فلسفة كافنديش في العقل المادي

اقرأ في هذا المقال


إنّ أحد الخيوط المهمة في حجة الفيلسوفة مارجريت لوكاس كافنديش للمادية هو دفاعها عن وجهة النظر التي تفكر فيها المادة، وإذا تمكنت من الدفاع عن هذا الرأي بنجاح، فلن تكون حقيقة وجود التفكير دليلاً ضد الرأي القائل بأنّ كل شيء مادي، حيث تبدأ إحدى حججها لعقيدة التفكير بالمادة بافتراض أنّ عقولنا مسكونة في أجسادنا، وتفترض أننا جادون عندما نقول أنّ تفكيرنا يحدث في الرأس، وتخلص إلى أنّه إلى الحد الذي نتحدث فيه حرفيًا يجب أن يكون لأفكارنا شخصية وأن تكون مكانية.

هل العقل وأفكاره مادية؟

بما أنّ المكان هو سمة تنتمي فقط إلى الجسد فإنّ العقول وأفكارها مادية، وأحد الأسباب ذات الصلة التي قدمتها كافنديش لصالح وجهة النظر القائلة بأنّ التفكير مادي هو ذلك، وعلى الرغم من أنّ المادة قد تكون بدون حركة، إلّا أنّ الحركة لا يمكن أن تكون بدون مادة، وذلك لأنّه من المستحيل أن يكون هناك حركة غير مادية في الطبيعة.

تعتبر كافنديش أنّ من الواضح أنّ الأفكار موجودة في الدماغ، وبالتالي فهي ملتزمة بوجهة النظر القائلة بأنّه عندما ينتقل الشخص من مكان إلى آخر، فإنّ عقل الشخص يشارك في الحركة أيضًا، كما تناشد كافنديش فرضية عدم وجود حركة غير مادية لدعم وجهة نظرها القائلة بأنّ العقول مادية، وهي تفترض ضمنيًا فرضية أنّه عندما يسافر شخص من مكان إلى آخر كذلك تفعل الأفكار التي يمتلكها الشخص على طول الطريق.

فلسفة العقول المادية بين كافنديش ولوك:

تتوقع كافنديش خطًا من الجدل وجدناه لاحقًا في فلسفة جون لوك حيث لا أحد يستطيع أن يتخيل أنّ روحه يمكنها التفكير أو تحريك جسد في أكسفورد أثناء وجوده في لندن، ولا يسعه إلّا أن يعرف وأنّه بالاتحاد بجسده، فإنّه يتغير باستمرار كل الرحلة بين أكسفورد ولندن كما يفعل المدرب أو الحصان الذي يحمله، وهنا يلمح لوك فقط إلى الاستنتاج القائل بأنّ العقول مادية، ولكن كافنديش على النقيض من ذلك لا تهتم بسحب أي اللكمات، والفرضية التي تعتقد المادة أنّها عنصر لا رجوع فيه في نظامها الفلسفي، وإنّه ليس ملحقًا غير مرحب به ولكنه بدلاً من ذلك نتيجة مباشرة للمعتقدات التي تعتبرها واضحة.

بجمع الحجتين معًا فإنّ التعديلات مثل الحركة والموقع تتعلق فقط بالأجساد، ولأنّ عقولنا تسافر بأجسادنا وتوضع فيها فهي مادية، وتحاول كافنديش في الواقع أن تحاصر خصمها لتشرح معنى الشعور الذي تتحرك فيه العقول أو التي تسكن عقولنا إذا لم تكن مادية، وشخصية مثل لايبنيز مريحة في توضيح طبيعة العقول (غير المادية) من حيث لغة النوافذ والدوار والبرك والمنظور المكاني، وتصر كافنديش على أنّ لغة الحركة والأبعاد تنطبق على الأجسام وحدها.

الحجة الأخرى التي تطرحها كافنديش للرأي القائل بأنّ التفكير مادة هي من التفاعل بين العقل والجسم، فأولاً تفترض مسبقًا فرضية مادية قياسية، حيث لا شيء يمكن أن يتفاعل مع الجسد أو يتلامس معه إلّا الجسد، فمن المرجح أكثر أنّ مادة ما يجب أن تعمل على مادة أخرى، أو أنّ مادة غير مادية يجب أن تعمل على مادة أخرى غير مادية، ثم أنّ المادة غير المادية يجب أن تتصرف على مادة أو جسدية.

هذا نوع قياسي من الحجة نجده في الفلاسفة بدءًا من لوكريتيوس إلى جاسندي إلى سبينوزا إلى سيرل، حيث لا يمكن للأشياء أن تقف في العلاقات السببية مع الأجسام إلّا إذا كانت هي نفسها مادية، وتسمح كافنديش بوجود العديد من الحالات التي تكون فيها الأجسام على مسافة من بعضها البعض ولكنها لا تزال قائمة في العلاقات السببية، وهناك حالات واضحة مثل إدراكنا للشمس والتي كان من الأفضل أن نكون بعيدًا عنها إذا أردنا أن نكون في وضع يمكننا من الشعور بها، وكذلك حالات مثل صراخ ضوضاء عالية، ولكن كافنديش ترى أنّ هذا في النهاية يصل إلى مستوى التفاعل عن طريق الاتصال.

فلسفة كافنديش والحقيقة هي المواد المادية:

أحيانًا يقترب كافنديش من قول شيء أقوى وهو أنّ الأشياء المادية هي الأشياء الوحيدة الموجودة أو الحقيقية، على سبيل المثال أوضحت كافنديش بأنّ الأشياء غير المادية من غير كائنات لأنّها الأضعف على الإطلاق، ويمكن أن تسبب لها الطبيعة أقل ضرر لأنّها لا تستطيع إعاقة أفعال الطبيعة الحقيقية والجسدية، وإذا كانت كافنديش تعتقد أنّ الأشياء الوحيدة الحقيقية هي الأشياء التي لها أبعاد فهي ليست وحدها.

وقد جادل توماس هوبز المعاصر على نفس المنوال بأنّ العالم (أي لا الأرض وحدها والتي تسمي عشاقها من الرجال الدنيويين، ولكن الكون أي الكتلة الكاملة لكل الأشياء) هو جسدي أي الجسد، ولها أبعاد الحجم أي الطول والعرض والعمق، حيث كما أنّ كل جزء من الجسم هو بالمثل الجسد وله أبعاد مماثلة، وبالتالي فإنّ كل جزء من الكون هو الجسد، وما ليس الجسد ليس جزءًا من الكون ولأنّ الكون هو كل شيء فإنّ ما ليس جزءًا منه ليس شيئًا وبالتالي لا مكان، ولا يترتب على ذلك أنّ الأرواح ليست شيئًا وذلك لأنّها لها أبعاد وبالتالي فهي في الحقيقة أجساد.

تؤيد كافنديش الرأي القائل بأنّ الأشياء المادية هي فقط الأشياء الحقيقية والجوهرية، ولكنها بذلك لا تلتزم بوجهة النظر القائلة بأنّ الموجودات فقط هي المادية، وقد تعتقد أنّ كلمتنا (حقيقية) تنتقي الأشياء الملموسة والمكانية ولكن هناك أشياء أخرى موجودة أيضًا، وتقترح كافنديش الكثير عندما تقول أننا قد نكون محاطين بمواد غير مادية ولكننا لا نستطيع اكتشافها، كما تؤكد أيضًا على أنّها عندما تنكر وجود المواد غير المادية فإنّها تنكر فقط وجود المواد الطبيعية غير المادية، فهي تقول إنّ الأفكار والعقول التي نكتشفها ونعرفها هي جزء من الطبيعة وبالتالي فهي مادية.

فلسفة كافنديش فيما إذا كانت العقول تتحرك:

هناك اعتراض مختلف تواجهه كافنديش وهو أنّ هناك شيئًا غريبًا في القول بأنّ العقول تتحرك أو أنّها مكانية، فهناك الكثير من الشخصيات في تاريخ الفلسفة الذين افترضوا وجود كيانات ليست في الفضاء، وعلى الرغم من أنّ هذه الكيانات لا تزال بطريقة ما تنطبق على الأشياء اليومية أو هي جزء منها، وربما يكون الأكثر شهرة هو افتراض أفلاطون لوجود الأرقام والأشكال الهندسية المثالية والكيانات العالمية الأخرى.

هنا يُفترض أنّ كافنديش وخصومها على خلاف، وقد تصر على أنّه قد يكون هناك شيء غريب في قول أنّ العقول تتحرك، ولكن هناك أمرًا أكثر غرابة في القول إنّ الشخص بأكمله يشارك في الحركة دون أن يشارك عقولهم في الحركة أيضًا، وربما لدينا عقول غير مادية موجودة في عالم أفلاطوني غير مكاني، أو غير مكانية بخلاف ذلك ولكن هذه ليست العقول التي نضعها في ذهننا عندما نتحدث عن الكيانات الأرضية التي لديها أفكار خيالية وأبعاد وتشارك من الحركة، وفي الواقع تناشدنا كافنديش أن نأخذ على محمل الجد أنّ لغة تحريك العقول ليست سوى لغة غير عادية على خلفية مفهوم فقير للمادة.


شارك المقالة: