اقرأ في هذا المقال
- سيمون دو بوفوار روائية وفيلسوفة وناشطة في مجال حقوق المرأة، قصدت أن يتم الصراع الطبقي وكفاح الجنسين في وقت واحد، ففي ربيع عام 1930 كتبت سيمون دو بوفوار البالغة من العمر 22 عامًا في دفتر ملاحظاتها “لا يمكنني الاستسلام للعيش وأن تكون حياتي عديمة الفائدة”، وعندما توفيت في عام 1986 تذكرت الفيلسوفة إليزابيث بادينتر في تكريمها “أيتها النساء أنتم مدينون لها بكل شيء!”، وقد مرت بوفوار خلال القرن العشرين الصاخب بنظرة واضحة على المعارك التي ستخوضها.
- فلسفة بوفوار في الحرية والعنف
- فلسفة بوفوار في الحرية والجسد
سيمون دو بوفوار روائية وفيلسوفة وناشطة في مجال حقوق المرأة، قصدت أن يتم الصراع الطبقي وكفاح الجنسين في وقت واحد، ففي ربيع عام 1930 كتبت سيمون دو بوفوار البالغة من العمر 22 عامًا في دفتر ملاحظاتها: “لا يمكنني الاستسلام للعيش وأن تكون حياتي عديمة الفائدة”، وعندما توفيت في عام 1986 تذكرت الفيلسوفة إليزابيث بادينتر في تكريمها: “أيتها النساء أنتم مدينون لها بكل شيء!”، وقد مرت بوفوار خلال القرن العشرين الصاخب بنظرة واضحة على المعارك التي ستخوضها.
فلسفة بوفوار في الحرية والعنف:
على الرغم من أنّ أول مقال فلسفي لبوفوار كان بيروس وسينياس (Pyrrhus and Cinéas) في عام 1944، فإنّ العديد من المترجمين الفوريين يعتبرونها هي جاءت لتبقى (Came to Stay) في عام 1943 باعتبارها أول غزوة فلسفية لها، حيث إنّه مثال واضح لما تسميه بوفوار الرواية الميتافيزيقية.
تُظهر الرسائل بين مذكرات سارتر وبوفوار لتلك الفترة (نُشرت في الثمانينيات) أنّ كل من بوفوار وسارتر كانا معنيين بمسألة الآخر وقضية سوء النية وديناميات الرغبة، كما كانوا أيضًا يفحصون العلاقة والتوترات بين وضعنا الوجودي الفردي والظروف الاجتماعية التي نعيش فيها تفردنا، حيث إنّها جاءت للبقاء مليئة بالتأملات الفلسفية، وتأملات حول علاقتنا بالوقت مع بعضنا البعض بأنفسنا.
ومع ذلك لا يتم تقديم هذه التأملات في الحجج المنهجية أو يتم الانتهاء منها، ولقد عاشوا في الحياة الملموسة والمثلثة الغامضة لبيير وكزافيير وفرانسواز، والافتتاح باقتباس من هيجل: “كل ضمير يسعى إلى موت الآخر”، وينتهي بقتل فرانسواز لزافيير والذي تروي بوفوار كعمل تواجه فيه فرانسواز وحدتها وتعلن حريتها، فإنّ الرواية لا تؤكد بالضرورة أنّ هيجل مطالبة، وذلك لأنّ الهدف من القتل لم يكن القضاء على الآخر في حد ذاته ولكن تدمير شخص آخر معين كزافيير، والآخر الذي هدد بترك فرانسواز دون الآخر الذي تحبه بيير، حيث إنّ الغموض الوجودي يتفوق على الوضوح الهيجلي.
ومع ذلك فإنّ القضايا التي أثيرت في هذه الرواية الأولى هي الغموض فيما يتعلق بمسؤوليات وحدود الحرية وشرعية العنف والتوتر بين تجربتنا لأنفسنا في نفس الوقت بصفتنا منعزلين ومتشابكين مع الآخرين، وإغراءات سوء النية وفحص العلاقة المخلصة وجوديًا مع الوقت سوف تسود تأملات بوفوار اللاحقة.
فلسفة بوفوار في الحرية والجسد:
في عمل بوفوار هل يجب علينا حرق ساد؟ (?Must We Burn Sade) نكون بعيدون جدًا عن عملها بيروس وسينياس حيث أعلنت بوفوار حريتنا في مأمن من الاعتداء، وفي هذا العمل المبكر عزلتنا حريتنا عن مخاطر العلاقة الحميمة، ففي عملها الجنس الثاني يظل تجنب هذه المخاطر ممكنًا، ولكن الآن يتم تحديد هذا التجنب على أنّه علامة على فشلنا الأخلاقي في عيش غموض حالتنا.
مقال بوفوار هل يجب أن نحرق ساد؟ للأعوام ما بين 1951 و 1952، الذي كتبته ردًا على طلب لكتابة مقدمة لجوستين ساد، وذلك بتفصيل تأثيرات موقف بوفوار المتغير على العلاقة بين الحرية والألفة على انعكاساتها الأخلاقية، ولكن يبقى السؤال الأخلاقي المركزي هو: مشكلة العلاقة الحقيقية بين الإنسان والإنسان دون تغيير.
في الواقع ما يثير اهتمام بوفوار بشأن ساد هو أنّه هو طرح مشكلة الآخر بأقصى شروطها، وما تغير هو فهم بوفوار لدراما الموضوعية المتبادلة، وبمناسبة هذا التغيير يشير هذا المقال أيضًا إلى العودة إلى مسألة مسؤولية الفنان التي أثيرت في عملها الفلسفي أخلاقيات الغموض.
هل يجب أن نحرق ساد؟ يحدد قرار ماركيز بالكتابة كمشروع وجودي وأخلاق أصيلة وسياسة تمرد، وتنسب بوفوار الفضل إلى ساد في الكشف عن الأسرار الاستبدادية للآلة السياسية الأبوية، حيث إنّها متعاطفة مع جاذبيته الطوباوية للحرية ولكنها وجدت أنّ ساد شوه معنى الحرية، وهكذا تعرف بوفوار ساد على أنّه عالم أخلاقي عظيم أيد أخلاقًا غير مرضية.
ساد هو حليف بوفوار ذو وجه جانوس، حيث إنّها لا تدحض ادعاءه بأنّ القسوة تؤسس علاقة بين الذات والآخر فساد محق، كما تكشف لنا القسوة عن بعضنا البعض في خصوصيات وغموض وجودنا الواعي والجسدي، وتخبرنا بوفوار أنّ الطاغية والضحية زوجان حقيقيان وهم متحدون برباط الجسد والحرية.
كما أنّ ساد هو مثال للعاطفة المهووسة المكرسة لمشروع القسوة، وذلك لأنّه يتحمل المسؤولية الكاملة عن اختياراته، ويجب أن يُنسب إليه الفضل في اختيار الحرية وقبوله على أنّه أخلاقي أصيل، ومع ذلك فإنّ هذا لا يجعله شخصية أخلاقية أو معنوية، وذلك لأنّ اختياراته تدمر روابط الإنسانية بين الذات، وعلى الرغم من أنّ وصفه لقوة القسوة يقدم نقدًا مقنعًا لنفاقنا الاجتماعي والسياسي والشخصي، إلّا أنّه لا ينتقد الطرق التي تعتبر بها القسوة تحريفًا للحرية واستغلالًا لضعف الجسد.
وبالتالي فإنّ وصفه لقوى القسوة ومعنى التعذيب غير كامل وغير ملائم، كما توضح حالة الماركيز دو ساد أنّ الأصالة وتحمل المسؤولية عن اختيارات الفرد هي شرط ضروري، ولكنه غير كافٍ لأخلاقيات الحرية الوجودية.
في النهاية وجدت بوفوار أنّ ساد قد تم تضليله (وهذا لا يعني أنّه بريء)، فلقد أخطأ في فهم القوة مقابل الحرية وأساء فهم معاني الإيروتيكية (الشهوانية)، وفي افتتانه بالصراع بين الوعي والجسد كشف ساد عن فشل المشروع السادي، ولأنّه في محاولته أن يفقد نفسه في ملذات الجسد وبهذه الطريقة يختبر كل من غموض كيانه مثل وعيه المتجسد (أو وعيه المتجسد) وحقيقة وجوده للآخرين ومعهم، ويستبدل ساد المشهد بالتجربة الحية وتقبل المعاملات المزيفة للسيطرة والاستيعاب أو التأسيس لعلاقات حقيقية من المعاملة بالمثل والكرم المجاني ولكنه لم يصل إلى الآخر.
مركز حياة ساد في الإيروتيكية وقد فات في حقيقة الإيروتيكية، حيث هذه الحقيقة كما تخبرنا بوفوار لا يمكن العثور عليها إلّا من قبل أولئك الذين يتخلون عن أنفسهم لمخاطر التسمم العاطفي، ونعيش هذا التسمم فنكتشف الطرق التي يتحول بها الجسد إلى جسد الذي يحل كل الحجج ضد فورية روابطنا مع بعضنا البعض ويؤسس أخلاقيات الاستئناف والمخاطرة والضعف المتبادل.
بين أوائل (بيروس وسينياس) وما تلاها من (هل يجب أن نحرق ساد؟) نحن ندرك تأثير ما يمكن أن نطلق عليه تحول بوفوار الفينومينولوجي للجسد، وبمجرد أن تتخلى عن فكرة أنّ حريتنا باعتبارها داخلية تمامًا محصنة ضد هجوم من قبل الآخر وتقبل الضعف الجذري لتجسيدنا الحي، فلا يمكن فصل أسئلة العنف والرغبة عن مسألة إنسانيتنا المشتركة أو أسئلة الأخلاق والعدالة.
في إدانته لساد لانحرافه للشهوة الجنسية تصيبه بوفوار أيضًا كفنان، وعلى الرغم من أنّها تتهمه بأنّه كاتب فقير تقنيًا إلّا أنّ جوهر نقدها أخلاقي وليس جمالي، ووفقًا لبوفوار انتهك ساد التزاماته كمؤلف، وبدلاً من أن يكشف لنا العالم في وعده وإمكانياته وبدلاً من مناشدتنا للعمل من أجل العدالة، لجأ إلى التبريرات الخيالية والميتافيزيقية للمعاناة والقسوة، وفي النهاية تتهم بوفوار ساد بأنّها الرجل الجاد الموصوف في كتابها (أخلاقيات الغموض).