فلسفة راسل لتحقيق شروط نظرية الرغبة

اقرأ في هذا المقال


قيود نظرية الرغبة لدى راسل:

كان برتراند راسل يحاول في تسعينيات القرن التاسع عشر ابتكار نظرية تلبي ستة قيود أو شروط وهي كما يلي:

1- الأحكام الأخلاقية: “مثل الأحكام المتعلقة بما هو موجود”، يجب أن يكون لها قيمة حقيقية.

2- يجب أن تكون الأحكام الأخلاقية عرضة للخطأ: وهذان قيدان يميل راسل إلى الخلط بينهما.

3- يجب أن يكون هناك علاقة مفاهيمية (ربما تكون غير صحيحة) بين الإيمان الأخلاقي والدافع: والذي يعد شكل ضعيف إلى حد ما من الداخلية التحفيزية.

4- يجب أن يكون من الممكن الرغبة في الشر والرغبات السيئة.

5- يجب ألّا تختزل الأحكام الأخلاقية في تصريحات الحالة النفسية.

6- لا يمكن البحث عن أساس الأحكام الأخلاقية في أي اقتراح حول ما هو موجود أو كان أو سيكون.

يعود الشرط الأخير الذي يرقى إلى إنكار المذهب الطبيعي إلى الورقة التي كتبها راسل لسيدجويك في عام 1893 (علاقة ما يجب أن يكون بما هو موجود أو كان أو سيكون)، ويلاحظ راسل أنّه من وجهة نظر المنطق الصوري من المستحيل اشتقاق واجب من (يكون).

يقوده هذا إلى استنتاج مفاده أنّ: “بعض الافتراضات الأخلاقية في شكلها أو أكثر يجب اعتبارها بديهية إلّا إذا كانت هذه الافتراضات معادلة ماديًا لبعض التأكيدات حول ما كان أو كان أو سيكون”، وبعبارة: “مكافئ ماديًا” يبدو أنّه يعني: “يعني نفس الشيء”.

وبالتالي قد لا تتدلى الأخلاق من سماء المسلمات البديهية إذا كانت الأحكام الأخلاقية تعني نفس الأحكام الطبيعية من نوع ما، ولكنه يواصل المجادلة ضد هذا الاحتمال أي القول بأنّ ما كان جورج إدوارد مور يسميه المذهب الطبيعي هو خطأ، وكما أنّه ليس من الغريب أنّه كان يجب أن يتوقع مور لأنّ سيدجويك الذي كان معلمهم توقعهما.

لكن هذا يزود راسل بسلسلة من القيود التي لا يمكن تلبيتها بشكل مشترك، فعلى سبيل المثال من الصعب أن نرى كيف يمكن تحقيق الشروط (1) و (3) دون تحليل (الخير) أو (يجب) من حيث الرغبة أو بعض هذه الحالة النفسية.

ومع ذلك فإنّ القيام بذلك ينتهك الشرطين (5) و (6)، وبالتالي فليس من المستغرب أنّ النظريات التي نجح راسل في استنتاجها فشلت في تلبية قيوده، فالأول (“(X) جيد” يعني “(X) سوف يلبي رغباتي”) يلبي الشروط (1) لأنّ ما نريده قد لا يرضينا بمجرد أن نحصل عليه).

كما أنّه يفي بالشرط (4) تقريبًا لأنّه من الممكن أن ترغب في أشياء لا ترضينا في الواقع، ولكنه لا يفي (5)، لأنّ عبارة: “(X) جيد” يختزل إلى بيان حول حالة نفسية مستقبلية، ومن باب أولى أنّه يفشل في تلبية الشرط (6).

النظرية الثانية (“(X) جيد” تعني “أريد (X) لمصلحته”) أسوأ بكثير، حيث يفي بالشرط (1) ولكن ليس (2)، وكذلك (3) ولكن ليس (4)، ويفشل (5) و (6) تمامًا، أما بالنسبة للثالث (“(X) جيد” يعني “(X) هو ما أرغب في رغبته”)، فإنّه يلتقي (1) ويكافح من أجل تلبية (2)، ويلتقي (3) و (4) ولكنه يفشل في كل من (5) و (6).

من المثير للاهتمام أنّه إذا تخلى راسل عن (1) و (2) واعتمد نظرية غير معرفية، فسيكون قادرًا على الوصول إلى نظرية تفي بالقيود الأربعة الأخيرة، فعلى سبيل المثال العلامة التجارية الخاصة برسيل للعاطفة

“(X)جيد” تعني “هل يرغب الجميع في (X)!”) ، والتي لم يطورها حتى عام 1935، فهذا يفي بالشرط (3)، لأنّ المرء إذا قال أنّ (X) جيد، وإذا كان صادقًا في تصريحاته الأخلاقية، فالمرء يرغب في أن يرغب الجميع (بما فيهم المرء) في (X)، ورغبة من الدرجة الثانية تكون عادةً (ولكن ليس دائمًا) مصحوبًا برغبة من الدرجة الأولى لـ (X) نفسها.

وبالتالي إذا كان المرء يعتقد أنّ (X) جيد فمن المحتمل أن يتابعها أو يروج لها، وتلبي النظرية الشرط (4) أيضًا حيث يمكن للمرء أن يرغب في أشياء من الشوكولاتة إلى الحلويات، ولا يرغب في أن يرغب بها أحد (بما في ذلك المرء)، حيث إنّه يفي بالشرط (5) أيضًا لأنّ الأحكام الجيدة بعيدًا عن كونها بيانات عن حالة نفسية ليست تصريحات على الإطلاق ولكنها اختيارية.

للسبب نفسه فإنّه يفي بالشرط (6): “(X) جيد”، ولا يكافئ اقتراحًا حول ما كان أو كان أو سيكون لأنّه لا يعادل أي اقتراح على الإطلاق، ولكن بالطبع الاعتراض القياسي على النظريات غير المعرفية هو بالتحديد أنّها تنتهك الشرطين (1) و (2)، حيث إنّهم يتعاملون مع الأقوال التي يُنظر إليها عمومًا على أنّها صحيحة أو خاطئة على أنّها تفتقر إلى قيمة الحقيقة على الأقل فيما يتعلق بمعانيها الأساسية، ويحصنون الأحكام الأخلاقية من الخطأ من خلال حرمانها من إمكانية الباطل.

الآن يمكن القول إنّ قيود راسل الستة صحيحة (لا يمكن أن تكون غير متسقة)، ولا أنّ نظريات راسل الفوقية الأخلاقية صحيحة والتي يمكن أن تكون واحدة منها على الأكثر لأنّها أيضًا غير متسقة، ولكن يمكن القول إنّ القيود معقولة وإنّها رغبة في النظرية الفوقية الأخلاقية التي تلبي أكبر عدد ممكن، ويبرهن راسل على فطنته الفلسفية من خلال المحاولة.

هل الأخلاق فرع من علم النفس التجريبي؟

في عام 1897 قرر راسل فعليًا التضحية بالشروط (5) و (6)، وربما (2) للشروط (1) و (3) و (4)، وفي ذلك العام قرأ ورقة إلى رسل كامبريدج بعنوان (هل الأخلاق فرع من علم النفس التجريبي؟) والتي عرّف فيها الخير على أنّه ما نرغب فيه.

الأحكام الأخلاقية (على الأقل الأحكام المتعلقة بالصلاح) تختزل إلى تصريحات حالة نفسية حيث أنّ قول شيء ما جيد يعني أنّ (نحن) نرغب في ذلك، وهو بيان داخل حدود علم النفس (سواء كنا نشير “نحن” للمجتمع ككل أو للمتحدث أيا كان).

وبالطبع إذا اختزلت الأحكام المتعلقة بالصلاح إلى عبارات عن حالة نفسية، فمن الواضح أنّها تختصر إلى عبارات حول “ما هو موجود كان أو سوف يكون”، حيث إن رغبتنا “نحن” في الرغبة في شيء ما يتحدد بكل ما هو حالة في أذهاننا.

هل الأحكام الأخلاقية عرضة للخطأ؟ الجواب يكون فقط بقدر ما يمكن أن نكون مخطئين بشأن ما نرغب فيه، والذي ربما ليس بعيدًا جدًا، وعلى الجانب الإيجابي ستكون الأحكام الأخلاقية صحيحة أو خاطئة، وسيكون لها علاقة مفاهيمية (وإن كانت غير صحيحة) بأفعالنا وشغفنا.

بافتراض أنني (في بعض الأحيان على الأقل) أرغب فعلاً في ما أرغب في رغبته، فإنّ حقيقة أنّ بالنسبة للمرء (X) جيدة تعني على الأقل في بعض الأحيان أنّ لدى المرء رغبة في متابعة أو ترقية (X)، وأخيرًا هذا ممكن تمامًا أن تكون لدى المرء رغبات سيئة أو حتى شريرة، أي الرغبات التي يرغب في عدم الرغبة فيها، وبالتالي حل مشكلة مع محاولات راسل السابقة في الأخلاق القائمة على الرغبة، وهكذا فإنّ الإجابة التي يقدمها راسل عن سؤاله (هل الأخلاق فرع من علم النفس التجريبي؟) هي الإجابة الواضحة ولكنها مترددة بنعم.


شارك المقالة: