جون كالفين الفيلسوف الفرنسي من مواليد 10 تموز في عام 1509 في نويون وتوفي في 27 آيار في عام 1564 في جنيف في سويسرا، وهو لاهوتي ورجل دولة كنسي، وقد كان المصلح البروتستانتي الفرنسي الرائد وأهم شخصية في الجيل الثاني للإصلاح البروتستانتي، كما إنّ فلسفته وتفسيره للمسيحية الذي تقدم بشكل خاص في كتابه معاهد الدين المسيحي (Institutio Christianae)، والأنماط المؤسسية والاجتماعية التي عمل بها لجنيف أثرت بعمق على البروتستانتية في أماكن أخرى في أوروبا وأمريكا الشمالية.
معرفة الفلسفة:
إنّ اعتبار الفيلسوف جون كالفن ومعرفته واستخدامه للفلسفة في عمله الخاص يدحض التمثيل الظلامي الذي خلفته القراءة السطحية، وتوضح القراءة المتأنية لعمل كالفن العظيم معاهد الدين المسيحي جنبًا إلى جنب مع تعليقاته وأطروحاته أنّه بدلاً من إنكار أهمية الفلسفة، كما يسعى كالفن عمومًا إلى وضع الفلسفة في ما يعتبره مكانًا مناسبًا لها، وتنبع قوته من إيمانه بأنّ عقلانية بعض السكولاستيين قد حلت محل حكمة الله الموجودة بشكل آمن في عمل الروح القدس في الكتب المقدسة باعتبارها ذروة معرفة الإله.
بالنظر إلى كراهية كالفن العرضية للفلاسفة فمن المغري للغاية اعتباره شخصًا لا يعرف سوى القليل جدًا من الفلسفة ومستنكرًا ما لم يكن يعرفه، ومهما كان هذا الأمر مغريًا إلّا أنّه ببساطة غير صحيح، ففي المعاهد وأطروحاته وتعليقاته يُظهر كالفن باستمرار إلمامه بكل من المعرفة الفلسفية العامة والخاصة والتي يبدو أنّها اكتسبت من خلال دراسته الخاصة لكتاباتهم.
ما يبدو أكثر أهمية في استخدام كالفن للفلسفة هو أنّه بشكل عام يرفض قبول نظام فلسفي، وبدلاً من ذلك يعتبر الفلسفة بمثابة تاريخ الحكمة البشرية محاولة البحث عن إجابات لأسئلة الوجود البشري، وهكذا يصبح الفلاسفة ونظرياتهم نماذج يجب مراعاتها وليس هياكل لتنظيم الفكر.
ومن ثم فإنّ جهد كالفن في استخدام الفلسفة يجب أن يُفهم على أنّه جزء من إنسانيته وليس كأداة لترابط منهجية فكره، فقد وضع كالفن المنطق في منهج أكاديمية جينيفان، وكان بإمكانه أن يوضح الإيمان بالسببية الرباعية لأرسطو، ويمكنه استخدام أفكار الفلاسفة كمساعدات لتدريب العقل ويعتقد أنّه لا يوجد الكثير من القساوسة وبالتأكيد لا يمكن لأي طبيب في الكنيسة أن يجهل الفلسفة، ومع ذلك فإنّ هذا الاحترام يعيش في توتر مستمر مع سخطه لجهود الفلسفة (والفلاسفة) في تجاوز مكانهم المناسب.
نظرية المعرفة:
كما لوحظ يمكن أن يبدو كالفن قاسيًا للغاية بشأن الفلسفة، وفيما يتعلق بمعرفة الله يقول كالفن: “أنّه في هذه المرحلة يصبح من الواضح ما مدى سخافة قبيلة الفلاسفة بأكملها التي أظهرت غباءهم وسخفهم! لأنّه على الرغم من أننا قد نعذر الآخرين (الذين يتصرفون مثل الحمقى المطلقين)، فإنّ أفلاطون الأكثر تدينًا والأكثر تحفظًا يختفي أيضًا في عالمه المستدير”.
يرى كالفن أنّه حتى أكثر الفلاسفة حكمة لا يقارنون بالقراءة المقدسة التي تمتلك في حد ذاتها القدرة على تحريك قلب القارئ، ويقول كالفن إنّ هدف الله في التعاليم الكتابية لجوهره اللامتناهي والروحي هو دحض حتى التكهنات الدقيقة للفلسفة العلمانية، حتى أولئك الذين بلغوا المرتبة الفكرية الأولى لا يستطيعون الوصول إلى السمو الطبيعي للإنجيل، ومع ذلك فإنّ كالفن ليس مناهضًا للفلسفة ويكره أعمال الفلاسفة والفلسفة بشكل عام، وإذا كان الأمر كذلك فهل كان سيطلب المنطق في أكاديمية جينيفان؟ وبدلاً من ذلك أراد أن يوجه مسألة الحكمة والفلسفة بوضوح نحو طاعة المسيح.
النقطة المثيرة للاهتمام حول هذا المقطع هي أنّ كالفن لا يشوه سمعة الفلسفة البشرية ولا العقل البشري، كما إنّه بالأحرى يناقش الغرض الحقيقي من تلك المعرفة أو الفهم وما هو الأساس الحقيقي للمعرفة البشرية، وهنا لا يعود كالفن إلى مبدأ بديهي أرسطو وأساسه هو الحكمة الحقيقية، وبالنسبة إلى كالفن فإن عبارة الحكمة الحقيقية (vera sapientia) تصل مباشرة إلى الجملة الأولى من المعاهد.
كان ذلك أساس الحكمة الحقيقية والسليمة (vera ac Solida sapientia) الذي كان يبحث عنه كالفن، وهو المكان الوحيد الذي يمكن من خلاله تأسيس نظرية المعرفة بأمان فالعقل وثمار العقل لها مكانها، ومع ذلك فإنّ هذا المكان لا يتمتع بامتياز على الحكمة المعلنة.
تسمح هذه النظرة الآلية لكالفن بإعطاء ثناء كبير لثمار العقل، ويمكن للعقل البشري أن يصعد أحيانًا للنظر في الحقائق التي هي فوق إدراكه بشكل صحيح، ولكن لا يمكنه توفير الضوابط اللازمة للتأكد من أنّ تحقيقاته قد تم النظر فيها بعناية وبشكل صحيح، فالعقل ذكي بما يكفي لتذوق شيء من الأشياء المذكورة أعلاه على الرغم من أنّه أكثر إهمالًا في التحقيق في هذه الأشياء.
يقسم كالفن العقل ويمنحه أعماق مختلفة من الاختراق وفقًا لموضوعه، بحيث يمكنه أن يكتب هذا إذن هو التمييز أي أنّ هناك نوعًا واحدًا من الفهم للأشياء الأرضية وآخر من السماء، كما إنّه يدعو بأنّ الأشياء الأرضية تلك التي لا تتعلق بالله أو بملكوته إلى العدالة الحقيقية أو ببركة الحياة المستقبلية، ولكن لها أهميتها وعلاقتها فيما يتعلق بالحياة الحاضرة وهي بمعنى ما محصورة في حدودها.
أسباب شك كالفن:
يرغب كالفن في فلسفته مقتبسًا صراحةً في اعتبار الفنون المختلفة خادمات ويحذر من جعلهن عشيقات، ولا يمكن أن يكون هناك شك في أنّ كالفن قام بهذه الخطوة لسببين على الأقل وهما:
1- الأول هو أنّ آثار الخطيئة بالنسبة لكالفن أشد خطورة بكثير من تأثير بعض المفكرين المسيحيين الآخرين، ولقد أفسدت الخطيئة ليس الإرادة فحسب بل أفسدت العقل أيضًا، وبعد إدخال الخطيئة إلى العالم أصبحت الإمكانية البشرية محدودة بشكل جذري ولن يتمكن أي عقل غير مدعوم ولا حتى الأكثر حدة من اختراق أسرار حقيقة الله وإرادة الله الحالية للبشرية.
2- لا تقل أهمية هذه البصيرة عن أهمية أخرى لم يستوعبها الكثيرون، ويتضمن لاهوت كالفن مفهومًا راديكاليًا عن تكيف الله مع القدرة البشرية أو بالأحرى ضعف الإنسان، وحتى قبل السقوط كان البشر قادرين على معرفة الله فقط بسبب إعلان الله عن نفسه، وكان البشر قادرين فقط على إرضاء الله بسبب إرشاد الله المسبق في شكل قواعد.
لم تكن هناك لحظة كان البشر فيها قادرين حقًا على بدء معرفة الله أو التحرك نحو الله، ويصدق ذلك بما لا يقاس بعد ظهور الخطيئة في العالم وآثارها، وهكذا يرفض كالفن كل الجهود المبذولة لتجاوز الكتب المقدسة (وقدر كبير من الميتافيزيقيا الكلاسيكية) باعتبارها مجرد تكهنات خاطئة وآثمة على حد سواء.