في معظم حياتها كانت بوفوار مهتمة بالمسؤولية الأخلاقية التي يتحملها الفرد تجاه نفسه أو تجاه الأفراد الآخرين والجماعات المضطهدة، ويتعامل عملها المبكر بيروس وسينياس (Pyrrhus et Cinéas) في عام 1944 مع مسألة المسؤولية الأخلاقية من إطار وجودي قبل وقت طويل من محاولة الفيلسوف سارتر لنفس المسعى.
فلسفة الوجودية بين بوفوار وسارتر:
لقي هذا المقال استحسانًا لأنّه تحدث إلى فرنسا التي مزقتها الحرب والتي كانت تكافح لإيجاد طريقة للخروج من ظلام الحرب العالمية الثانية، ويبدأ الأمر كمحادثة بين بيروس ملك إبيروس القديم وكبير مستشاريه سينياس حول مسألة العمل، وفي كل مرة يؤكد فيها بيروس على الأرض التي سيغزوها يسأله سينياس ماذا سيفعل بعد ذلك؟ وأخيرًا صرخ بيروس بأنّه سيستريح بعد تحقيق جميع خططه والتي ترجع إليها سينيس وهي (لماذا لا ترتاح على الفور؟)، وقد تم تأطير المقال على أنّه تحقيق في دوافع الفعل والقلق الوجودي بشأن سبب وجوب التصرف على الإطلاق.
كتب هذا العمل باسطة الشابة بوفوار في حوار وثيق مع سارتر الكينونة والعدم في عام 1943، كما إنّ إطار الحرية الفردية المنخرطة في عالم موضوعي قريب من تصور سارتر للصراع بين الوجود لذاته (l’être-pour-soi) والوجود في ذاته (l’être-en-soi).
بخلاف سارتر فإنّ تحليل بوفوار للموضوع الحر ينطوي على الفور على اعتبار أخلاقي لموضوعات حرة أخرى في العالم، ويمكن للعالم الخارجي في كثير من الأحيان أن يعبّر عن نفسه كواقع موضوعي ساحق بينما يمكن للآخر أن يكشف لنا حريتنا الأساسية.
في ظل عدم وجود إله يضمن الأخلاق فإنّ الأمر متروك للفرد الموجود لإنشاء رابطة مع الآخرين من خلال العمل الأخلاقي، وتتطلب هذه الرابطة توجهاً فعالاً بشكل أساسي إلى العالم من خلال المشاريع التي تعبر عن حريتنا وكذلك تشجع حرية إخواننا من بني البشر، ولأنّه لا بد أن تكون إنسانًا يعني في الأساس تمزيق العالم المعطى من خلال تجاوزنا التلقائي، وأن تكون سلبيًا يعني أن تعيش وفقًا لمصطلحات سارترية بسوء نية.
على الرغم من التأكيد على الدوافع الرئيسية لسارترين المتمثلة في التعالي والحرية والوضع في هذا العمل المبكر، فإنّ بوفوار تأخذ استفسارها في اتجاه مختلف، فهي تؤمن مثل سارتر بأنّ الذاتية البشرية هي في الأساس لا شيء يتمزق من خلال المشاريع العفوية، وهذه الحركة المتمثلة في تمزيق المعطى من خلال إدخال النشاط التلقائي تسمى التعالي، كما تعتقد بوفوار مثل سارتر أنّ الإنسان منخرط باستمرار في مشاريع تتجاوز الموقف الواقعي (الثقافي والتاريخي والشخصي وما إلى ذلك) الذي يُلقى فيه الموجود.
ومع ذلك على الرغم من أنّ الكثير من تسمياتها وأفكارها تظهر بوضوح في خطاب فلسفي مع سارتر، فإنّ هدفها في كتابة (Pyrrhus et Cinéas) يختلف إلى حد ما عن هدفه، وعلى وجه الخصوص في بيروس وسينياس قامت ببناء الأخلاق وهو مشروع تم تأجيله من قبل سارتر في الوجود والعدم.
بالإضافة إلى ذلك وبدلاً من رؤية الآخر (الذي يحولني بنظرته إلى كائن) كتهديد لحريتي كما سيحصل عليها سارتر ترى بوفوار أنّ الآخر هو المحور الضروري لحريتي، وبدون ذلك بعبارة أخرى لا أستطيع أن أكون حراً، فهذه كلمات لا يمكن أن أكون حرًا، وبهدف توضيح الأخلاق الوجودية إذن تهتم بوفوار بمسائل الاضطهاد التي غابت إلى حد كبير في أعمال سارتر المبكرة.
بيروس وسينياس هو نص فلسفي غني يتضمن موضوعات ليس فقط من سارتر ولكن أيضًا من هيجل وهايدجر وسبينوزا وفولتير ونيتشه وكيركيغارد، ومع ذلك تنتقد بوفوار هؤلاء الفلاسفة بقدر إعجابها، فعلى سبيل المثال تنتقد هيجل بسبب إيمانه غير الأخلاقي بالتقدم الذي يرفع مستوى الفرد في السعي الدؤوب وراء المطلق، وتنتقد هايدجر لتأكيده على أن يكون المرء متجهًا إلى الموت باعتباره يقوض ضرورة إقامة المشاريع التي هي بحد ذاتها غايات وليست بالضرورة إسقاطات نحو الموت.
المشروع البشري:
تؤكد بوفوار أنّ تجاوز المرء يتحقق من خلال المشروع البشري الذي يضع نهايته الخاصة على أنّها قيمة، وبدلاً من الاعتماد على المصادقة الخارجية أو المعنى، وبالتالي فإنّ النهاية ليست شيئًا مقطوعًا عن النشاط ويقف كقيمة ثابتة ومطلقة خارج الموجود الذي يختاره، بل بدلاً من ذلك يتم تأسيس هدف العمل كغاية من خلال الحرية ذاتها التي تجعله مشروعًا جديرًا بالاهتمام، كما تحافظ بوفوار على الاعتقاد الوجودي في حرية الاختيار المطلقة والمسؤولية المترتبة على هذه الحرية، ومن خلال التأكيد على أنّ مشاريع الفرد يجب أن تنبع من عفوية الفرد وليس من مؤسسة أو سلطة أو شخص خارجي.
على هذا النحو فهي تنتقد بشدة المطلق الهيجلي والمفهوم المسيحي عن الله والكيانات المجردة مثل الإنسانية والبلد والعلم التي تطالب بتخلي الفرد عن الحرية في قضية ثابتة، وإنّ جميع وجهات النظر العالمية التي تتطلب التضحية والنبذ من الحرية تقلل من حقيقة وجود الفرد وسمكه وأهميته الوجودية، وهذا لا يعني أننا يجب أن نتخلى عن جميع مشاريع التوحيد والتقدم العلمي لصالح الإغواء النزيه، وفقط أنّ مثل هذه المساعي يجب بالضرورة أن تحترم الوجود الفردي الذي تتكون منه.
بالإضافة إلى ذلك بدلاً من أن يُجبر الموجودون على أسباب من أنواع مختلفة يجب أن يختار الموجودون بنشاط وبوعي ذاتي المشاركة فيها، ونظرًا لأنّ بوفوار مهتمة جدًا في هذا المقال بالحرية وضرورة الاختيار بوعي ذاتي لمن يكون في كل لحظة فإنّها تتبنى علاقات العبودية والسيطرة والاستبداد والتفاني التي تظل اختيارات على الرغم من عدم المساواة التي تنتج غالبًا عن هذه الروابط مع الآخرين.
وعلى الرغم من عدم تكافؤ القوة في مثل هذه العلاقات فإنّها تؤكد أنّه لا يمكننا أبدًا فعل أي شيء لصالح الآخرين أو ضدهم، أي أنّه لا يمكننا أبدًا التصرف في مكان الآخرين لأنّ كل فرد يمكن أن يكون مسؤولاً فقط عن نفسه.
ومع ذلك ما زلنا ملزمين أخلاقياً بالابتعاد عن إيذاء الآخرين، وإنّ تكرار موضوع مشترك في الفلسفة الوجودية حتى الصمت أو رفض الانخراط في مساعدة الآخر لا يزال يتخذ خيارًا، وبعبارة أخرى لا يمكن الهروب من الحرية.
ومع ذلك فإنّها تطور أيضًا فكرة أنّه في حالة الامتناع عن تشجيع حرية الآخرين فإننا نتصرف ضد الدعوة الأخلاقية للآخر، وبدون الآخرين أفعالنا مقدر لها أن ترتد على نفسها على أنّها عديمة الجدوى وعبثية، ومع ذلك مع الآخرين الذين هم أيضًا أحرار يتم اتخاذ أفعالنا وتنفيذها إلى ما هو أبعد من أنفسهم إلى المستقبل متجاوزين حدود الحاضر وحدود أنفسنا المحدودة، وإنّ أفعالنا ذاتها هي دعوات للحريات الأخرى التي قد تختار الرد علينا أو تجاهلنا.
ونظرًا لأننا محدودون ومقيدون ولا توجد أشياء مطلقة يمكن أو يجب أن تتوافق أفعالنا معها، ويجب علينا تنفيذ مشاريعنا في ظل المخاطر وعدم اليقين، ولكن هذه الهشاشة هي التي تعتقد بوفوار أنّها تفتح لنا إمكانية حقيقية للأخلاق.