كافنديش الفيلسوفة المادية

اقرأ في هذا المقال


مثل الفلاسفة توماس هوبز أو رينيه ديكارت أو بيكون تحفزت الفيلسوفه مارجريت لوكاس كافنديش موقفها بانتظام من خلال مهاجمة الأرسطية للمدارس، مستهزئة بمن يسميهم زوجها قبيلة العباءات، وانتقدت ما اعتبرته التزامهم بالقوى الغامضة والكائنات غير المادية في الطبيعة وتقدم لها المادية كبديل، وتوضح أنّ نيتها هي توفير نظام فلسفي متاح للجميع دون تدريب خاص.

فلسفة كافنديش عن المادية في الطبيعة:

من أول أعمالها الخيالات الفلسفية التي نُشرت عام 1653 دافعت كافنديش عن المادية في الطبيعة، وفي الفصلين الأولين من هذا العمل اللذان أعادت طباعتهما في الآراء الفلسفية والفيزيائية في عام 1655، وتدعي أنّ الطبيعة هي شيء مادي واحد لا نهائي والتي تصفها أحيانًا بأنّها (جوهر المادة اللانهائية) في مقالة إدانة للذرات، وتتكون هذه المادة المادية اللانهائية من عدد لا حصر له من الأجزاء المادية مع درجات لا نهائية من الحركة.

وبالمثل فإنّ هذه الحركة كلها من نفس النوع وتختلف من حالة إلى أخرى فقط في السرعة أو الاتجاه، وبعبارة أخرى يتكون العالم الطبيعي بالكامل من نوع واحد من الأشياء والتي تسميها المادة وقوة واحدة والتي تسميها الحركة، كما إنّها تميز الأشياء والأحداث في الطبيعة عن بعضها البعض من خلال أجزاء مختلفة من المادة وتحمل حركات مختلفة داخل تلك المادة المادية اللانهائية، ولقد وسعت صراحة هذه العقيدة المادية إلى العقل البشري في الفصل الثاني من الخيالات الفلسفية، حيث تقول إنّ أشكال قبيلة العباءات وكذلك العقول البشرية ليست سوى مادة تتحرك أو تتحرك المادة.

علاوة على ذلك ظلت ملتزمة بهذه المادية طوال حياتها المهنية، كما هو الحال في ملاحظاتها على الفلسفة التجريبية التي نشرت لأول مرة في عام 1666، مدعية أنّ جميع أفعال المعنى أو العقل مادية، وهكذا نرى منذ بداية عملها الأول أنّها مادية.

حجج ضد النظرية الذرية:

مع ذلك فإنّ الطبيعة الدقيقة لماديتها تتطور بمرور الوقت، ففي أول عمل لها من عام 1653 سمحت بتفسير ذري للطبيعة والمادة، على الرغم من أنّها بحلول عام 1656 كانت تجادل بالفعل ضد النظرية الذرية في مقالة إدانة الذرات، في وقت لاحق في ملاحظاتها من عام 1666 قدمت حجتين على الأقل ضد النظرية الذرية:

1- أولاً تجادل بأنّ مفهوم الجسد الممتد غير القابل للتجزئة غير متماسك، وهذه حجة شاع استخدامها ضد الذرية في القرن السابع عشر، كما تجادل بأنّ الأجسام المركبة لكل منها حركاتها الخاصة، ولا يمكن أن تفسر وحدة الجسم المعقد ولكنها ستكون بدلاً من ذلك مثل سرب من النحل أو مدرسة من الأسماك.

2- تجادل كافنديش بأنّ الذرية لا يمكنها تفسير الوحدة العضوية، وبدلاً من الذرية تقترح كافنديش أنّ المادة لا نهائية في الامتداد وقابلة للقسمة دائمًا، وعلاوة على ذلك بالنسبة إلى كافنديش فإنّ الكائنات المعقدة مثل الحيوانات تتكون من مادة مميزة متحركة وتأخذها لتزودهم بوحدتهم، ومع ذلك فإنّ أهدافها الأساسية ليست المادية الذرية بقدر ما هي السحر والتنجيم للمدارس وآلية بعض معاصريها.

مادية كافنديش والإنسان:

كما أنّ كافنديش تطبق مادتها على العقل البشري، ففي أعمالها المبكرة أشارت إلى أنّه لا يوجد شيء في الإنسان غير مادي، على سبيل المثال في عملها الأول كتبت حوارًا موجزًا ​​بين الجسد والعقل، وتدعي فيه أنّ الطريقة الوحيدة التي يمكن للعقل من خلالها الوصول إلى أي نوع من الحياة بعد موت الجسد هي الشهرة وهذا من خلال التفكير جيدًا من قبل الآخرين، وفي الواقع تدعي في مكان آخر أنّ جميع أفعال المعنى والعقل هي مادية، والمعنى والعقل متماثلان في جميع المخلوقات وجميع أجزاء الطبيعة، وكذلك المعرفة كونها مادية وتتكون من أجزاء.

يبدو أنّ كافنديش تؤهل مادتها فيما يتعلق بالروح البشرية في وقت لاحق من حياتها المهنية، فعندما أوضحت أنّ التزامها القوي والثابت سابقًا بالمادية لا ينطبق إلّا على العالم الطبيعي، فعلى سبيل المثال في الملاحظات تدعي أنّ البشر لديهم عقل مادي بالإضافة إلى روح خارقة للطبيعة وغير مادية، وتجادل بأنّ الطريقة التي ترتبط بها هذه الروح الخارقة للطبيعة بالعقل المادي والجسد هي نفسها خارقة للطبيعة.

بعد كل شيء تقترح أنّ المكان هو ملكية تخص الجسد فقط، وبالتالي لا يمكن أن ينتمي إلى روح غير مادية، ولذلك فإنّ الطريقة التي ترتبط بها الروح غير المادية بالشخص المادي هي نفسها خارقة للطبيعة، أي ظاهرة خارقة، ولسوء الحظ تقدم القليل من التفسير لهذه الروح غير المادية وتمتنع عن شرح ما إذا كانت الروح الخالدة، وقد تتفاعل على الإطلاق مع أي شيء في الطبيعة أو كيف يمكن ذلك بدلاً من الإشارة إلى أنّها لا تفعل ذلك.

ولجعل الأمور أكثر إرباكًا يبدو أنّها تعدل وجهة نظرها في عام 1668 عندما تدعي أنّ الله وحده غير مادي وأنّ جميع الأشياء الأخرى مادية، وربما تكون قد غيرت رأيها فيما يتعلق بما إذا كان لدى البشر أرواح غير مادية وخارقة للطبيعة أم لا، ولكن لا يبدو أنّ النصوص نفسها تتحدث بشكل قاطع.

لكن خلال عملها ادعت كافنديش أنّ البشر يمتلكون روحًا مادية، وتشرح الروح المادية والطبيعية بنفس الطريقة التي تشرح بها العقل، من خلال تمييزها بين درجات الحركة المختلفة في المادة، وباختصار تدعي أنّ المادة قد يكون لها درجات مختلفة من الحركة، بحيث تكون بعض المادة خاملة وجسيمة نسبيًا أي أنّها تتكون من أجزاء أكبر من المادة والتي تسميها أحيانًا المادة الباهتة.

مادية كافنديش والفلسفة الرواقية:

في المقابل هناك أيضًا مادة أدق وأكثر ندرة والتي تمتلك المزيد من الحركة، وهذه المادة الأسرع والأخف وزنًا تنشر مادة مملة، وتوضح أنّ الروح أو العقل الطبيعي والمادي والإنساني هو المادة الأدق والأندر داخل أجسادنا المادية الأكثر فظاظة، ولاحظ العلماء التشابه الذي يحمله هذا الرأي مع العقيدة الرواقية من حيث أنّ المادة الأكثر ندرة والأسرع في الحركة تشبه النَّفَس الرواقي.

تمامًا مثل الرواقيين صرحت أيضًا في أعمالها اللاحقة -وتقترح في بعض الأحيان في أعمالها السابقة- أنّ جميع الجثث مشبعة تمامًا بدرجات متفاوتة من هذه المادة النشطة، وفي الواقع هذا هو السبب في انتظام الظواهر الطبيعية في جميع أنحاء الطبيعة، وتقول إنّه: “لا يمكن أن يكون هناك نظام أو أسلوب أو انسجام، خاصة كما يظهر في تصرفات الطبيعة دون أن يكون هناك سبب لإحداث هذا النظام والانسجام”.

تدعي كافنديش على سبيل المثال أنّ الحيوانات تمتلك حركات مرئية من الخارج مثل القفز أو الجري، في حين أنّ الخضار والمعادن تمتلك وتعرض حركات لا يمكن اكتشافها إلّا داخليًا مثل الانكماش أو التمدد، وتشير إلى الحركات الموجودة في الحيوانات والخضروات والمعادن بدرجات متفاوتة كأرواح حساسة، وهو مصطلح يستدعي إلى الأذهان أرواح ديكارت الحيوانية، ولكن حتى المعادن والخضروات وأيضًا الحيوانات والبشر يمتلكون شكلاً آخر من المادة ولكنه أدق وأسرع تتحرك والذي تسميه الأرواح العقلانية.

هذه الأرواح العقلانية هي المادة التي تتحرك بسرعة ولكنها مادة نادرة تشبه النَفَس الموصوفة أعلاه، والتي تفسر في النهاية الحركات والسلوكيات المختلفة للأشياء الطبيعية، وفي النهاية على الرغم من ذلك فإنّ هذه الحركات والمادة التي تبثها هي من نفس النوع الأساسي وتختلف فقط في درجة حركتها، وهذا الرأي إلى جانب ادعاءاتها الراديكالية بأنّ كل حركة هي الحياة والمعرفة هي الحركة ستؤدي إلى حيويتها وروحانية شاملة لها.

من الالتزامات الأخرى المميزة لكافنديش بشأن طبيعة المادة هو بأنّ المادة تحمل درجة لا نهائية من الحركة، والأهم من ذلك أنّها تتحمل هذه الحركة إلى الأبد، وبعبارة أخرى إذا كان لجزء من المادة درجة معينة من الحركة فوفقًا لكافنديش لا يمكنها أن تفقد تلك الدرجة من الحركة ولا تنقلها إلى جزء آخر من المادة.

قد نقول بالنسبة إلى كافنديش أنّ الدرجة الخاصة من الحركة التي يحملها جزء من المادة ضرورية لهذا الجزء، وهكذا فإنّ المادة الأكثر فظاظة والأكثر جرأة التي تحمل درجة أقل من المادة تفعل ذلك بطبيعتها ولا يمكنها أن تفقد أو تكتسب درجة من الحركة، وبالمثل فإنّ الأجزاء الدقيقة من المادة التي تتحرك بسرعة أكبر تتحمل أيضًا درجة حركتها الأكبر بطبيعتها ولا يمكنها اكتساب أو فقدان أو نقل الحركة أيضًا، ويرتبط هذا الرأي بموضوع رئيسي آخر لعمل كافنديش وهو موضوع قد نسميه الحيوية.

المصدر: Margaret Cavendish (1623—1673)Margaret Lucas CavendishMargaret Cavendish, Duchess of Newcastle-upon-TyneAugustine, On Free Choice of the Will, Thomas Williams (ed. and trans.), Indianapolis and Cambridge: Hackett Publishing Company, 1993.Cavendish, Margaret, Philosophical Fancies, London: printed by Thomas Roycroft for J. Martin and J. Allestrye, 1653.Cavendish, Margaret, The World’s Olio, London: printed for J. Martin and J. Allestrye, 1655. Cavendish, Margaret, The Description Of A New World, Called The Blazing World And Other Writings, ed, Kate Lilley. London: William Pickering, 1992.Battigelli, Anna, 1998, Margaret Cavendish and The Exiles of the Mind, Lexington: The University Press of Kentucky.


شارك المقالة: