كان جورج بيركلي واحدًا من أشهر ثلاثة فلاسفة التجريبيين البريطانيين (الاثنان الآخران هما جون لوك وديفيد هيوم)، واشتهر بيركلي بأعماله المبكرة عن الرؤية (مقال نحو نظرية جديدة للرؤية عام 1709) والميتافيزيقيا (مقالة تتعلق بمبادئ المعرفة البشرية عام 1710، وثلاث حوارات بين هيلاس وفيلونوس عام 1713).
المنظور العام لفلسفة بيركلي:
تحدت نظرية الرؤية التجريبية لبيركلي الحساب القياسي للرؤية عن بعد آنذاك وهو حساب يتطلب حسابات هندسية ضمنية، ويركز حسابه البديل على الأشياء المرئية والتكتيكية، ويجادل بيركلي بأنّ الإدراك البصري للمسافة يفسر من خلال الارتباط بين أفكار البصر واللمس، وهذا النهج الترابطي يلغي النداءات للحسابات الهندسية بينما يشرح الرؤية الأحادية ووهم القمر والشذوذ الذي أصاب الحساب الهندسي.
ادعى بيركلي أنّ الأفكار المجردة هي مصدر كل الحيرة الفلسفية والوهم، ففي مقدمته لمبادئ المعرفة البشرية جادل بأنّه كما وصف لوك الأفكار المجردة (اعتبر بيركلي أفضل وصف للتجريد عند لوك):
1- لا يمكن تشكيلها.
2- ليست ضرورية للتواصل أو المعرفة.
3- غير متسقة وبالتالي لا يمكن تصورها.
المبادئ والحوارات الثلاثة التي يدافع بيركلي عنها:
يدافع بيركلي عن أطروحتين ميتافيزيقيتين وهما:
1- المثالية (الادعاء بأنّ كل ما هو موجود إما عقل أو يعتمد على عقل لوجوده).
2- اللا مادية (الادعاء بأنّ المادة غير موجودة)، حيث إنّ ادعاءه بأنّ جميع الأشياء المادية تتكون من أفكار مغلف في شعاره (esse) هو (percipi) (أن يكون هو أن يُدرك).
على الرغم من أنّ أعمال بيركلي المبكرة كانت مثالية إلّا أنّه لا يذكر فيها سوى القليل فيما يتعلق بطبيعة معرفة الفرد بالعقل، فالكثير مما يمكن استخلاصه فيما يتعلق برواية بيركلي للعقل مشتق من الملاحظات على (المفاهيم) التي أضيفت إلى طبعات 1734 من المبادئ والحوارات الثلاثة.
كان بيركلي كاهنًا في كنيسة أيرلندا، ففي عشرينيات القرن الثامن عشر برزت اهتماماته الدينية إلى الواجهة، وتم تعيينه عميد ديري عام 1724، وحاول تأسيس كلية في برمودا حيث أمضى عدة سنوات في رود آيلاند في انتظار الحكومة البريطانية لتوفير التمويل الذي وعدت به، وعندما أصبح واضحًا أنّه لن يتم توفير التمويل عاد إلى لندن، وهناك قام بنشر السيفرون (Alciphron) للدفاع عن المسيحية وانتقادات لنظرية نيوتن عن اللامتناهيات في الصغر ونظرية الرؤية المبررة والطبعات المنقحة للمبادئ والحوارات الثلاثة.
عُيّن أسقف كلوين عام 1734 وعاش في كلوين حتى تقاعده عام 1752، وكان أسقفًا جيدًا يسعى لرفاهية البروتستانت والكاثوليك على حدٍ سواء، ويقدم كتابه كويريست (Querist) حججًا لإصلاح الاقتصاد الأيرلندي، كما يتضمن آخر أعماله الفلسفية سيريس (Siris) في عام 1744 مناقشة للفضائل الطبية لمياه القطران ثم تليها مناقشات فلسفية مناسبة يرى العديد من العلماء أنّها خروج عن المثالية السابقة.
ووفقًا لبيركلي العالم يتكون من لا شيء سوى العقول والأفكار، فالأشياء العادية هي مجموعات من الأفكار، ولقد جادل بالفعل في مناقشته للرؤية بأنّ المرء يتعلم تنسيق أفكار الرؤية واللمس للحكم على المسافة والحجم والشكل وهي خصائص لا تُدرك على الفور إلّا عن طريق اللمس، وتصبح أفكار حاسة واحدة علامات لأفكار الحواس الأخرى.
في كتاباته الفلسفية يصبح هذا التنسيق للأفكار التي تحدث بانتظام هو الطريقة التي يُعرف بها العالم والطريقة التي يبني بها البشر الأشياء الحقيقية، وإذا كانت هناك عقول وأفكار فقط فلا مكان لبعض التركيبات العلمية، ويختفي المكان والزمان المطلقين في نيوتن، ولا يصبح الوقت سوى تعاقب الأفكار في عقول الأفراد، وتعتبر الحركة نسبيًا تمامًا للكائن ويصبح العلم أكثر من نظام من العلامات الطبيعية.
مع نفي التجريد يتم اختزال الرياضيات إلى نظام من العلامات حيث تشير الكلمات أو الأرقام إلى كلمات أو أرقام أخرى، ويتم تقليل الفضاء إلى امتداد معقول وبما أنّه لا يمكن للمرء في الواقع تقسيم جزء من الامتداد إلى عدد لا حصر له من الأجزاء المعقولة، فإنّ المفارقات الهندسية المختلفة تتلاشى، كما يفهمهم بيركلي يصبح العلم واللاهوت المسيحي متوافقين.
فلسفة بيركلي في نظرية المفاهيم:
إذا قرأ المرء المبادئ والحوارات يكتشف أنّ بيركلي ليس لديه الكثير ليقوله فيما يتعلق بمعرفتنا بالعقول، وقد تمت إضافة معظم ما هو موجود في طبعات 1734 من تلك الأعمال، والسبب هو أنّ بيركلي قصد أصلاً أن تتكون المبادئ من ثلاثة أجزاء على الأقل، والثاني هو فحص القضايا وثيقة الصلة بالعقل والله والأخلاق ، والحرية، وأخبر صموئيل جونسون مراسله الأمريكي أنّ مخطوطة الجزء الثاني ضاعت أثناء رحلاته في إيطاليا حوالي عام 1716، وفي طبعات 1734 من المبادئ والحوارات تضمنت بيركلي مناقشات موجزة لمفاهيم عقولنا.
يدعي بيركلي أنّه ليس لدينا أفكار للعقول لأنّ العقول نشطة والأفكار سلبية، ومع ذلك لدينا فكرة ما عن الروح والروح وعمليات العقل مثل الرغبة والمحبة والكراهية بقدر ما نعرف أو نفهم معنى هذه الكلمات، وبالنظر إلى نظرية المعنى لبيركلي يبدو أنّ هذا يعني أنّه طالما أنّ المرء قادرًا على انتقاء (تمييز) العقول من الأشياء الأخرى يمكن أن يكون لديه فكرة عن العقل.
منذ ملاحظات بيركلي : “هذه هي طبيعة الروح أو تلك التي تعمل بحيث لا يمكن أن تكون مدركة لذاتها، ولكن فقط من خلال التأثيرات التي تنتجها” يمكن للمرء أن يعتقد أنّ بيركلي يعرف العقول بنفس الطريقة التي يعرفها بها لوك، حيث يدّعي لوك أنّ المرء لديه فكرة نسبية عن الجوهر بشكل عام، ويستطيع المرء أن ينتقي مادة على هذا النحو على أساس علاقتها بفكرة أو جودة مدركة بشكل مباشر.
بينما يختلف اسميًا عن الأفكار النسبية لوكيانه ويمكن لبيركلي أن يدّعي أنّ المفاهيم تختار عقلًا فرديًا باعتباره الشيء الذي يدرك فكرة معينة (عقل الفرد) أو الذي يتسبب في فكرة محددة (الله أو ربما روح أخرى)، ونظرًا لأنّ بيركلي رأى أنّ العلاقات السببية والإدراكية هي روابط ضرورية، ويبدو أنّ هذا يتجنب مشاكل الدعم التي نوقشت في المبادئ، ويبدو أنّ مثل هذا الموقف يتفق مع كل ما يقال في المبادئ وكثير مما يقال في الحوارات، ومع ذلك هناك مقطعين في الحوار الثالث يقترحان أنّ عقل المرء معروف بشكل مباشر وليس نسبيًا.
فإذا كان المرء يعرف نفسه فورًا (بفعل انعكاسي)، وإذا كان هذا مستقلاً عن أي علاقة بفكرة، فيبدو أنّ مفاهيم الذات ليست أكثر من تلك الطريقة الفريدة التي يستخدمها العقل يعرف نفسه، ولا شيء يمكن أن يقال عنهم، ويبدو أنّ مثل هذا الموقف يجعل المفاهيم إضافة مخصصة لفلسفة بيركلي.
لكن ربما نحتاج إلى التمييز بين معرفة أنّ هناك عقلًا ومعرفة ماهية العقل، وربما يعرف المرء بشكل مباشر أنّ المرء لديه عقل، ولكن يمكن للمرء أن يعرف ما هو العقل بالنسبة للأفكار فقط: أي العقل هو الذي يسبب الأفكار أو يدركها، ولا ينبغي أن يتفاجأ المرء إذا كان هذا هو موقف بيركلي، وهذا الفهم النسبي للعقل مثل العارف والأفكار مثل المعروف موجود بالفعل في الأقسام الافتتاحية من المبادئ.