تظهر الحجة الأكثر تطورًا وللموقف الأكثر عمومية في فلسفة العقل والتي تشكل جزءًا منها في عدد من الأماكن في عمل الفيلسوف دونالد هربرت ديفيدسون.
توافق المبادئ:
العرض الأول والأكثر شهرة هو عرض الأحداث الذهنية، والذي دافع فيه ديفيدسون عن توافق المبادئ الثلاثة والتي تم تلخيصها جميعًا بطرق مختلفة في حجة الإجراءات والأسباب كأسباب حيث:
1- أنّ بعض الأحداث العقلية على الأقل تتفاعل سببيًا مع الأحداث المادية وهو مبدأ التفاعل السببي.
2- أنّ الأحداث المرتبطة بالسبب والنتيجة تخضع لقوانين صارمة، أي القوانين الدقيقة والصريحة وغير الاستثنائية قدر الإمكان، وهو مبدأ الطابع الاسمي للسببية.
3- أنّه لا توجد قوانين صارمة (على عكس مجرد تعميمات) تتعلق بالأحداث العقلية والجسدية وهو شذوذ العقل.
شذوذ العقلية:
من بين هذين المبدأين عادةً ما يتم اعتبار الأولين غير متوافقين مع الثالث، ولا يعنيان ضمنيًا شذوذ العقل، بل بالأحرى في حالة الأحداث العقلية والجسدية المرتبطة بالسبب والنتيجة، وقوانين صارمة تتعلق بتلك الأحداث، حيث إنّ الجدل كما يفعل ديفيدسون حول توافق المبادئ الأصلية يعني أيضًا الدفاع عن حقيقة المبدأ الثالث أي من أجل حقيقة الوحدانية الشاذة.
يعتقد ديفيدسون أنّ الأحداث هي تفاصيل بحيث يمكن الإشارة إلى نفس الحدث تحت أكثر من وصف واحد، وكما يرى أنّ الأحداث المرتبطة سببيًا يجب أن تكون مرتبطة ببعض القوانين الصارمة، ومع ذلك نظرًا لأنّ ديفيدسون يتخذ القوانين كيانات لغوية، لذلك يمكنهم ربط الأحداث فقط حيث يتم إعطاء هذه الأحداث تحت أوصاف محددة، وهكذا كما كان واضحًا بالفعل في مقاربة ديفيدسون لنظرية الفعل فإنّ نفس الزوج من الأحداث قد يُنشئ قانونًا تحت وصف واحد ولكن ليس تحت وصف آخر.
لا يوجد على سبيل المثال قانون صارم يربط تحت هذه الأوصاف فقط بتكوين الجليد على سطح الطريق بانزلاق سيارة على ذلك الطريق، ومع ذلك تحت وصف مختلف أي وصف سيستخدم مجموعة مختلفة تمامًا من المفاهيم، ستتم تغطية الأحداث المعنية بالفعل بموجب قانون صارم أو مجموعة من القوانين، ولكن في حين أنّ العلاقات الاسمية بين الأحداث (العلاقات التي تنطوي على قوانين) تعتمد على الأوصاف التي يتم بموجبها تقديم الأحداث فإنّ العلاقات السببية والهوية تحصل بغض النظر عن الأوصاف، وإذا كان تجمد الطريق قد تسبب بالفعل في الانزلاق فقد حدث ذلك.
بغض النظر عن كيفية وصف الأحداث المعنية، وشكل الوصف -سواء كان عقليًا أو جسديًا- لا علاقة له بحقيقة وجود علاقة سببية معينة، ويترتب على ذلك أنّ نفس الزوج من الأحداث قد يكون مرتبطًا سببيًا، ومع ذلك وفقًا لأوصاف معينة (وإن لم يكن بالكامل) لا يوجد قانون صارم تقع تحته تلك الأحداث، وعلى وجه الخصوص من الممكن أن يكون حدثًا عقليًا -حدثًا معينًا تحت وصف عقلي ومرتبطًا سببيًا بحدث مادي، وحدث يتم تقديمه بموجب وصف مادي- ومع ذلك لن يكون هناك قانون صارم يغطي تلك الأحداث تحت تلك فقط الأوصاف.
ففي رغبتي في قراءة تولستوي على سبيل المثال تقودني لأخذ الحرب والسلام من الرف، وبالتالي فإنّ رغبتي تؤدي إلى تغيير في الترتيب المادي لمنطقة معينة من الزمان والمكان، ولكن لا يوجد قانون صارم يتعلق برغبي للتغيير المادي، وبالمثل في حين أنّ أي حدث عقلي سيكون متطابقًا مع حدث مادي -سيكون بالفعل حدثًا واحدًا ونفسه تحت وصفين- من الممكن ألّا يكون هناك قانون صارم يربط الحدث كما هو موصوف في المصطلحات العقلية بالحدث كما هو موصوف جسديًا.
وفي الواقع ديفيدسون واضح في الادعاء بأنّه لا يمكن أن تكون هناك قوانين صارمة تربط العقلي والجسدي بهذه الطريقة، ولا يوجد قانون صارم يتعلق على سبيل المثال بالرغبة في القراءة بنوع معين من نشاط الدماغ، كما إن إنكار ديفيدسون لوجود أي قوانين نفسية-فيزيائية صارمة ينبع من نظرته للعقلية باعتبارها مقيدة بمبادئ عامة تمامًا للعقلانية التي لا تنطبق، على الأقل ليس بالطريقة نفسها وعلى الأوصاف الفيزيائية، بحيث أنّ الاعتبارات المعيارية للشكل العام.
كما إنّ التناسق والتماسك على سبيل المثال يقيدان تفكيرنا حول الأحداث كما هو موصوف جسديًا، ولكن ليس لديهم شراء للأحداث المادية على هذا النحو، وهذا لا يعني بالطبع أنّه لا توجد ارتباطات على الإطلاق يمكن تمييزها بين الذهني والمادي، ولكنه يعني أنّ الارتباطات التي يمكن تمييزها لا يمكن تقديمها بشكل دقيق وصريح وغير استثنائي -في الشكل أي القوانين الصارمة- والتي ستكون مطلوبة من أجل تحقيق أي اختزال للأوصاف العقلية إلى الجسدية.
وبالتالي فإن عدم وجود قوانين صارمة تغطي الأحداث تحت الأوصاف العقلية هو حاجز لا يمكن التغلب عليه لأي محاولة لإدخال العقل في إطار علم الفيزياء الموحد، ومع ذلك في حين أنّ الذهن لا يمكن اختزاله إلى ما هو جسدي، ويمكن إقران كل حدث عقلي ببعض الأحداث المادية، أي يمكن إقران كل وصف عقلي لحدث ما مع وصف مادي لنفس الحدث.
يقود هذا دافيدسون إلى الحديث عن العقلية على أنّها متسلطة على المادية بطريقة تنطوي على اعتماد معين للمسندات العقلية على المسندات المادية، فالمسند (p) يشرف على مجموعة من المسندات (S) إذا وفقط إذا لم يميز (p) أي كيانات التي لا يمكن تمييزها بواسطة (S)، وبعبارة أكثر بساطة الأحداث التي لا يمكن تمييزها تحت وصف مادي لا يمكن تمييزها تحت وصف عقلي أيضًا.
الأحادية الشاذة:
في ظاهر الأمر تبدو الأحادية الشاذة طريقة جذابة للغاية للتفكير في العلاقة بين الذهني والجسدي، حيث بقدر ما تجمع بين الأحادية والشذوذ لذا يبدو أنّها تحافظ على ما هو مهم في المادية مع الحفاظ على اللغة العادية لما يسمى بعلم النفس الشعبي (لغة المعتقدات والرغبات والأفعال والأسباب)، وفي الواقع أثبتت الأحادية الشاذة أنّها موقف مثير للجدل للغاية أثار انتقادات من الفيزيائيين وغير الفيزيائيين على حد سواء، وغالبًا ما يُنظر إلى المفهوم الاسمي للسببية (ثاني المبادئ الثلاثة التي تم الدفاع عنها في الأحداث العقلية) على أنّه شيء يفشل ديفيدسون في تقديم أي حجة حقيقية بشأنه.
كما يُنظر إلى حساب ديفيدسون عن السيادة على أنّه غير متوافق مع جوانب أخرى من منصبه وأحيانًا على أنّه مجرد خطأ أو مرتبك، وربما كان النقد الأكثر جدية وانتشارًا هو أنّ الأحادية الشاذة قد نُظر إليها على أنّها تجعل العقل خاملًا سببيًا، ومع ذلك لم تمر هذه الانتقادات دون إجابة وعلى الرغم من أنّ ديفيدسون عدّل جوانب من منصبه على مر السنين، إلّا أنّه استمر في التمسك بالأطروحات الأساسية والدفاع عنها لأول مرة في الأحداث العقلية.