbāna)، ويشير تعبير (ما تبقى من الإمساك) إلى التجمعات الخمسة للكائنات المحررة والتي تستمر في العيش بعد التنوير ولكن بدون حالات عقلية سلبية.

تؤدي مجاميع الكائنات المحررة وظائفها الخاصة ومثل مجاميع أي شخص آخر فإنّها تتقدم في العمر وتمرض وتتعرض لأحاسيس ممتعة وغير سارة حتى الموت، والفرق بين الكائنات غير المستنيرة والمستنيرة هو أنّ الكائنات المستنيرة تستجيب للأحاسيس دون رغبة أو نفور ومع معرفة أعلى بالطبيعة الحقيقية للتجمعات الخمسة.

أنواع السكينة:

إنّ تعريف النيرفانا بدون باقي (anupādisesa-nibbāna) يقول فقط أنّه بالنسبة للكائن المتحرر كل ما يتم اختباره هنا والآن، وبدون سحر مصطلح آخر للإمساك سيتم تهدئته (sīta)، وبما أنّ (الكل) مُعرَّف في بالي نيكياس على أنّه الحواس الست وأغراضها الستة، وهي طريقة أخرى لوصف التجربة النفسية الجسدية الفردية أو المجاميع الخمسة.

ويشير التعبير كل ما يتم اختباره لما يحدث لمجموعات الكائنات المحررة، ويستخدم صراحة تعبير هنا والآن (idheva) ويبدو من المستحيل استنتاج أنّ تعريف النيرفانا بدون الباقي يهدف إلى قول أي شيء عن النيرفانا أو المجاميع بعد الموت، وبالأحرى فإنّه يصف السكينة والتجمعات في لحظة الموت أي لن يكونوا بعد الآن خاضعين للولادة الجديدة وسيصبحون هادئين وساكنين في سلام، والسؤال هو: ما معنى هذا الهدوء أو السكينة؟ ماذا يحدث بعد السكينة للمجموع؟ وهل يعيش عقل الكائنات المستنيرة في سعادة دائمة؟ وهل الكائن المحرر موجود بعد الموت أم لا؟

الأسئلة غير محددة:

تم ترك الأسئلة السابقة الغير محددة (avyākata) من قبل بوذا من بالي نيكياس، فالأسئلة العشرة في بالي نيكياس تسأل عما إذا كان:

1- العالم أبدي.

2- العالم ليس أبديًا.

3- العالم لانهائي.

4- العالم محدود.

5- الجسد والروح شيء واحد.

6- الجسد والروح شيئان مختلفان.

7- الكائن المتحرر (تاغاتا وهو لقب بوذا) موجود بعد الموت.

8- لا يوجد كائن متحرر (تاغاتا) بعد الموت.

9- الكائن المتحرر (تاغاتا) موجود ولا يوجد بعد الموت.

10- الكائن المتحرر (تاغاتا) لا يوجد ولا يوجد بعد الموت.

إجابات بوذا:

لسوء الحظ بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن إجابات سريعة لا يقدم بوذا في بالي نيكياس إجابة مباشرة بنعم أو لا على أي من هذه الأسئلة، وعندما يُسأل بوذا عما إذا كان الكائن المحرر موجودًا أم غير موجود أم كليهما أم لا، فإنّه يضع هذه الأسئلة جانبًا بالقول إنّه:

1- لا يتبنى مثل هذه الآراء.

2- ترك الأسئلة غير محددة.

3- الأسئلة لا تنطبق (na upeti).

تُستخدم أول إجابتين أيضًا للرد على أسئلة حول المحدودية الزمنية والمكانية أو اللانهائية للعالم والهوية أو الاختلاف بين الروح والجسد، والنوع الثالث فقط من الإجابة يُعطى للأسئلة المتعلقة بالكائنات المحررة بعد الموت.

أسباب البراغماتية والميتافيزيقية:

تفسر معظم العروض التقديمية للبوذية المبكرة هذه الإجابات الثلاثة لبوذا على أنّها صمت بليغ حول الأسئلة الميتافيزيقية يرجع أساسًا إلى أسباب براغماتية، أي الأسئلة التي تنحرف عن الممارسة الروحية ولا تساعد على التحرر من المعاناة، في حين أنّ الأسباب البراغماتية لإجابات بوذا لا يمكن إنكارها فمن غير الدقيق فهمها على أنّها صمت حول الأسئلة الميتافيزيقية، وفي الواقع يتعامل بوذا في بالي نيكياس مع العديد من القضايا الميتافيزيقية من خلال تعاليمه عن النشوء غير الذاتي والتابع.

إنّ إجابات بوذا على الأسئلة غير المحددة لا ترجع فقط إلى الأسباب البراغماتية ولكن أيضًا إلى الأسباب الميتافيزيقية حيث أنّ الأسئلة لا تتفق مع مذاهب النشوء غير الذاتي والتابع لأنّها تفترض وجود الذات الدائمة والمستقلة والذات، والتي هي إما محدودة أو لانهائية ومتطابقة أو مختلفة عن الجسد وموجودة أو غير موجودة بعد الموت.

أسباب معرفية وعاطفية:

إلى جانب الأسباب البراغماتية والميتافيزيقية هناك أسباب معرفية وعاطفية لإجابات بوذا حيث أنّ الأسئلة غير المحددة مبنية على الجهل بطبيعة المجاميع الخمسة والرغبة في الوجود الخالد أو عدم الوجود، فالأسئلة هي تعبيرات عن آراء الهوية أي أنّها جزء من مشكلة المعاناة، وإنّ الإجابة على الأسئلة بشكل مباشر لن تحقق أي فائدة حيث أنّ الإجابة بنعم كانت ستعزز المزيد من الرغبة في الوجود الخالد وتؤدي إلى وجهات نظر أبدية، وكان من الممكن أن يؤدي عدم الإجابة على مزيد من الارتباك ويؤدي إلى وجهات نظر عدمية.

في حالة الأسئلة غير المحددة حول الكائن المحرر هناك أيضًا أسباب قاتمة للإجابة (لا ينطبق)، ويوضح بوذا في بالي نيكياس عدم قابلية تطبيق الأسئلة مع تشبيه الحريق المنقرض حيث تمامًا كما أنّه ليس من المنطقي أن نسأل عن الاتجاه الذي انقرضت فيه النار فمن غير المناسب أن نسأل عن حالة محررة ما بعد الموت: “اشتعلت النار متوقفة على وقودها من الحشائش والعصي، وعندما ينفد ذلك إذا لم يحصل على المزيد من الوقود كونه بدون وقود يُحسب على أنّه مطفي”.

وبالمثل فقد تخلى الكائن المستنير عن المجاميع الخمسة التي يمكن للمرء أن يصفه بها، وتحرر من الحساب من حيث المجاميع الخمسة وإنّه عميق ولا يقاس ولا يسبر غوره مثل المحيط.


شارك المقالة: