فلسفة بيكون بين العلوم والفلسفة الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


في فكر الفيلسوف فرانسيس بيكون نواجه علاقة بين العلم والفلسفة الاجتماعية، لأنّ أفكاره المتعلقة بالتحول الطوباوي للمجتمع تفترض مسبقًا اندماجًا في الإطار الاجتماعي لبرنامجه فيما يتعلق بالفلسفة الطبيعية والتكنولوجيا باعتبارهما شكلين من معرفة صانع.

العلم والبنية الاجتماعية لدى بيكون:

من وجهة نظر بيكون التي تأثرت بالمفاهيم البيوريتانية يجب على المجتمع الحديث المبكر أن يتأكد من أنّ الخسائر الناجمة عن السقوط يتم تعويضها، وفي المقام الأول من خلال توسيع الإنسان للمعرفة، وتوفير الشروط المسبقة لشكل جديد من المجتمع يجمع بين العلم الجديد والألفية وفقًا لنبوءة دانيال.

حيث يُنظر إلى العلم من أحد الجوانب بأنّه كمسعى اجتماعي على أنّه مشروع جماعي لتحسين الهياكل الاجتماعية، ومن الجانب الآخر قد تعمل الروح الجماعية القوية في المجتمع كشرط لا غنى عنه لإصلاح الفلسفة الطبيعية، كما يأتي التركيز على حجة بيكون الشهيرة القائلة بأنّه من الحكمة عدم الخلط بين كتاب الطبيعة وكتاب الله، لأنّ الأخير يتعامل مع إرادة الله التي لا يدركها الإنسان، ويتعامل الأول مع عمل الله والتفسير العلمي أو التقدير له وهو شكل من أشكال الخدمة الإلهية المسيحية.

تساعد العمليات الناجحة في الفلسفة الطبيعية والتكنولوجيا على تحسين حالة الإنسان بطريقة تجعل مصاعب الحياة بعد السقوط عفا عليها الزمن، ومن المهم أن نلاحظ أنّ فكرة بيكون عن المجتمع المسيحي إلى حد ما لا تنقل بأي حال من الأحوال التشاؤم المسيحي في سياق المفكرين الآبائيين، بل تُظهر تفاؤلًا واضحًا نتيجة مضاعفة مشكلة الحقيقة مع النطاق حرية الإنسان وسيادته.

فيما يتعلق بكتاب بيكون -كتاب الله وكتاب الطبيعة- يجب على المرء أن يتذكر أنّ الإنسان عندما يُمنح حرية الوصول إلى كتاب الطبيعة، ولا ينبغي أن يكتفي بمجرد قراءته، وعليه أيضًا أن يكتشف الأسماء التي تُسمى بها الأشياء، وإذا فعل الإنسان ذلك فلن يستعيد مكانته ككائن نبيل وقوي فحسب، بل سيفقد كتاب الله أهميته أيضًا من وجهة النظر التقليدية مقارنةً بكتاب الطبيعة.

وهذا ما أشار إليه بلومنبرغ باسم (عدم تناسق المقروئية)، ولكن عملية القراءة هي نشاط مفتوح بحيث لا يمكن تقييد المعرفة الجديدة وتوسيع نظام التخصصات بمفاهيم مثل اكتمال وخلود المعرفة. وفقًا لبيكون يشير كتاب الله إلى إرادته بينما كتاب الطبيعة إلى أعماله، ولم يلّمح في أعماله أبدًا إلى أنّه أخفى أي رسالة عدم إيمان للقارئ المحنك ولكنه أكد على:

1- يجب الفصل بين الدين والعلم.

2- أنّها مع ذلك مكملة لبعضها البعض.

فبالنسبة لبيكون فإنّ هجوم اللاهوتيين على فضول الإنسان لا يمكن أن يقوم على أساس عقلاني، كما إنّ تصريحه بأنّ: “كل المعرفة يجب أن تكون مقيدة بالدين، ويجب الإشارة إليها للاستخدام والعمل” لا تعبر عن حكم عام على الفضول النظري، ولكنها توفر بدلاً من ذلك إطارًا معياريًا لمهام العلم بالمعنى الشامل.

في الخطاب الإهدائي لجيمس الأول في كتاب بيكون (تقدم التعلم)، يهاجم بيكون حماسة وغيرة الإلهيين وفي مخطوطته (Filum Labyrinthi) في عام 1607 قال: “فكر كيف تلقت المعارضة والتحيز الشديد الفلسفة الطبيعية من خلال الخرافات، و الحماسة المفرطة والعمياء للدين”.

وكما فعل كالفن قبله بفترة طويلة في المعاهد صرّح بيكون أنّه منذ أن خلق الله العالم المادي كان هدفًا شرعيًا لمعرفة الإنسان، وهو الاقتناع الذي أوضحه بالمثال الشهير للملك سليمان في تقدم التعلم، حيث يشيد بيكون بحكمة سليمان التي تبدو أشبه بلعبة أكثر من كونها مثالًا لتعطش الإنسان الذي وهبه الله للمعرفة.

من هذا المنظور يمكن رؤية عقاب البشرية بسبب العصيان الأول لآدم وحواء في ضوء مختلف عن ضوء التفسيرات اللاهوتية، ولكن من وجهة نظر بيكون يمكن معالجة هذا العصيان وعواقبه بطريقتين:

1- بالدين والواجبات الأخلاقية.

2- والتقدم في الآداب والعلوم، حيث إن الغاية من النهوض بالعلوم والفنون هي مجد الله وإراحة تركة الإنسان.

والعلاجان المترابطان مع البعد الأخلاقي يشيران إلى تقدم العلم والدين، ويتم الجمع بين الثلاثة معًا وهم:

1- النهوض بالتعلم.

2- الدين.

3- الأخلاق.

وذلك بطريقة تعزز بعضها البعض، وبالتالي فإنّ التوقعات المحدودة للتكيف مع الحياة والمعرفة مستبعدة تمامًا في هذه المجالات الثلاثة.

فلسفة الإنسان لدى بيكون:

على الرغم من أنّ حساب بيكون البرنامجي لـ (الفلسفة الإنسانية والمدنية) أي بمعنى العلوم الإنسانية والاجتماعية يتعامل معها على أنّها مسألة فن عملي أو تقنية، وكذلك ضمن مغامراته الخاصة في التاريخ والفقه، ولكن على أي حال كانت من طاقم نظري قوي، ففي كتابه التاريخي عن راين (Raigne) للملك هنري السابع هو تاريخ تفسيري وتأويلي، ويفهم سياسات الملك من خلال تتبعها إلى شخصيته الحذرة والاقتصادية والسرية.

وبالمثل فإنّ تأملاته في القانون في كتبه التقدم في العلم (De Augmentis Scientiarum)، وفي أقوال القانون وذلك في الجزء الأول من عناصر القوانين العامة في إنجلترا، هي اجتهادات قضائية ح،قيقية وليس هذا النوع من التعليقات المستنيرة من خلال سابقة كان معظم فقهاء عصره راضين عنها.

في السياسة كان بيكون حريصًا على فصل الدولة عن الدين كما كان حريصًا على فصل العلم عنه، وكلاهما يشير إلى وجود القليل جدًا من الحماس الإيجابي للدين، على الرغم من المهن الرسمية للاحترام العميق التي انتزعت منه، كما أيّد نظام تيودور الملكي ودافع عنها ضد عرقلة شركة كوكاكولا القانونية لأنّها كانت عقلانية وفعالة.

كتب بيكون القليل عن التعليم لكن هجومه الذي لا يُنسى على الهوس السكولاستيكي بالكلمات، وهو هوس نقله الإنسانيون إلى حد كبير وإذا كان لكلمات مختلفة، وقد أثمر في النظرية التربوية لكومينيوس، الذي أقر واعترف بتأثير بيكون في حجته بأنّ الأطفال يجب أن يدرسوا الأشياء الواقعية بالإضافة إلى الكتب.

إن تصريح فرانسيس بيكون بأنّ: “الإنسان هو مركز العالم”، يعد السبب الأخير لكل الطبيعة، ويبدو أنّه يطلق العنان لنا من كل الإرشاد وضبط النفس، ولا يوفر أي أساس للحكم على أي عمل بشري بأنّه أفضل أو أسوأ من أي عمل آخر.

كما إنّ التداعيات السياسية لمثل هذا الموقف إلى جانب جهود بيكون لتعزيز القوة التكنولوجية هائلة، ولن يكون هناك دعم يذكر للحقوق الطبيعية أو أي نوع آخر من الحقوق باستثناء ما يقوم على القوة، ومع ذلك لم يكن هذا المروج الشهير للقوة العلمية غافلاً عن الخطر، ولم يكن غير مسؤول سياسيًا في تقييمه لمكانة الإنسان في الكون، ويبدو أنّ مشورته أقرب إلى الفلسفة السياسية الكلاسيكية مما هو معترف به عادةً.

ويقدم بيكون حجة تم تقديمها في (Prometheus) أو حالة الإنسان، حيث يكشف أنّ بيكون يتوقع منا أن نتعامل مع المشكلة من حيث تصنيف البشر أنفسهم بشكل صحيح وتجاهل فكرة أنّ جميع البشر متساوون، والذي به يتم التعرف على المعايير الطبيعية لتقييم البشر وأفعالهم.


شارك المقالة: