اقرأ في هذا المقال
- أنواع الأكراسيا في فلسفة أرسطو
- أشكال الأكراسيا في فلسفة أرسطو
- أكراسيا أرسطو وفلسفة سقراط
- أكراسيا وطرق التقاء فلسفة أرسطو بفلسفة سقراط
لقد قام أرسطو بالتحقيق في سمات الشخصية من مثل العاجز عن ضبط النفس أو السلسون، والتي لا تستحق اللوم مثل الرذائل ولكنها ليست جديرة بالثناء مثل الفضائل، فالمصطلحات اليونانية هي (akrasia) والتي تعني العاجز عن ضبط النفس وحرفيًا نقص الإتقان، والمصطلح (Enkrateia) والتي تعني الزهد وحرفياً إتقان.
يتعارض الشخص الأكراكي (akrasia) مع العقل نتيجة لبعض الانفعال المفرط من مثل العاطفة والشعور، ومثل الأكراكي يواجه الشخص إنكراتيكي (enkratic) شعورًا مخالفًا للعقل، ولكن على عكس الأكراكي يتصرف وفقًا للعقل، ويتمثل عيبه فقط في حقيقة أنّه أكثر من معظم الناس يواجه عواطف تتعارض مع اختياره العقلاني، ولا يعاني الشخص الأكراكي من هذا العيب فحسب بل لديه عيب آخر يستسلمه للشعور بدلاً من العقل أكثر من الشخص العادي.
أنواع الأكراسيا في فلسفة أرسطو:
يميز أرسطو نوعين من الأكراسيا:
1- الاندفاع (propeteia).
2- الضعف أو العجز (astheneia).
يمر الشخص الضعيف بعملية مداولات ويختار، ولكن بدلاً من التصرف وفقًا لاختياره المنطقي فإنّه يتصرف تحت تأثير العاطفة، وعلى النقيض من ذلك لا يمر الشخص المتهور بعملية مداولات ومشاورات ولا يتخذ قرارًا منطقيًا، وإنّه ببساطة يتصرف تحت تأثير العاطفة، وفي وقت العمل لا يواجه الشخص المتهور أي صراع داخلي، ولكن بمجرد اكتمال عمله يأسف لما فعله.
يمكن للمرء أن يقول إنّه يتداول ويتشاور إذا كانت المداولات شيئًا ما بعد التاريخ وليس الإجراء السابق، لكن عملية التفكير التي يمر بها بعد أن يتصرف بعد فوات الأوان لإنقاذه من الخطأ.
من المهم أن نضع في اعتبارنا أنّه عندما يتحدث أرسطو عن الاندفاع والضعف فإنّه يناقش الحالات المزمنة، فالشخص المتهور هو الشخص الذي يتصرف عاطفياً ويفشل في التداول ليس مرة أو مرتين فقط ولكن مع بعض التردد، وإنّه يرتكب هذا الخطأ أكثر مما يفعله معظم الناس، وبسبب هذا النمط في أفعاله سيكون لدينا ما يبرر قولنا عن الشخص المتهور الذي لم تمنعه شغفه من القيام بذلك، وكان سيتداول ويختار فعلًا مختلفًا عن الذي قام به.
أشكال الأكراسيا في فلسفة أرسطو:
النوعان من المشاعر التي يركز عليها أرسطو في معالجته للأكراسيا هما الشهية للمتعة والغضب، ويمكن أن يؤدي أي منهما إلى الاندفاع والضعف، ولكن أرسطو يعطي مكان الصدارة لشهية للمتعة باعتبارها العاطفة التي تقوض العقل، وهو يسمي نوع الأكراسيا الناجم عن الشهية للمتعة (أكراسيا غير مشروطة)، أو كما يمكن أن نقول (أكراسيا توقف كامل)، الأكراسيا الناجم عن الغضب يعتبره شكلاً مؤهلاً من أكراسيا ويطلق عليه (الأكراسيا المتعلقة بالغضب).
وبالتالي لدينا هذه الأشكال الأربعة من الأكراسيا:
1- الاندفاع بسبب اللذة.
2- الاندفاع بسبب الغضب.
3- الضعف الناجم عن اللذة.
4- الضعف الناجم عن الغضب.
وتجدر الإشارة إلى أنّ معاملة أرسطو لأكراسيا متأثرة بشدة بتقسيم أفلاطون الثلاثي للروح في الجمهورية، حيث يعتقد أفلاطون أنّ إما الجزء الحماسي الذي يضم الغضب وكذلك المشاعر الأخرى، أو الجزء الشهواني الذي يضم الرغبة في الملذات الجسدية والتي يمكن أن يعطل إملاءات العقل ويؤدي إلى فعل مخالف للعقل، ويمكن رؤية نفس التقسيم الثلاثي للروح في مقاربة أرسطو لهذا الموضوع.
على الرغم من أنّ أرسطو يميز الأكراسيا والإنكراتيا من حيث الصراع بين العقل والشعور، فإنّ تحليله المفصل لهذه الحالات الذهنية يظهر أنّ أفضل وصف لما يحدث هو بطريقة أكثر تعقيدًا، لأنّ الشعور الذي يقود العقل يحتوي على بعض الأفكار التي قد تكون عامة ضمنيًا، وكما يقول أرسطو عن الغضب: “إنّ التفكير في أنّه يجب على المرء أن يحارب مثل هذا الشيء فإنّه يتم استفزازه فورًا”.
وعلى الرغم من أنّه ينفي في الجملة التالية أنّ شهيتنا للمتعة تعمل بهذه الطريقة، فقد قال سابقًا أنّه يمكن أن يكون هناك قياس منطقي يفضل السعي وراء الاستمتاع: “كل شيء حلو لطيف، وهذا حلو” يؤدي إلى السعي وراء متعة خاصة، وربما ما يدور في ذهنه هو أنّ المتعة يمكن أن تعمل في أيٍّ من الاتجاهين، بحيث يمكن أن تدفعنا إلى العمل دون وسيط من خلال فرضية عامة، أو يمكن أن تدفعنا إلى التصرف وفقًا لمثل هذا القياس المنطقي.
على النقيض من ذلك يحركنا الغضب دائمًا من خلال تقديم نفسه على أنّه نوع من التفكير العام على الرغم من أنّه نوع من التسرع، لكن أرسطو بالطبع لا يعني أنّ الشخص المتعارض لديه أكثر من ملكة تفكير، وبالأحرى تبدو فكرته أنّه بالإضافة إلى قدرتنا الاستدلالية الكاملة.
كما أنّه لدينا أيضًا آليات نفسية قادرة على نطاق محدود من التفكير، وعند الشعور بالتعارض مع العقل من الأفضل وصف ما يحدث بأنّه صراع بين الشعور بالتحالف مع التفكير المحدود والعقل الكامل، جزء منا العقل، يمكن أن يبتعد عن التأثير المشوه للشعور ويأخذ في الاعتبار جميع العوامل ذات الصلة كالإيجابية والسلبية، ولكن جزءًا آخر منا الشعور أو العاطفة لديه مجال محدود من التفكير وأحيانًا لا يستخدمه حتى.
بالرغم من أنّ كلمة شغف تستخدم أحيانًا كترجمة لكلمة أرسطو رثاء (البدائل الأخرى هي العاطفة والشعور)، فمن المهم أن يتم وضع في الاعتبار أنّ المصطلح الخاص به لا يشير بالضرورة إلى قوة نفسية قوية، والغضب هو شفقة سواء كان ضعيفا أو قويا، وكذلك الشهية للملذات الجسدية،. ويشير بوضوح إلى أنّه من الممكن أن يُهزم شخص أكراتي بشعور ضعيف وذلك من النوع الذي يمكن لمعظم الناس السيطرة عليه بسهولة.
لذا فإنّ التفسير العام لحدوث الأكراسيا لا يمكن أن يكون أنّ قوة العاطفة تغلب على العقل، ولذلك يجب تبرئة أرسطو من الاتهام الذي وجهه إليه الفيلسوف جون لانجشو أوستن في حاشية مشهورة لمقاله نداء للأعذار.
أكراسيا أرسطو وفلسفة سقراط:
إنّ أكثر ما يميز مناقشة أرسطو عن أكراسيا هو أنّه يدافع عن موقف قريب من موقف سقراط، فعندما قدّم موضوع أكراسيا لأول مرة واستعرض بعض المشكلات التي ينطوي عليها فهم هذه الظاهرة قال أنّ سقراط رأى أنّه لا يوجد أكراسيا، ويصفها بأنّها أطروحة تتعارض بوضوح مع المظاهر (phainomena).
نظرًا لأنّه يقول أنّ هدفه هو الحفاظ على أكبر عدد ممكن من المظاهر، فقد يكون مفاجئًا أنّه عندما يحلل الصراع بين العقل والشعور توصل إلى استنتاج مفاده أنّ سقراط كان بطريقة ما بعد كل شيء، وذلك لأنّه الشخص الذي يعمل ضد العقل ليس لديه ما يعتقد أنّه معرفة غير مشروطة، وبطريقة ما لديه المعرفة ولكن بطريقة أخرى لا، يشرح أرسطو ما يدور في ذهنه من خلال مقارنة أكراسيا بحالة الأشخاص الآخرين الذين يمكن وصفهم بأنّهم يعرفون بطريقة ما ولكن ليس بطريقة غير مشروطة.
يمكن أن تؤخذ هذه المقارنات على أنها تعني أن شكل الأكراسيا الذي يسميه أرسطو الضعف بدلاً من الاندفاع ينتج دائمًا عن بعض التقليل من حدة الإدراك أو الحدة الفكرية في لحظة الفعل.
يقول أكراتيك في وقت الفعل أنّه لا يجب أن ينغمس في هذه المتعة الخاصة في هذا الوقت، لكن هل يعلم أو حتى يعتقد أنّه يجب عليه الامتناع؟ قد يؤخذ أرسطو للرد: نعم ولا، ولديه درجة معينة من الاعتراف بأنّه لا يجب عليه القيام بذلك الآن ولكن ليس الاعتراف الكامل، إنّ إحساسه حتى لو كان ضعيفًا منعه إلى حد ما من استيعاب أو تأكيد النقطة التي لا ينبغي له القيام بذلك، وهكذا كان سقراط على حق، فعندما يظل العقل غير معيبًا فإنّ إملاءاته ستقودنا إلى طريق العمل طالما أننا قادرون على التصرف.
أكراسيا وطرق التقاء فلسفة أرسطو بفلسفة سقراط:
إنّ اتفاق أرسطو مع سقراط جزئي فقط لأنّه يصر على قوة المشاعر لمنافسة العقل أو إضعافه أو تجاوزه، وتتحدى العاطفة العقل في جميع هذه الطرق الثلاثة:
1- في كل من الأكراتي والإنكراتيك يتنافس مع العقل للسيطرة على الفعل، وحتى عندما يفوز العقل فإنّه يواجه المهمة الصعبة المتمثلة في الاضطرار إلى الصراع مع منافس داخلي.
2- في الأكراتيك يسلب مؤقتًا العقل من حدته الكاملة وبالتالي يعيقه كمنافس، وإنّها ليست مجرد قوة منافسة في هذه الحالات، حيث إنّها القوة التي تمنع العقل من ممارسة سلطته بالكامل.
3- يمكن للشغف أن يجعل الشخص متهور، وهنا يكون انتصاره على العقل قوياً لدرجة أنّ الأخير لا يدخل حتى ميدان التفكير الواعي حتى يكون قد فات الأوان للتأثير على الفعل.