فلسفة دو بوا بين الإمبريالية والماركسية

اقرأ في هذا المقال


يساهم الفيلسوف وليام إدوارد بورغاردت دو بوا في فهمنا الفلسفي على وجه التحديد لمشكلة العرق، لأنّه يتعامل مع هذه الموضوعات على أنّها أشياء ذات اعتبار فلسفي، وفي الواقع من خلال المشاركة في عمل دو بوا إلى حد كبير أصبح العديد من الفلاسفة المعاصرين يقدرون العرق، والاهتمامات ذات الصلة كموضوعات مثمرة للتفكير الفلسفي، ومن خلال عمله في الفلسفة الاجتماعية والفلسفة السياسية وفلسفة الفن اخترع دو بوا لجميع المقاصد والأغراض ومجال الفلسفة والعرق، مما أدى إلى عدم الاستقرار ومراجعة وجهات نظرنا حول النطاق المناسب وأهداف البحث الفلسفي.

نقد الإمبريالية البيضاء:

في مقال مهم بشكل خاص من مياه داكنة (Dark Water) بعنوان أرواح القوم البيض (second sight) يكشف دو بوا عن بعض الحكمة من منظور عرقه المتميز، وكما يراها دوبوا يرى البيض أنفسهم بطريقة معينة أي أنّهم متفوقون ومتحضرون وكاملون ومفيدون ويطلبون مساعدة الشعوب الأخرى بحكمتهم العالية، ولكن في الحقيقة كما يمكن للأمريكيين الأفارقة أن يدركوا بوضوح تام أنّ البيض في الواقع إمبرياليون وقبيحون وجشعون وفاسدون في ممارساتهم.

فيُسجن البيض في تصورهم الذاتي الزائف، وتتناقض جديتهم مع أنفسهم بشكل حاد مع الواقع الذي يراه الأمريكيون من أصل أفريقي، وما يرونه قبل كل شيء هو أنّ المجتمع الأبيض لا يتألف من حكمة أعلى ولكن فقط من تشويه واغتصاب متنكرين بزي الثقافة.

يجعل دو بوا ادعاءاته أكثر تحديدًا ووضوحًا من خلال الإشارة إلى أنّ مفهوم البياض هو ما يمكن أن نطلق عليه اليوم بنية اجتماعية، كما إنّه مفهوم تطور في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وقبل ذلك كانت المجتمعات المختلفة بالكاد تحدث الكثير من الاختلافات في لون البشرة، وما هو مهم في هذه الحقيقة هو أنّها تظهر البياض كفئة تظهر في وقت واحد مع تطور الصناعة والاستعمار المقابل لها، حيث أرادت الشعوب الغربية الموارد المادية للعالم الثالث، ولذا اخترعوا أسطورة تفوقهم على أساس لون البشرة والدونية المفترضة للشعوب الداكنة من أجل مساعدتهم في رغبتهم في السرقة.

بناءً على مثل هذه المناورات تم غزو العالم الثالث وتعرضت الشعوب السوداء للقتل والاغتصاب والاستغلال وأصبحت الثقافة البيضاء غنية، كما أعطت هذه الثروة والسلطة بدورها للبيض شعورًا بالتفوق، ولكن هذا الشعور بالتفوق يتلاشى من خلال تصور الذات المأساوي الهزلي الذي يتمتع به البيض عن أنفسهم باعتبارهم متفوقين لمجرد أنّهم من البيض، ففي حين أنّهم في الواقع مرتبطون بمفهوم الذات الزائف والمبتكر القائم على اللون وهو مفهوم يخدم فقط المساعدة في القتل والاستغلال، كما إنّ مفهوم البياض الذي يُفترض أنّه متحضر في الحقيقة يغرق في البربرية والغزو العالمي النهم.

وهذا هو بالضبط ما لا يستطيع البيض رؤيته عن أنفسهم ولكن يجب أن يتعلموا أن يروا، وإذا كانت مشكلة القرن العشرين مشكلة خط اللون يجب التغلب عليها، كما يجب التغلب عليها ويجب على الأعراق أن تخلق معًا ديمقراطية أكبر وأصدق.

الماركسية اللاحقة:

في وقت لاحق من حياته تحول دو بوا إلى الشيوعية كوسيلة لتحقيق المساواة، وكما قال في سيرته الذاتية: “أنا الآن أذكر استنتاجي بصراحة ووضوح: أنا أؤمن بالشيوعية، وأعني بالشيوعية أسلوب حياة مخطط في إنتاج الثروة والعمل المصمم لبناء دولة يكون هدفها أعلى رفاهية لشعبها وليس مجرد ربح جزء”، وتوصل دو بوا إلى الاعتقاد بأنّ الحالة الاقتصادية للأفارقة والأمريكيين الأفارقة كانت واحدة من الأنماط الأساسية لاضطهادهم، وأنّ التوزيع الأكثر إنصافًا للثروة كما قدم ماركس كان علاجًا لهذا الوضع.

ومع ذلك لم يكن دو بوا مجرد من أتباع ماركس، وكما أضاف رؤى عميقة للتقاليد الشيوعية بنفسه، وتتمثل إحدى مساهماته في إصراره على أنّ الشيوعية لا تحتوي على وسائل صريحة لتحرير الأفارقة والأمريكيين الأفارقة، ولكن يجب عليها تركيز اهتمامها هنا والعمل على تحقيق هذه الغاية، (الأجناس المظلمة) إذا استخدمنا لغة دوبوا ترقى إلى غالبية البروليتاريا في العالم.

بدون تحررهم وقوتهم الدافعة في إنتاج الشيوعية لا يمكن تحقيق ذلك، وفي كتاب في القوم الأسود وحينئذ و الأن (Black Folk, Then and Now) كتب دو بوا: “عمال الظلام في آسيا وإفريقيا وجزر البحر وأمريكا الجنوبية والوسطى هؤلاء هم من يدعمون بنية فوقية من الثروة والرفاهية والبذخ، وإنّ صعود هؤلاء الناس هو صعود العالم”.

هناك مساهمة أخرى يقدمها دو بوا وهي إظهار كيف أنّ السياسة اليوتوبية (أي المثالية) مثل الشيوعية ممكنة في المقام الأول، وبناءً على ادعاء إنجل بأنّ الحرية تكمن في الاعتراف بالضرورة كما يجادل ماينارد سولومون (Maynard Solomon)، وذلك لأننا في استيعاب الضرورة ندرك بدقة مجالات الحياة المفتوحة للفعل الحر حيث يصر دو بوا على قوة الأحلام.

مع الاعتراف بطبيعتنا المقيدة (المرتبطة ببطوننا والمرتبطة بالظروف المادية) وحتى التأكيد عليها، فإنّه يؤكد مع ذلك على نطاق سلطاتنا ضمن هذه القيود، وفي محاضرة بعنوان طبيعة الحرية الفكرية (The Nature of Intellectual Freedom) ألقاها في المؤتمر الثقافي والعلمي من أجل السلام العالمي في عام 1949، ومستخدماً لغة تتوقع الفيلسوف جان بول سارتر (Jean-Paul Sartre) ويلفت دو بوا الانتباه إلى المشاعر الصاعدة أي قدرة العقل على تجاوز ما هو موجود.

ومثل سارتر أيضًا حاول دو بوا استخدام هذه القوة لصالح الاشتراكية، كما يرى دو بوا يمتلك العقل البشري القدرة على الطيران إلى الحريات اللانهائية، وهذه القدرة الذهنية الصاعدة ضرورية لتحقيق الاشتراكية، وذلك لأنّها تتيح لنا أن نحلم بما يمكن أن تكون عليه الحياة والظروف الاجتماعية مقارنة بما هي عليه الآن، وإذا تمت زراعته بشكل صحيح فإنّه يسمح لنا برؤية ما وراء الضرورة المفترضة للنظام الرأسمالي، والذي يقدم نفسه في كل مكان بشكل خاطئ على أنّه الطريق الوحيد والخيال يفوق الكذب.

هناك كما يشير دو بوا ويؤكد سولومون بأنّ هناك منطقة حدودية يلتقي فيها الإكراه والحرية، كما يجب علينا الحصول على الطعام والبحث عن مأوى وتربية أطفالنا، وتلتقي الضرورة والحرية في منتصف الطريق في هذه المنطقة ويسير كل منهما في اتجاهه الخاص، ولكن في كثير من الأحيان يعملان معًا، وقادتنا يستغلون هذه المنطقة، كما إنّهم يفرضون ضرورة العمل الجاد والعمل من أجل تناول الطعام، ومن أجل خنق الحرية الفردية وتعرجاتها وقراراتها الحرة في نهاية المطاف، وهم يشجعون الجهل بالأوضاع لجعلنا مدينين لهم بالفضل.

ومع ذلك هناك أمل في حقيقة أنّ الحرية تعمل أيضًا في هذه المنطقة الحدودية، وأنّ عقولنا يمكن أن تشكل جزءًا مما يحدث في هذه المنطقة، كما يجب أن تركز الاشتراكية هنا وتغذي هذا الأمل، ويجب أن تعزز قبل كل شيء حلم النفوس غير الملتوية بأحلامها حتى تؤدي أحلامنا يومًا ما إلى حقائق أفضل.


شارك المقالة: