فلسفة علم الوجود لدى جون أندرسون

اقرأ في هذا المقال


على الرغم من أنّ الفيلسوف جون أندرسون لم ينشر سوى القليل جدًا بعد عام 1943، إلّا أنّه قدم في محاضراته تفاصيل عن علم الوجود لم تكن معروفة من قبل، وفي محاضراته عامي 1944 و 1949 حول الفضاء والزمان والإله للفيلسوف صموئيل الإسكندر قدّم أندرسون نقده لفلسفة الإسكندر في نظرية التطور الناشئة.

فلسفة الوجود بين أندرسون والإسكندر:

بالنسبة للإسكندر فإنّ المكان والزمان هما النقطة واللحظة التي يبدأ منها الكون ومنهما تنبثق كل الأشياء والصفات وتتوج في نهاية المطاف بظهور الإله، حيث في بعض الأماكن من المكان والزمان والإله رأى الإسكندر أنّ المكان والزمان مخلوقان (وبالتالي فائق الجوهر)، على الرغم من أنّه في أماكن أخرى يشير ببساطة إلى المكان والزمان على أنّهما الظروف المنطقية للوجود، وهذا هو الفهم الأخير للمكان والزمان الذي طوره أندرسون في محاضراته الخاصة عن الإسكندر.

وقت فراغ:

مثل الإسكندر رفض أندرسون كلاً من الروايات المثالية والفيزيائية لطبيعة الزمان والمكان، ولقد رفض الادعاء المثالي بأنّ الزمكان هو مجرد جانب من جوانب المطلق ورفض أيضًا النظرية الفيزيائية أو الجوهرية التي بموجبها يكون الزمكان بحد ذاته شيئًا يظهر إلى الوجود، وقد جادل أندرسون أنّه إذا درسنا تجربتنا الخاصة بالمكان والزمان فإننا نكتشف أنّ تجربتنا للفضاء تتميز بأبعاد واحدة وثنائية وثلاثية بحيث نختبر مكانية كل الأشياء من حيث الطول والعرض والارتفاع.

وقال بالمثل إنّ تجربتنا مع الزمن تتميز بالتتابع والعبور وعدم التراجع، أي أنّ تجربتنا مع الزمن تتميز بتجربة الأوقات المتتالية، وأنّ مرة واحدة تلو الأخرى وأنّ هذه الأوقات تعد متعدية، فإذا كان (B) يتبع (A) و(C) يتبع (B) فإنّ (C) يجب أن يتبع (A)، وهذا الوقت لا رجوع فيه وأننا لم نشهد أبدًا رجوعًا إلى الوراء.

ولقد جادل كذلك أنّه بينما يمكننا فصل المكان والزمان بشكل تجريدي للنظر في خصائصهما الفردية، ويجب أن نختبرهما دائمًا على أنّهما موحدان في الزمكان: فلا يمكن أن تكون هناك خبرة في الفضاء والتي ليست أيضًا تجربة للوقت ولا يمكن أن تكون تجربة الوقت التي ليست أيضًا تجربة للفضاء، وعلاوة على ذلك لا توجد حدود للمكان والزمان طالما أنّ كل من المكان والزمان لا حصر لهما، فالفضاء في امتداده والوقت في مدته ليس له بداية أو نهاية محددة، ولذا بالنسبة لأندرسون فإنّ قول: “شيء موجود” يعني أنّه حدث في الزمكان، كما أطلق على حدوث في الزمكان (الموقف).

فئات الوجود:

بالنسبة لأندرسون هناك شيء موجود في وقت فراغ (Space-Time) وله سمات فئوية معينة، وتابع معالجة الإسكندر للفئات وإن كان ذلك في شكل معدّل قليلاً، وجادل بأنّ هناك ما مجموعه ثلاثة عشر فئة:

1- الهوية.

2- التنوع.

3- الوجود.

4- العلاقة.

5- العالمية.

6- الخصوصية.

7- العدد.

8- النظام.

9- الكمية.

10- الشدة.

11- الجوهر.

12- السببية.

13- الفردية.

ومع ذلك فإننا نواجه صعوبة على الفور في معالجة أندرسون لهذه الفئات لأنّه بينما في نص محاضراته يتعامل مع الفئات الثلاثة عشر المذكورة أعلاه بشكل منفصل، وعندما جاء لتصنيفها تعامل مع اثنتين منها -العالمية والكمية- على أنّها ذات حواس مزدوجة، وبالتالي تم توسيع عدد الفئات إلى خمسة عشر.

ومن ثم في مجموعة واحدة من الفئات يميز بين الفئات المنطقية أو المقترحة والفئات الرياضية أو الكمية والفئات المادية أو النوعية بالطريقة التالية:

1- المنطقي: الهوية والتنوع ووجود وعلاقة والعالمية (منطقية).

2- الرياضية: العالمية (رياضية) وخصوصية وعدد وترتيب والكمية (رياضية).

3- المادية: الكمية (المادية) والشدة ومستوى والسببية الفردية (الهوية المادية).

من الواضح تمامًا أنّ هذا التجميع لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال معالجة الفئات الخاصة بالعالمية والكمية بالطريقة المزدوجة، وعلاوة على ذلك كما لو أنّ هذا التصنيف لم يكن مربكًا بدرجة كافية بالفعل فقد جادل أيضًا بأنّ الفئة النهائية والفردية يمكن اعتبارها هوية مادية وبالتالي تتناقض مع الفئة الأولى الهوية التي وصفها الآن بأنّها هوية مجردة، وهذا يعني أنّ الفردية هي مجرد جانب واحد من جوانب الهوية وبالتالي ستقلل الفئات الثلاثة عشر الأصلية إلى اثني عشر.

يتم تحديد العدد الدقيق للفئات فقط من خلال الطريقة التي تتعامل معها: أي ثلاثة عشر كما تظهر في النص، وخمسة عشر إذا عاملتهم على أنّهم ثلاث مجموعات من خمسة، أو اثني عشر إذا تعاملت مع الفردية على أنّها مجرد جانب من جوانب الهوية.

فيما يتعلق بتفاصيل الفئات جادل أندرسون بأنّ الإسكندر فشل في تقديم مبدأ يمكن من خلاله ترتيب الفئات، وجادل بأنّ مثل هذا المبدأ يمكن العثور عليه في (الاقتراح)، ولقد جادل أنّه في المقولات المنطقية أو الافتراضية يتم التعامل مع الفئة الأولى الهوية على أنّها مجرد هوية مجردة ويتم الإشارة إليها من خلال المصطلح الموضوعي للقضية، وفي المقابل التنوع هو كل شيء ليس هوية ويشار إليه ببقية الاقتراح، فالتناقض والتمييز بين الهوية والتنوع يعطينا فئة الوجود التي تشير إليها الكوبولا (copula) أي الصلة في الاقتراح.

ومع ذلك فإنّ التأكيد على وجود معين يعني أنّه يجب أن يكون لدينا وجود آخر مميز وبالتالي نقوم بتطوير فئة العلاقة، من مختلف الوجود المرتبط في المكان والزمان ببعضها البعض ويشار إلى ذلك من خلال مسند الاقتراح، وأخيرًا في وجود العديد من الوجود المترابطة بشكل شائع لدينا فئة العالمية بمعناها المنطقي كنظرية للأنواع.

في الانتقال إلى الفئات الكمية أو الرياضية يتم التعامل مع العالمية الآن بمعناها الكمي باعتبارها المُحدد الكمي العالمي للمقترح (الكل)، وعلى عكس المُحدد الكمي العالمي لدينا المُحدد الكمي الخاص للقضية (بعض) وهذا يعطينا فئة الخصوصية، وبينما أكد أندرسون في كثير من الأحيان أنّ المحددات الكمية العامة والخاصة كانت كل ما هو مطلوب لتوفير الأشكال المنطقية الأربعة للقضية تشير فئته التالية الرقم إلى أنّ الشمولية والخصوصية هي ببساطة عددية من حيث أنّها تشير إلى الكائنات التي يمكن حسابها ضمن مجال أو موقف معين.

علاوة على ذلك تشير الفئة التالية الترتيب إلى أنّه لا يمكن حساب العناصر فحسب بل يمكن أيضًا ترتيبها ضمن سلسلة معينة عند حدوثها في حقل أو موقف معين، فالفئة الرياضية النهائية هي الكمية وهذا يشير إلى حقيقة أنّ أي رقم يحدث على طول سلسلة مكانية أو زمنية هو حقيقي وبالتالي إما عقلاني أو غير منطقي.

في الانتقال إلى الفئات المادية يتم الآن التعامل مع الكمية بمعناها المادي على أنّها ملء الفراغات والأوقات التي أشارت إليها الكمية الرياضية على أنّها مجرد تجريد، وبهذا المعنى يمكن وصف الكمية المادية بأنّها مادة على الرغم من أنّ الوصف العام الأفضل هو الصلابة، وهنا الصلابة هي ملء الفراغ الذي يحدث عندما يوجد شيء ما في وقت الفراغ.

ربما تكون الفئة التالية الشدة هي الأصعب من بين جميع فئات أندرسون في الفهم، ومن ناحية أخرى تشير الكثافة إلى الصفات التي يمتلكها الشيء وإذا كان هذا هو كل ما كان يعنيه فسيكون فئة غير إشكالية، ومع ذلك قصد أندرسون أيضًا أن تشير الشدة إلى أي مقارنة لكائن (مثل حجمه) ومن الواضح أنّ الفئة الواحدة لا يمكن أن تشير إلى كل من الاختلافات المقارنة بين الأشياء وخصائصها الفعلية.

الفئة التالية هي الجوهر وهذا يشير إلى بنية الشيء أو التوازن الداخلي أو انسجام التوترات التي تحدث داخل الشيء، وكمثال ملموس على المادة يجادل أندرسون بأنّ مادة أو هيكل الماء H2O، في حين أنّ هذه الفكرة واضحة بما فيه الكفاية فإنّ علاقة المادة بالكثافة تظل غير واضحة، وتؤدي فئة الجوهر إلى فئة السببية التي ليست مجرد تعاقب في المواقف ولكنها تنطوي على استبدال حالة بأخرى.

الفئة الأخيرة هي فئة الفردية وهي مزيج من نوعية وكمية شيء ما لمنحنا الهوية الملموسة لشيء ما، وكهوية ملموسة يمكن أن تتناقض الفردية مع الهوية المجردة التي بدأنا بها.

تم بالفعل ملاحظة بعض الانتقادات الرئيسية لنظرية أندرسون عن التصنيفات على الرغم من وجود نقد آخر يذهب إلى قلب نظامه الميتافيزيقي، وبالنسبة لأندرسون يجب أن يكون لأي اقتراح ذي معنى مصطلحات مرجعية، أي أنّها تشير إلى الأشياء والصفات والمواقف الفعلية، ولكن أندرسون أصرّ في عدة مناسبات على أنّ المقولات لا يمكن فهمها على أنّها مجرد أشياء، لأنّها بحكم تعريفها تلك السمات العالمية أو الفئوية التي تمتلكها كل الأشياء.

تكمن الصعوبة التي يواجهها أندرسون في أنّه نظرًا لأنّ معاييره للخطاب المعقول والهادف تقتصر على الافتراضات التي لها مصطلحات تشير إلى الأشياء، ونظرًا لأنّ المقولات لا يمكن أن تكون مثل هذه المصطلحات فلا يمكننا أبدًا أن يكون لدينا خطاب ذي معنى أو مفهوم للفئات، وغالبًا ما يوصف هذا النقد بأنّه (لا يوصف من الفئات).


شارك المقالة: